إلى كل سلفي يحتقر العقل
قال تعالى في الآيتين (43 و44) من سورة الفرقان : “أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً (43) أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً (44)”. على الرغم من أن هاتين الآيتين مخصوصتان لمشركي مكة إلا أنهما تنطبقان على أي فرد أو جماعة لا تسمع ولا تعقل ولا تحترم العقل وتتخذ إلهها هواها حسب ما أفادنا بذلك علماء التفسير الذين أجمعوا على أن العبرة في فهم القرآن هي بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.وبناء على هذه القاعدة العظيمة في التفسير فإذا طبقنا هاتين الآيتين في عصرنا الراهن لوجدنا أنهما تنطبقان أيضاً على الملحدين وعلى من يحتقرون العقل أو يقللون من شأنه كبعض الجماعات السلفية ولا أقول جلّهم ممن تذكر عندهم اسم العقل فيقولون (العياذ بالله) إن العقل عندهم مرادف للهوى والزيغ والانحراف وهذا الاعتقاد لديهم مخالف لمفهوم الآيتين الآنف ذكرهما من سورة الفرقان ، وهم يعلمون أن العقل هو ما يميز الإنسان عن الحيوان وهو مناط التكليف والخلافة في الأرض ولم يسقط القلم والجزاء عن أي شخص إلا إذا غاب عقله سواء كان مجنوناً أو طفلاً أو نائماً غافلاً. فالعقل ببساطة شديدة ليس بشيء سوى أنه فعل للقلب كما أعلمنا العليم الخبير في تنزيله مثلما السمع هو فعل للأذن والبصر فعل للعين قال تعالى : “أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (46)” الحج.أنظر أخي المسلم المتدبر لهذه الآية كيف ذكرت العقل كفعل للقلب أو فاعلية له وذكرت أن العمى الحقيقي ليس للعين التي نبصر بها بل عين القلب التي في صدورنا مصداقاً لقوله تعالى : “ما كذب الفؤاد ما رأى” ومصداقاً لقول نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم: “إن في الجسد مضغة إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب” .. صدق رسول الله. فالقلوب تعتريها الأمراض والعلل أولها التقلب وعدم الثبات على رأي واحد وتميل للهوى والزيغ والانحراف والشك والظن والرجس والتحجر والانغلاق وعدم فقه الدين والغفلة والران والطبع والنفاق والجحود والنكران والمعصية والغلضة والقساوة والشدة والاشمئزاز من ذكر الله وغيرها من الأمراض أشدها الكفر وعدم الإيمان والعياذ بالله.فالقلب هو محل للفقه والتذكر والتدبر والتفكر والتعقل والإيمان، وهو محل للعواطف والمشاعر والأهواء والميول والنوازع وكل سلوك التطرف والشطط من هنا تأتي محنته وإشكالياته وتناقضاته والإنسان السوي هو من يستطيع الموازنة بين أهوائه ونوازعه وميوله وبين عقله ومنطقه وموضوعيته ، وبما أن الوحي نزل إلينا من عالم الغيب فلابد أن يكون قابلاً للتدبر والفهم والتعقل قال تعالى: “إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون” وقد شبه منزل الوحي سبحانه وتعالى القلوب التي لا تتدبر القرآن بالأقفال الموصدة أو المغلقة أو عليها أقفال تمنعها من التدبر وقال تعالى عن الذين لا يعقلون : “صم بكم عمي فهم لا يعقلون”.وذكر في القرآن أن الكفار في النار يقولون : “وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير” (10) الملك أما ما لا طاقة للعقل للإحاطة به فهو الغيب والأصل في معرفته الإيمان به ما لم يطلعنا ربنا على شيء منه أو يطلعنا عن طريق رسوله بحديث صحيح ولا شيء أفضل من إيمان بغيب .. “من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب”.والقلب كما أسلفناه هو محل العقل وكأنه قال: وجاء بعقل سليم فالعقل هنا مكمل للنقل أو للوحي والشرعة هي ضد الهوى والبدعة وليس كما يظن بعض الإخوة السفليين بأن العقل ضد النقل أو مرادف للهوى والزيغ لأن القرآن الكريم خطاب للعقلاء لا للمجانين والمعتوهين وأنت أخي السلفي تحتقر العقل وتطفئ شمعة تستضيء بها وتمشي بها في الظلام والضلال فكيف سمحت لغيرك أن يقودك كالحيوانات بعد أن فقأت عينيك اللتين تنظر بهما إلى الحقيقة كالمسيحي في القرون الوسطى في أوروبا عندما كان شعاره : (أطفئ سراج عينيك واتبعني).