الكاتب والقاص الكبير حسين سالم باصديق صاحب القلم الأنيق ، والمشاعر الرقيقة الفياضة يعد من أهم الكتاب الذين اعتنوا عناية بالغة بالتراث الشعبي اليمني ويعد كتابه القيم (( في التراث الشعبي اليمني )) من أروع الكتب التي ألقت الأضواء على أعراف وعادات وتقاليد اليمن وإنّ لم يكن أروعها على الإطلاق . فعندما يكتب حسين سالم باصديق عن التراث اليمني وألوانه المختلفة ، ـــ على سبيل المثال ـــ عندما يتحدث عن الأغاني الشعبية ، أو عن مجالس القات ، أو أغاني الدان الشعبية ، أغاني البحارة وغيرها من التراث الشعبي اليمني الأصيل الضارب جذوره في أعماق تاريخ الحضارة اليمنية تشعر أنه يرسم لوحة ناطقة بريشته المبدعة. ولسنا نبالغ إذا قلنا أنّ هذا الكتاب يعد مرجعًا أساسيًا للمؤرخين المحدثين ، والباحثين الحاليين ، والمهتمين بتراثنا اليمني الأصيل . وفي الحقيقة أنه من الأسباب الرئيسة التي جعلت كتابه متميز هو أنه قرأ العديد من الكتب الهامة عن التراث اليمني . كما أنه أجرى أحاديث عديدة مع كثير من الطاعنين في السن الذين يحبون التراث حبًا عميقاً . كما أنّ عمله الطويل في المجال التعاوني والزراعي أتاح له فرصة ثمينة ليطلع عن كثب إلى أعراف ، وعادات ، وتقاليد اليمن .[c1]بين التاريخ والفلكلور[/c] أنّ التراث الشعبي مرآة صادقة عن حياة الناس اليومية البسيطة بخلاف التاريخ المجرد الذي ينظر باستعلاء إلى الناس ، ولا يدون سوى ألأحداث الجسام ، والأمور العظام ، ولا يلتفت إلاّ إلى الأباطرة ، والملوك ، والقادة الكبار . وأدرك حسين باصديق بنظرته الثاقبة بضرورة الاهتمام الكبير بتراثنا الشعبي يدون حياة الناس اليومية الذين هم ملح الأرض. فيلتقط لنا حسين باصديق صور عديدة عن العادات ، والتقاليد على سبيل المثال : الزواج في اليمن بصورة عميقة تدعو إلى الإعجاب نظرًا للتفاصيل الدقيقة الذي سردها عنها ، فيقول : “ فهناك الخطبة أولاً ويليها العقد أو الدفع ثم أخيرًا الزفاف . وتسبق الزفاف عمليات التحضير ، وتقام لها الحفلات الخاصة بكل عملية فمنها ليلة الحناء للعريس ، والغسل للعروس وكذل التلبيس والتصفيف ، والزفة “ . ويمضي في حديثه : “ ويلي الزفاف الصُبحية ثم السابع . وتصاحب كل عملية من هذه العمليات حفلة خاصة بها تقدم فيها الأفراح ، والأغاني ، والرقص . وتتميز الأغاني الشعبية في الزواج بفرحها ومرحا وببالغ سرورها لأنه من خلالها يتم الفرح بين العروسين والتمني لهما بالمستقبل البسام “ . [c1] أغاني البحارة[/c] ويروي القاص حسين سالم باصديق روايات عن استقبال النساء لأزواجهن ، بعد أنّ عادوا من أعماق البحار ، حاملين معهم الصيد الوفير من الأسماك على اختلاف أنواعها ، وأحجامها . وفي هذا الصدد ، يقول : “ ومن أغاني التجلوب كما يسميها البحارة ، ما كانت النساء يرددنه مع أطفالهن وهن يستقبلن رجالهن البحارة الذين يصفون على جانبي السفينة عند دخولها الميناء ، فيزغردن ، ويرقصن ، ويغنين قائلات بفرح وافتخار : “ حيّا ومرحيب بالهادف ومن هو حضر رجال مثل النمارة ما تهاب الخطر “ [c1]أعيدوا طباعة الكتاب[/c] وفي الواقع ، أنّ كتاب (( في التراث الشعبي اليمني )) والذي صدر في بداية الوحدة اليمنية المباركة عن مركز الدراسات والبحوث اليمني في صنعاء . قد اختفت نسخه من رفوف مكتبات البيع وكذلك من رفوف المكتبات العامة سواء في عدن أو صنعاء . وحاول الكثير من الباحثين ، والمهتمين بتراث اليمن العريق عربًا أو أجانب البحث عنه إلاّ أنه غير موجود . وخلاصة القول نأمل من مركز الدراسات والبحوث اليمني أو وزارة الثقافة ، أو المؤسسات العلمية كجامعة عدن أو صنعاء أو تعز أو الحديدة أعادة طبعه بثوب قشيب . وأنني على ثقة بأنّ اقتراحنا هذا سيجد صدى لدى المسئولين الذين يدركون قيمة تراثنا الشعبي اليمني الرائع .
|
تاريخ
حسين باصديق عاشق التراث
أخبار متعلقة