د. فهد محمود الصبري :إن العلاقة بين السكان والتنمية علاقة أساسية من الناحية العلمية فإذا نظرنا للعلاقة بين السكان والتنمية من منظورين متباينين : منظور اقتصادي يرى ضرورة أن تسخر كافة الجهود والإمكانيات المادية والبشرية للتنمية الاقتصادية حتى ولو كان على حساب صحة السكان وحقوقهم في التعليم والحياة الكريمة ومن منظور اجتماعي يرى أن الأولوية يجب أن تعطى للناس الذين هو الهدف الأساسي للتنمية من حيث تخصيص الأموال لرفع مستواهم المعيشي وليس ادخارها واستثمارها في مشاريع لا تعود عليهم بالنفع إلا بعد فترة طويلة من الحرمان والمعاناة إن الإنسان - واقع الحال كائن اجتماعي بقدر ما هو كائن اقتصادي ولذلك فإن أيا من هذين الجانبين لا يمكن أن يرسم صورة الإنسان كاملة . أن الأمر المؤكد والثابت في مجال “ التنمية “ هو أن هذا المفهوم، إنما يعني ( تنمية الإنسان ) بصورة جوهرية وأساسية.فالإنسان كما بات متداولا هو هدف التنمية ووسيلتها في ان واحد ، وبالتالي فإن التنمية الجادة ينبغي أن تتوجه إلى تنمية هذا الإنسان أي إعداده وتربيته وتعليمه وإكسابه السلوك والمهارات اللازمة لتحقيق الأهداف التنموية المطلوبة إن الإنسان هو غاية التنمية ووسيلتها وهو كائن مثلث الصفات والاستعدادات : بيولوجي بمعنى أن عليه أن ينتج ويعيد إنتاج نفسه بنفسه ( يتكاثر ) ويقي نفسه من الأمراض والآفات والكوارث والأوبئة ومن كل ما يهدد استمراره صحيح العقل والجسم ، اجتماعي بمعنى أن عملية الحصول على حاجاته إنما تتم عبر الجماعة وبها وذلك بواسطة تقسيم العمل الاجتماعي والتعاون وتكوين الدولة والمؤسسات اللازمة لتحقيق العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات ، واع بمعنى أن حياته الاجتماعية وحصوله على وسائل عيشة وبقائه لا تتم بصورة غريزية ولا عفوية وإنما وفق تخطيط مسبق هادف يرسم بموجبه أهدافا محددة ثم يسعى إلى تحقيقها عبر أقصر الطرق وأسلمها واقلها كلفة . إن هذا يعني أن التنمية الصحيحة والجادة يجب أن تراعى هذه الجوانب الثلاثة في الإنسان في وقت واحد أي أن تتوجه إلى المجالات المتعلقة بكون الإنسان كائناً بيولوجيا ، والتي هي بصورة أساسية مجالات العمل ، الإنتاج ، الأمن ، الصحة ، الراحة ، الاستهلاك ، الإنجاب ، البيئة وكذلك المجلات المتعلقة بكون الإنسان كائنا اجتماعيا ، وهي بصورة أساسية مجالات : التعاون وتقسي العمل والدالة الاجتماعية والديمقراطية والتنشئة الاجتماعية والحقوق والواجبات ولا سيما حقوق الأسرة والطفل والمرأة والمسنين المعاقين . بالإضافة إلى مجالات متعلقة بكون الإنسان كائنا واعيا ومفكرا وهي مجالات: التربية، التعليم، التأهيل، حرية التفكر والاعتقاد، الفن، العلم... الخ وفيما يتعلق بمسألة النمو السكاني ( الانفجار الديموغرافي ) برز في إطار علم السكان مفهومان متمايزان وصارا يشكلان الجذور الفكرية والسياسية لمواقف الدولة والمؤسسات العالمية حيال المسالة السكانية هناك من يرى أن الظاهرة الانفجار السكاني في البلدان النامية هي نتيجة من نتائج الاستعمار والتبعية وإذن فأن ارتفاع معدل الخصوبة يرجع إلى كل من التخلف والتبعية وأن الخلاص من التخلف والتبعية هو الشرط العملي لتنظيم الأسرة وخفض معدل الخصوبة وطرف آخر يرى أن خفض معدل الخصوبة ووضع حد للنفجار السكاني يمكن تحقيقه عن طريق ( تنظيم الأسرة ) الذي يمكن تحقيقه بواسطة التربية السكانية والاختيار الحر للأفراد أن ما نراه صحيحا في هذا المجال هو أن المفهوم العلمي إنما يقع في منزلة بين المنزلتين ذلك أنه توجد بين النمو السكاني والتخلف والتبعية علاقة جدلية من حيث أن كلا من العناصر الثلاثة يعتبر في أن واحد سببا ونتيجة للعنصرين الآخرين الأمر الذي يقتضي أن تسير كل من ( الصحة الانجابية) و ( التنمية الشاملة ) على التوازي وليس على التتالي . أن الاهتمام بواحدة من المسألتين وإهمال الأخرى إنما يعني السر على قدم واحد .
فلسفة السكان والتنمية
أخبار متعلقة