- قبل نحو ثلاث سنوات حاول بعض العقلاء اتخاذ الأحداث الدامية التي وقعت يوم 13 يناير 1986م مناسبة للدعوة إلى التصالح والتسامح .. كانت أحداث ذلك اليوم والتي تلته قد مزقت الحزب الاشتراكي اليمني ومزقت النسيج الاجتماعي الذي كان يلف أو قل يسدل ستاراً من الحميمية على مختلف فئات السكان في جنوب اليمن .. فالفرقاء كانوا قساة بعضهم على بعض، تركوا الحزب والاشتراكية والماركسية والأممية والوئام جانباً في لحظة غضب وغي كثيف وتراجعوا إلى القبيلة والثأرات والقتل المجاني وبحسب مكان الميلاد.ولدت فكرة التصالح والتسامح قبل ثلاث سنوات على أنقاض تلك المأساة .. وكانت تلك فكرة جيدة، ولكنها بعد قليل تحولت إلى شيء آخر لا علاقة له بالتصالح والتسامح، لأن أولئك العقلاء كما يبدو أفلتوا زمام المبادرة من أيديهم ليتسلمه آخرون أفسدوها، ولو أحسنا الظن بهم لقلنا إنهم وظفوها في الفضاء الاجتماعي توظيفاً سياسياً فانتزعوا قلبها، وأخذوا يعبثون بها في شتى الميادين مثل دمية بشعة.- في البداية كانت الذكرى مدعاة للتصالح والتسامح.. وقليلاً قليلاً انحدرت إلى القاع.. استغل أصحاب «الحراك السلمي» المناسبة لتنظيم مظاهرات واعتصامات تحت راية المناطقية والكراهية، وتقدموا خطوة نحو العنف.. ثم خطوة أخرى ضد فكرة التصالح والتسامح، لدرجة أنهم اليوم يحتفون بذكرى التصالح والتسامح وهم يتراشقون الاتهامات ويتبادلون التهديدات ويتذكرون أيام داحس والغبراء، والعجيب أنهم في الوقت الذي ينجزون ذلك بأنفسهم وعن وعي وإدراك يتهمون «السلطة» بأنها «تحرش» بينهم، فكل طرف يتهم الآخر بأنه «مدسوس» من قبل السلطة.. بينما السلطة لا تحرش ولا تدس، فهي في غنى عن ذلك، ومن مصلحتها أن يتصالح ويتسامح الأخ مع أخيه والفرد مع أسرته والقبيلة مع المدنية لأن في ذلك استراحة لبالها..نسأل أهل التصالح والتسامح.. هل لاحظتم إلى أين انحدرتم وإلى أين تسيرون؟ كثير من ضحايا العنف اليوم في مناطقهم هم من أهل الجنوب، وها نحن نتابع ما تفعلون ضد بعضكم ونستغرب أن ذلك يتم تحت لافتة التسامح والتصالح.- ينبغي أن تعذروا إخوانكم في عدن أو صنعاء، وفي أبين أو إب الذين يتحدثون عما تقومون به باسم التصالح والتسامح بوصفه أذى عاماً.. فأنتم قدمتم التصالح والتسامح بصورة سيئة.. صورة مناقضة للتصالح والتسامح.. لأن احتفالكم بالمناسبة يشوبه العنف والفوضى والبغضاء والعداوة وقطع الأرحام.. فما علاقة هذه كلها بقيم التصالح والتسامح؟ إنها معادية لهاتين القيمتين الإنسانيتين الرفيعتين يا قوم.. من حقكم أن تغضبوا وتعبروا عن غضبكم وأن تكرهوا «السلطة» قدر ما شئتم.. لكن ليس تحت لافتة التصالح والتسامح، ثم كيف يجتمع مبدأ نضيف مثل التصالح والتسامح مع الدعوة إلى المناطقية والتمييز والكراهية؟
أخبار متعلقة