من كتاب القط الأسود وقصص أخرى
ترجمة / طارق علي عيدروس السقاف ..لقد قتل آلافاً من الناس وكان أشد فتكاً من غيره، وكانت الدماء هي غايته من هذا القتل وطابعه المميز، أما الآلام المبرحة فكانت وسيلته في تعذيب ضحاياه، فقد كان يأتي بغتة ومن دون سابق إنذار ويقفز فوق جسد ووجه ضحيته ممزقاً إياه إربا إربا، وكان من أهم أعراض ظهوره هو النزيف الحاد، فلا يكاد يظهر هذا النزيف حتى يفقد الأمل في إنقاذ الضحية.كان الأمير بروسيرو يتمتع بالثراء والشباب كما كان شجاعاًَ وحكيماً، لكن عندما قتل الكثير من شعبه، قرر أن يجمع حوالي ألفاً من السيدات واللوردات في قلعته الكبيرة والمحصنة وكانوا جميعهم من الشباب الأثرياء ذوي النفوذ، وكانت هذه القلعة الضخمة محاطة بالكامل بحائط يستحيل اختراقه ويوجد بهذا الحائط عدد من البوابات الحديدية الضخمة وبعد دخول جميع النبلاء المدعوين إلى القلعة تم إغلاق جميع البوابات المحيطة بها بإحكام وتم التأكد من عدم إمكانية فتحها مرة أخرى.أما بقية أفراد الشعب من الفقراء والمعدمين كان محظوراًَ عليهم الدخول إلى القلعة، كما أنهم مسؤولون عن حماية أنفسهم. وكانت القلعة حينها ـ محصنة تماماً بحيث لا يستطيع احد الدخول اليها أو الخروج منها كانت القلعة مزودة بالمؤن والحماية من ذلك القاتل الخطير. وكان من السخف ـ بعد الآن ـ الشعور بالخوف والقلق بعد كل هذه التدابير المتخذة. وقد خطط الأمير للعيش بسعادة داخل قلعته الحصينة ظناً منه أنه بمأمن. وكان في القلعة العديد من الممثلين والموسيقيين والعديد من السيدات الجميلات اللاتي ينتمين للطبقة الراقية، كما كان هناك الكثير من الشراب حتى تكتمل متعتهم.لكنه كان هناك ... كان الموت الدموي خلف أسوار القلعة. وأستطاع أن يتسلق وأن يصل إلى قمة القلعة في الوقت الذي دعا فيه الأمير العديد من الأصدقاء للحفلة التي أقامها داخل القلعة وكانت من المفترض أن تكون من أجمل حفلات السنة التي عودهم عليها الأمير، وكانت عادة حفلة تنكرية ترتدى فيها الأقنعة بحيث لا يعرف المدعوون بعضهم بعضاً.وقد تم إعداد سبع غرف وتأثيثها تأثيثاً فاخراً للحفلة، كل غرفة كان قد تم طلاؤها بلون مختلف عن الأخرى كما تم طلاء النوافذ بلون متناسق مع لون الغرفة التي توجد بها، فكانت الغرفة الأولى مطلية باللون الأزرق أما نوافذها فكانت بلون بحري، أما الغرفة الثانية فكانت باللون الأرجواني وكانت نوافذها متناسقة معها، وكانت الغرفة الثالثة مطلية باللون الأخضر والرابعة باللون الأصفر والخامسة ذات لون برتقالي وكانت الغرفة السادسة مطلية باللون الأبيض، أما الغرفة السابعة فكانت غريبة فعلاً، كانت كلها مطلية باللون الأسود الفاحم كما أن نوافذها لم تكن متناسقة معها بل كانت مختلفة، كان لونها أحمر قانياً، كان مثل لون الدم تماماً، كما لم تكن هناك أية أضواء في أي من تلك الغرف، لكن كان يوجد العديد من المشاعل خارج نوافذ كل غرفة التي اخترقت أشعتها الغرف مكونة حزماً ضوئية غريبة ولكنها براقة. ولكن كان الوضع مختلفاً في الغرفة السابعة، فكانت الحزم الضوئية ـ التي اخترقت النوافذ الحمراء بلون الدم ـ ذات شكل رهيب ومفزع، وكان معظم المدعوين يشعرون بالخوف والرهبة من الدخول إلى تلك الغرفة.كانت هناك ساعة حائط خشبية سوداء كبيرة الحجم في الغرفة السابعة، وكانت مثبتة في الجهة الغربية من الغرفة، ومع مرور كل ساعة كانت تلك الساعة تدق جرساً ذات صوت موسيقي قوي مفزع ما يجعل الموسيقيين يوقفون عزفهم للاستماع لذلك الصوت الرهيب الذي تصنعه تلك الساعة الغريبة كما كان الراقصون يوقفون رقصهم بنوع من الرهبة، وكان هناك نوع من التوتر يحدث كلما دقت أجراس تلك الساعة. وبعد أن دقت الساعة دقتها في الليل، بدأ المدعوون بالابتسام وبعدها نظروا حولهم واتفقوا على أن لا يدعو من جرس تلك الساعة يوقف عزفهم ورقصهم في الساعة القادمة، ولكن بعد ساعة أخرى كان هناك توتر مرة أخرى لسماعهم الرنين الرهيب الذي تطلقه تلك الساعة الغريبة.ولكن وبالرغم من ذلك فقد كانت الحفلة التنكرية بهيجة، وكانت السيدات مرتديات ملابس تنكرية رائعة الجمال وفي الوقت نفسه كانت غريبة وكذلك كان الحال بالنسبة لملابس النبلاء، وكان بعضهم يرتدي ملابس تنكرية بهيئات رهيبة وكان البعض الآخر ذا هيئة تنكرية مثيرة للغثيان والاشمئزاز، وكان النبلاء والسيدات بملابسهم التنكرية أثناء رقصهم يمرون بالغرف السبع وكانوا يتمايلون حسب الموسيقى الصاخبة وكان من الملاحظ بأنه عند حلول الظلام يتناقص عدد الراقصين باتجاه الغرفة السابعة السوداء المضاءة بالأشعة الحمراء الدموية.دقت الساعة معلنة منتصف الليل، وبعدها توقفت الموسيقى والراقصون وكان هناك شعور بعدم الاطمئنان بين المدعوين جميعاً، وقبل أن تدق الساعة الثانية عشرة ليلاً بقليل، شاهد بعض الراقصين هيئة غريبة متنكرة لم يرها أحد من قبل وجعلت المدعوين يتهامسون عليها وبعدها بدأت صرخات المدعوين المليئة بالخوف والرعب ترتفع . كانت تلك الهيئة الغريبة طويلة ونحيلة وكانت مغطاة من قمة الرأس الى أسفل القدم بكفن أبيض، وكأنها لشخص ميت، وكان الرعب ليس فقط بسبب تلك الهيئة البشعة ولكن ايضاً لان تلك الهيئة الغريبة كانت تقلد في حركاتها الموت ،كما كان الكفن ملطخاً ببقع حمراء قانية مثل الدم ما زاد بشاعة المنظر.امتقع وجه الأمير بروسبيرو خوفاً وغضباً في آن واحد بمجرد أن وقعت عيناه على تلك الهيئة الرهيبة، صرخ قائلاً بغطرسة وغضب (من يجرؤ على إفساد حفلتنا وإخافتنا على هذا النحو؟) ثم التفت إلى أحد الخدم آمراً اقبض عليه، وانزع عنه قناعه هذا لنرى من هو، ونعدمه في الصباح الباكر.في هذا الوقت كان الأمير يتكلم وهو في الغرفة ذات اللون الأزرق ، بمجرد أن تحرك بعض الخدم نحو تلك الهيئة الغريبة لم يجرؤ أحد على أن يمد ذراعه حتى يميط اللثام عنها أو حتى يمسكها، بدأت تلك الهيئة بالتحرك، دون أن يعترض طريقها أحد، مارة بالأمير ومن ثم الغرفة الزرقاء، فالغرفة الأرجوانية فالخضراء فالصفراء فالغرفة البرتقالية ومن ثم إلى الغرفة البيضاء دون أن يجرؤ أحد على اعتراض طريقها وجن جنون الأمير فاندفع مسرعاً ماراً بالغرف الست شاهراً سيفه وبعدها وصلت تلك الهيئة الغريبة للغرفة السابعة السوداء، وفجأة التفتت باتجاه الأمير وسارت نحوه، وترددت صرخة مدوية وسقط سيف الأمير أرضا وبعدها مباشرة شوهد الأمير صريعاً بجانب سيفه، شعر المدعوون بالحزن والغضب الشديد لمقتل أميرهم فالتفتوا باتجاه تلك الهيئة الغريبة وقفزوا جميعهم قفزة واحدة باتجاهها، وقاموا بنزع قناع تلك الهيئة وتمزيق ثيابها لمعرفة ما بداخلها، ولكنهم تراجعوا مذعورين، فلم يكن بداخل ذلك الكفن والقناع شخصاً أو شيئاً ما.حينها أدركوا بأن زائرهم هذا كان الموت الدموي، فقد تسلل إلى الحفلة في تلك القلعة التي كان يعتقد بأنها حصينة، وكانت تلك الساعة الرهيبة تدق أجراسها كل ساعة، وبعدها انطفأت المشاعل الموجودة خارج الغرف السبع وحل الظلام الدامس جميع أركان القلعة وعندها بدأ الموت بقتل المدعوين واحداً واحداً لقد انتصر عليهم جميعاً.[c1]* كلية التربية/ صبر/ قسم اللغة الانكليزية [/c]