المحامي والمستشار الشرعي عبدالعزيز القاسم :
[c1]لا يوجد في السعودية تيار علماني والإعلام فشل في تكوين رأي عام في مواجهة الإرهاب [/c]أكد المحامي والمستشار الشرعي عبدالعزيز بن محمد القاسم، أن الخطاب الديني في العالم العربي والاسلامي لا يسهم في تعميق فكر إسلامي و لايؤصل يحترم التعددية الفقهية، ولكنه يدعو إلى أفكار وأدبيات الجماعات الإسلامية بعيداً عن الدعوة إلى مكارم الأخلاق، والتطبيق الحقيقي للتدين بوجهه قولاً وعملاً.جاء ذلك في حوار أجرته صحيفة ( الحياة ) اللندنية مع الشيخ عبدالعزيز القاسم نفى فيه أن يكون في السعودية صوت واحد يفرض نفسه كصوت شعبي، بل ان هناك من خرجوا من عباءة التقليدية كالشيخ سلمان العودة وعبدالمحسن العبيكان وعائض القرني، وأصبحت لهم آراء وأفكار مغايرة تماماً لما يتبناه التيار الإسلامي في السعودية.وحول ملف الإرهاب، أكد القاسم أن الشبان الذين توجهوا للجهاد في أفغانستان، ثم تورطوا في جرائم الإرهاب أخيراً، هم ضحايا السياسات، والفكر الإسلامي المتشدد والمظالم الدولية، مشدداً على أن المعالجة الإعلامية لظاهرة الإرهاب، لم تسجل أي تقدم في النتائج بدليل الاستفتاءات الموجهة للجمهور،التي تخرج بأن قادة «القاعدة» هم أبطال حقيقيون.و نظرا ً للأهمية الحوار مع الشيخ عبدالعزيز القاسم الذي يوصف بأنه أحد رموز التنوير في السعودية ، تعيد صحيفة ( 14 أكتوبر ) نشر نصه كاملا ً تعميما ً للفائدة :[c1]*تقليدية الخطاب الديني عندنا وعدم استيعابه لآراء واجتهادات دينية مختلفة يعتقد أنه أسهم في خلق مشكلات فكرية واجتماعية وحياتية، هل تتفق مع هذه الرؤية؟[/c]- أنا أعتقد أن الخطاب الإسلامي هو أحد مفعولات السياسة، وما ظهر في السعودية هو أثر ونتيجة لسياسة التحالف مع الإسلام الإخواني لمواجهة اليسار والقومية في الستينات والسبعينات، فانتقلت الشرعية إلى الشارع الإسلامي، وحقق التيار الإسلامي انتشاره ونفوذه، كاحدى أدوات الصراع في الحرب الباردة ذلك الوقت.هذه الظروف أدت إلى ظهور جوانب ايجابية وأخرى سلبية، من الجوانب الإيجابية المحافظة على بعض أحكام الإسلام، ومن السلبيات تعرض الدين لأن يكون واحداً من أدوات الصراع في المجتمع التي استغلت استغلالاً شوه معالم الدين ومخرجاته، وللأسف فإن التدين في مجتمعنا لا يتمم مكارم الأخلاق كما يجب أن يكون في الشريعة، بل تجد التدين يتلازم مع أخلاق تشوبها شوائب، سواء في المعاملة أم في الخلاف أم في جوانب عدة، تكشف أن التدين «مسيّس». لا أعتقد أن الخطاب الإسلامي هو المسؤول عن هذه الأزمات، لكن المسؤول جملة من الأمور.الدولة قامت على الإسلام التقليدي، وما استجد في الستينات هو تبني الإسلام الحركي وتبني سيد قطب، الذي كان يبث تفسيره في الإذاعة الرسمية، وكذا أفكار الإخوان المسلمين، وهذا شكل جديد من أشكال التدين لم يكن مألوفاً في تاريخ المجتمع والدولة.[c1]الخطاب الإسلامي... تقليدي* لكن هذا الخطاب الذي تنتقده يدعو في أدبياته إلى المحافظة على الأخلاق الإسلامية؟[/c]- الخطاب الإسلامي لا يدعو إلى مكارم الأخلاق كما في الإسلام التقليدي، فقد تحول الوعظ إلى نوع من الصراع مع التيارات الأخرى لا تبرز فيه إلا مسائل رمزية تستخدم في الصراع.لا توجد حساسية في الخطاب الإسلامي تجاه تعميق مكارم الأخلاق، خذ مثلاً الصدق في المعاملة فهي لا تحتل مكانة كما يحتل الإسبال مثلاً وكذلك الأمانة، فالخطاب الإسلامي يخلق نوعاً من الأخلاق الشكلية الخارجية التي تنظم وتؤطر المجتمع داخل حركات معينة وتيارات أكثر من أن تكون تربية أخلاقية حقيقية، تستقيم مع مكارم الأخلاق، فالخطاب يستخدم ما يفيد سياسته أكثر من أن يبني أخلاقا،ً ولا أعمم، توجد مظاهر أخلاقية كثيرة، لكنها ليست الغالبة، ولا أظن أن هذه الملاحظة محل جدال.[c1]*بما أن مجتمعنا انفتح على ثقافات ومجتمعات أخرى، هل تعتقد أن الخطاب الديني التقليدي سيقف بقوة أمام كل تغيير في الأفكار؟[/c]- لم يعد في السعودية خطاب ديني واحد، أصبح الصوت الإسلامي متعدداً، عدد من الدعاة تجرأ، وقال رأيه بصراحة، وبدأ يخط توجهاً إسلامياً جديداً ومختلفاً، خذ مثلاً الشيخ سلمان العودة، وبعض من لفتات الشيخ عائض القرني، وبعض اجتهادات الشيخ عبدالمحسن العبيكان والشيخ القاضي محمد الدحيم، وأمثلة أخرى تظهر لتشكل تعددية داخل الصوت الإسلامي، هذه المتغيرات التي أشرت إليها أسهمت في خلق قنوات إسلامية متعددة.[c1]* لكن هؤلاء تجمع بينهم كليات الخطاب، ويختلفون في جزئياته...؟[/c]- أختلف معك، فلسنا متفقين على كليات الخطاب المحلية، صرنا نرى اختلافاً معاكساً في الكليات، صرنا نرى سلمان العودة يتحدث عن إمبراطورية إسلامية، وأنها لم تكن فتوحاً إسلامية خالصة، فهذا يعاكس اتجاه التفسير الإسلامي الصحوي لتاريخ الدولة الإسلامية، وهو اتجاه معاكس في الأساسيات، وليس الفرعيات، وخذ مثلاً الموقف من المخالف، من الدعاة من يتبنى موقفاً معاكساً للاتجاه الصحوي، خذ مثلاً الموقف من الدولة عند الشيخ ناصر العمر اختلف جذرياً، ومن الأمثلة ما صرح به الشيخ محمد الدحيم الذي يدعو - من قناة المجد - إلى قراءة جديدة لموقف قاسم أمين من المرأة. أصبحت لدينا آراء مختلفة، فيما كانت سابقاً آراء صحوية متشابهة.[c1]* ألا تعتقد أننا نفتقد إلى الفقيه المجتهد، وأننا أسرى لمدرسة التقليد الفقهي؟ أليس من الضروري أن نتحول إلى الاجتهاد الفقهي المؤسساتي لحسم القضايا الفقهية، خصوصاً الخلافية أو المستجدة في المجتمع ؟[/c]- لا أعتقد أن هناك إمكاناً لحسم الخلافات الفقهية، المهم أن يتعود المجتمع على التعددية الفقهية أكثر من حاجتنا إلى قضية حسم الخلافات، والتعويد يكون ببث روح فقه الائتلاف في ظل الاختلاف، بحيث يحتمل بعضنا بعضاً في مسائل الخلاف، الأهم من هذا أن نبني آلية للتراكم والتعميق الفقهي، بحيث يظهر لدينا فقه متمكن، وان تشغلنا نوعية الفقه ومتانته، أكثر من أن تشغلنا مسائل الخلاف، فضلاً عن أن نشتغل بصياغة المجتمع في قالب فقهي موحد. الذي نعاني منه بشكل مؤلم هو ضعف الأداء الفقهي، ويكفي أن تتصفح الرسائل الفقهية في بعض كليات الشريعة لتجد في بعض منها هشاشة، وتجميعاً شكلياً للمواضيع، وتحقيق المخطوطات، أكثر من أن تجد فيها رأياً فقهياً أصيلاً، أو رأياً فقهياً نتج من اجتهاد حقيقي، فالضعف الفقهي هو الذي نعاني منه وليس الخلاف الفقهي، أما معالجة هذا الواقع فهي بإيجاد مؤسسات فقهية حقيقية ومتخصصة تلبي حاجتنا إلى فقه مؤسسي تراكمي. وثانياً أن نتآلف مع الاختلاف، بحيث تكون لدينا مدارس فقهية متعددة تتعايش بارتياح.[c1] *هل ترى أن ذلك يتوقف على نشوء جيل جديد يتعلم تلك الآداب من خلال التعليم الرسمي؟[/c]- لا أظن أن المسألة تتوقف على نشوء جيل جديد، بل هي ظاهرة تظهر الآن، فالتغير بدأ في مجتمعنا، وأصبحنا نحتمل وجود آراء متعددة بعض الشيء، وإن كنا بحاجة إلى تعميق هذا التحمل، ليس هناك شك في أن التعليم الرسمي مسؤول مسؤولية مباشرة عن تأسيس أدبيات الاختلاف، ورعاية حقوق المختلفين، ليكون تأصيلاً للجيل المقبل.[c1]المؤسسات الفقهية* ألا ترى أن من حق المنتسبين للفئات والطوائف الأخرى أن تكون لهم مؤسسات تتولى شؤونهم تحت ظل وعباءة الدولة؟[/c]- ليس هناك مانع شرعي من أن تكون للطوائف والفئات مؤسساتها الدينية والفقهية، خصوصا إذا عذرناهم في الاختلاف، والمسائل التي لا تخالف قطعيات الدين، لهم علينا حق في احترام تعدديتهم، وليس بإمكاننا أن نغيرهم بالقوة.بلادنا تنطوي على واقع تعددت فيه المذاهب، وتجاهل هذا الواقع أثبت فشله في بلدان أخرى. نحن بحاجة إلى تعزيز حركة التصحيح والمراجعة، وتعايش أكثر نضجاً، وأقرب إلى تجربة السلف في التراث السني، وظهور مؤسسات دينية يمهد للتصحيح ويسمح بالنقد المتبادل، ويدعم حركات تتجاوز تعقيدات التاريخ الماضي والصراعات القديمة.[c1]* إذاً كيف يمكن لأحد أن يبشر بالتعددية والحرية في ظل ما يتردد عن سيطرة صوت واحد؟[/c]- لا أظن أن واقعنا يحكي أو يشف عن سيطرة وهيمنة لصوت واحد، ذلك أن الواقع حالياً يقول إن أحد الأصوات نشيط وأصوات أخرى كسولة ومهملة، فأدى كسلها إلى ضمور أفكارها وحضورها، ولذلك لما بدأت تتحرك أصوات فقهية جديدة أخذت مكانها الطبيعي في المجتمع.لكن الناس هم من يحكمون على الصوت الذي يناسبهم وهو الصوت الإسلامي، فسطوة الصوت الإسلامي فرضت نفسها على بقية الأصوات.الآن أصبحت المنابر عدة، والمجتمع يتابعها، وأثبت الواقع أن الناس تستمع إلى أكثر من صوت، فالشيخ القرضاوي على سبيل المثال مقارنة بصوت الفقهاء في المملكة صوت مختلف وله جمهوره وكلمته مسموعة، والحوارات الفكرية التي تظهر على القنوات لها جمهور أكثر من جمهور المنابر الدينية، فالمشكلة أن التيارات الأخرى ليس لديها خطاب ناضج قادر على تقديم نموذج متماسك يعطي الناس قناعة بمتابعته، وأيضاً جزء كبير من التيارات الأخرى منغمسة في تبرير أداء الحكومة، وباءت بمشكلات خطابها ، لدينا نموذج يثبت أن الجمهور يتابع من يعالج قضاياه، خذ مثلاً الخطاب النقدي والإصلاحي، الذي تشهده بعض الصحف السعودية مثل نقاد السياسات الاقتصادية في صحيفة «الاقتصادية» السعودية، يقدمون صوتاً نقدياً مسموعاً، له جمهوره وتأثيره، فهذا يدل على أنه ليس هناك احتكار للمنابر، بل المشكلة هي الضعف في البدائل، وضعف الأصوات المعارضة.[c1]الاختلافات والصراع الفكري*يشغل الناس في السعودية المصطلحات والألقاب، التي تنطوي على تصنيفات كعلماني وليبرالي وسلفي، هل هناك وجود للعلمانية والليبرالية بشكل مؤثر في السعودية؟ ولماذا التركيز عليهم؟ وهل هناك ما يثير في أطروحاتهم؟[/c]- لا يوجد في السعودية تيار علماني بالتعريف الأكاديمي للتيار العلماني، توجد تيارات لها نزعات ليبرالية، لكنها ليست تيارات علمانية شاملة، وأنا اعتقد أن وجود هذه الاختلافات والصراع الفكري، مظهران ايجابيان من مظاهر حياة المجتمع، ومن الطبيعي أن تكون هذه التعارضات مثيرة للحساسيات في البداية، ولكنها في النهاية شئنا أم أبينا تسهم في تشكل تيارات جديدة تأخذ من أطايب الفكر، وآحاسن الآراء، ليتشكل منظور مختلف عن التيارات التي أنشأت هذه الصراعات في بداية الأمر، توجد تحرشات متبادلة بين الإسلاميين، وبين من تسميهم بالعلمانيين والليبراليين، لكنها لا تمثل صراع تيارات متكاملاً، هي مناوشات على مسائل جزئية في غالب الأحوال.[c1]*لماذا يرتبط تصنيف الأشخاص والحكم عليهم بماضيهم الذي لا يمثل واقعاً لهم حالياً؟[/c]- هو نوع من التأريخ للظاهرة واثبات الاختلاف، لا يوجد احد لا تتغير آراؤه، لكن المهم في نظري من الناحية الشرعية هل تغير موقفه من الشريعة، أم لا؟ هل هو قابل لهيمنة الشريعة عليه في تصرفاته وأقواله وأفعاله، أم لا؟ إذا كان باقياً تحت حكم الشريعة، فلا يمكن أن ينزع منه حكم الإسلام مهما احتججنا عليه، باختلاف آرائه وقناعاته الفقهية.[c1]مناهجنا الدراسية[/c][c1]*طالبت في الحوار الوطني الثاني في مكة المكرمة في ورقة عمل، بضرورة تغيير المناهج، وتخفيف حدة اللهجة الدينية المتشددة فيها، هوجمت بضراوة لماذا كل الهجوم؟ وإلى أي شيء تدعو من خلال هذه الورقة؟[/c]- تعديل المناهج موضوع مثير في السعودية، باعتبار انه أصبح من القضايا الرمزية بين الإسلاميين وخصومهم، فإثارة هذا الموضوع هي جزء من وهم المحافظة على هوية صحوية للمجتمع، لأن المجتمع لا يحافظ على هويته هذه إلا من خلال شكل معين من أشكال المناهج في نظر بعض الإسلاميين، العبرة في النهاية هي بشرعية المادة المكتوبة، وتوافقها مع ترتيب أولويات الشريعة الإسلامية وليست أولويات الصحوة المتورمة.الذي اعتقده حتى الآن، هو أن المناهج لم تكتب بطريقة متوافقة مع أولويات الشريعة، بل كتبت بالتوافق مع أولويات الصراعات الكلامية في أوقات تاريخية مختلفة، وما ادعو إليه هو إعادة كتابتها بما يتوافق مع أولويات الشريعة، ووفقاً لاحتياجاتنا المعيشية.[c1] *بوجهة نظرك ما الأحداث المفصلية التي مرت على السعودية، وكانت منعطفاً تاريخياً في مسيرة المجتمع على الأصعدة كافة؟[/c]- من أهم الأحداث أزمة الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت)، ثم أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهي التي تشكل جزءاً مهماً من خلفية الأحداث، وخلفية التحولات الفكرية والثقافية والسياسية في السعودية، نحن نتأثر بشكل كبير بالظروف الخارجية ، ونشهد تحولات في المجتمع، سببها بالتأكيد أحداث خارجية.[c1]هيئات الأمر بالمعروف والسلطة الخامسة*هوجمت الهيئة كثيراً، وهي بالطبع إحدى مؤسسات الدولة الأساسية، كيف تقوّم دورها ونشاطها في ظل هذا الهجوم والانتقاد الحاد؟[/c]- مشكلة الهيئة أنها قامت على نظام لم يكتب كتابة فقهية دقيقة، فقد صدر هذا النظام متأثراً بظروف مواجهة حادثة الاعتداء على الحرم المكي، إذ صدر بعد هذه الحادثة بأشهر عدة، ويبدو أن الدولة قدمت فيه - على عجل - سلطات أكثر من السلطات الطبيعية لهذا الجهاز، فلو قرأت نظام الهيئة لوجدته يعطيها سلطات متعددة!فكيف يمكن أن تجتمع في جهاز واحد ويحسن تنفيذها؟ والهيئة لها أخطاء مشتركة، شأنها شأن «الشرطة» في أخطائها، من حيث عدم تقنين الجرائم، أو المخالفات التي يجوز للسلطة العامة التعامل معها. مشكلة أخرى أنها تبنت الإنكار في مسائل الخلاف، بل ركزت في معظم نشاطاتها على الإنكار في المسائل الخلافية، واشتغلت بفرض رأي اجتهادي معين على المجتمع، على رغم أن الإنكار لا يكون إلا في مسائل الإجماع. ومشكلة ثالثة هي عدم وجود آلية للرقابة على أخطاء الهيئة، وبالتالي لا يمكن حماية الهيئة من أخطاء نفسها، فللأسف أن الأخطاء تعود على أصل مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتشويش، كما حدث في المجتمع السعودي، فلا احد من المسلمين يرضى بإنكار مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. في المقابل لا أحد يقبل أن يتحول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى أن يكون سلاحاً لإجبار الناس على الالتزام بآراء اجتهادية معينة، في المملكة لم نقنن الجرائم ولم نقنن أحكام التحرش، ومنع الإيذاء الجنسي في الأماكن العامة، وبالتالي أصبح الناس بحاجة إلى تدخلات الهيئة، حتى ولو كانت الهيئة تمارس أخطاء في تدخلاتها، باعتبارها البديل عن الفوضى التي من الممكن أن تحدث بسبب الإهمال لمشكلة التحرش على سبيل المثال.[c1]* برأيك ما الإصلاحات التي يحتاجها جهاز «الهيئة» حتى يتجنب كل هذه الإشكالات؟[/c]- «الهيئة» جهاز بحاجة إلى إصلاحات جوهرية، أولها حظر ومنع الإنكار في المسائل الاجتهادية والخلافية. وثانياًً أن يحترم العاملون آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى رأسها الالتزام بالحقوق الشرعية التي قررها الكتاب والسنة للإنسان المتهم، ومنها تحريم التجسس، وتحريم إيذاء المؤمنين والمؤمنات من دون إثبات قاطع ينفي احتمالات البراءة، بحيث يطبق المبدأ الشرعي وهو «الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة».وعلينا أن نشير في هذا المقام إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشريعة يشمل كل عمل يندرج تحت هذه الشعيرة العظيمة، ومنها على سبيل المثال الاحتساب الذي تقوم به الصحافة على أخطاء أجهزة الحكومة، بما فيها جهاز «الحسبة»، ومن الغريب جداً أن نطلب من أي مسلم أن يمتنع عن الاحتساب على الهيئة، هذا تعطيل للشريعة مبني على الهوى والتحكم المحض. ومن الأمثلة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أعمال مجلس الشورى في احتسابه على الحكومة، وهكذا كل من أمر بمعروف أياً كان منصبه أو موقعه فهو محتسب، فلا مبرر لدعوى احتكار شرف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لجهاز معين، فضلاً عن أن يجوز ادعاء شرف الاحتساب في ممارسة خطيئة مخالفة لأصول الشرع مثل تجاوزات الهيئة، ويجب ألا يغرنا التهويل الذي يرتفع من فئة معينة إذا خالف الشريعة، فلله الحكم وهو تعالى أحكم وأعدل.[c1]* المجتمع يقبل بالهيئة، ويعارض كل هذه الحرب الإعلامية تجاهها، أنت وغيرك من المثقفين والمفكرين السعوديين تطرحون أطروحات كقيادة المرأة للسيارة، وعملها في المحال التجارية، وتهاجمون «الهيئة»، على رغم أن المجتمع يؤيد عملها بشكل كامل...؟[/c]- أنا لا أهاجم الهيئة أنا انتقد أخطاءها المخالفة للشرع، ولا اعتقد أن المجتمع يقبل أخطاء الهيئة. محل الخلاف هو أخطاؤها كيف تصحح وتعدل تصرفات العاملين فيها، أنا لا أدعو إلى إزالتها، ومن يدعو إلى ذلك فهو مخطئ، الهيئة ركن أساسي من أركان المجتمع، ويجب أن يبقى، ولكن أخطاءها يجب أن تصحح، مهما تشبثت بها بعض رموز الهيئة، ولا تجوز المداهنة في هذه الأخطاء، ومن داهن فيها فقد ارتكب إثماً ظاهراً مهما كان تأويله، ثم من ناحية أخرى هناك لدى بعض الفضلاء توهم مبني على سوء الظن يقوم هذا التوهم على أن الهيئات جهاز محارب ومستهدف، وأن المجتمع قد يميل مع هذا الرأي المعادي للهيئة والحقيقة أن هذا سوء ظن بالمجتمع، والواقع أن أعداء الهيئات الذين يرجون زوالها هم فئة نادرة في المجتمع، ولا تمثل حتى 3 في المئة من المجتمع، أما أكثرية المجتمع فهي مع الهيئات ولا يوجد أي مبرر للقلق من المجتمع أو اتهامه بذلك الظن السيئ، فإذا كانت الهيئات تحت رعاية المجتمع وتحظى بتقديره، فما مبرر الدفاع المستميت عن أخطائها وإن كان بغرض حماية الهيئة من خصومها؟ بل الواجب نقد الخطأ وإن صدر من جهة نحبها ونرجو لبرامجها التسديد والحماية.[c1]لا يوجد أي مجهود مؤثر فكرياً* هل تتفق مع الرأي الذي يقول إننا في السعودية استطعنا مجابهة الإرهابيين أمنياً، ولم نفلح في الحد من خطرهم فكرياً؟[/c]- لا يوجد أي مجهود مؤثر فكرياً. الذي حصل هو مواجهات أمنية فقط، أما العمل الفكري فنحن نشهد تبجيلاً للمصادر والمسلمات السابقة نفسها، لا توجد مراجعة حقيقية للجذور الفكرية التي تدعم حركة الإرهاب، تعالج جذوره الحقيقية ابتداء من غياب منافذ المشاركة والتعبير عن الرأي والتطلعات والنقد البناء، وانتهاء بمصادر التكفير والتعبئة المتوترة، أما لجنة المناصحة التي شكلتها وزارة الداخلية فهي رافد أمني، وليست إصلاحاً فكرياً، وما يجب علينا هو العودة إلى جذور هذه الظاهرة، إذ حتى الآن لم تقم المؤسسات الرسمية والمجتمع، بأية دراسات جدية لفهم وتحليل الدوافع، التي حركت هؤلاء الشبان، ومن دون فهم لهذه الدوافع، فإن كل المعالجات تمس الضحية، وتعالج الأعراض، ولا تمس الجوهر، ولن نجد في تجاهل الواقع إلا تأخير الوصول إلى الطبابة الصحيحة.[c1]* ما رأيك في الجهود الإعلامية لمعالجة الإرهاب، هل كانت موفقة؟[/c]- الإعلام فشل في تكوين رأي عام في مواجهة الإرهاب، والدليل هو الاستفتاءات المتوالية، التي تعتبر «القاعدة» وبعض رموزها أبطالاً ومجاهدين، وهذا بحد ذاته فشل إعلامي ذريع في مواجهة مد القاعدة. ومحتوى حملات المواجهة لا يبشر بالنجاح، لأنه يتجاهل الجذور.[c1] لماذا ؟[/c]*لا توجد بيئة حقوقية تمكّن المواطن من الحصول على حقوقه !! الحرية الكاملة لا يكفلها أي نظام قانوني في العالم، ونحن في الشريعة الإسلامية ليست لدينا حريات كاملة، بل لدينا حريات مقيدة. ولكن عدم تقنين الجرائم يؤدي إلى أن تكون الجرائم مسائل اجتهادية، فخيانة الأمانة جريمة يسجن عليها الشخص في أي بلد لسنوات عدة، وعندنا في السعودية لا يوجد من يلاحق خائن الأمانة، لعدم تقنين هذه الجريمة.مثال آخر، جرائم السباب والقدح جرائم يعاقب عليها بالحبس، ويتحرك فيها الادعاء العام بكل بساطة في الدول الأخرى، ولا يوجد لدينا تجريم حقيقي لها، أضف إلى ذلك التحرش، فبعض رجال الشرطة قد يرون جريمة تحرش أمامهم، ولا يتدخلون بينما في الدول الأخرى هي من الجرائم. وعن الإصلاح الذي أعلن في المجال القضائي أرى أنه قد تحقق جزء من هذه الإصلاحات، لكن لا يزال القضاء بحاجة إلى خطوات لم تستكمل، أهمها زيادة عدد القضاة إلى خمسة أضعاف على الأقل، وهذه لا تكلف الدولة سوى 700 مليون ريال، فيما توفر على الاقتصاد أضعاف هذا المبلغ، من خطوات الإصلاح، تطوير التعليم الفقهي الحقوقي، خصوصاً في كليات الشريعة ليدرس الطالب واقعنا في المعاملات، بدلاً من الوقوف عند متون كتبت قبل 300 سنة. ومن الخطوات الإصلاحية تصحيح معايير ترقية القضاة. أما إصلاح المحاماة فيبدأ بترخيص رابطة مهنية للمحامين ترتقي بمعرفتهم ومهاراتهم، وتحسين التعليم الحقوقي والتدريب المهني للمحامين وتصحيح تنظيم الرقابة عليهم، لتكون رقابة مهنية وليست شكلية.