الفول .. طبق رئيسي علي مائدة رمضان في مصر
يحظي الفول باهتمام خاص في شهر رمضان ، فهو الوليمة ( الشعبية ) التي يلتف حولها الأغنياء والفقراء سواء بسواء، وفي كل عام يتكرر المشهد اليومي خلال شهر رمضان ، وقبل ساعات قليلة من انطلاق مدفع الإفطار ·· تفتح المطاعم أبوابها ، وتنتشر العربات الخشبية في الشوارع والميادين محملة بالقدور الساخنة ·ويبدأ ( مارثون ) من نوع خاص ، حيث يتزاحم الصائمون من أجل اقتناص بعض حبات من الفول المدمس أو أقراص ( الطعمية ) ، ويسارعون بالعودة إلي منازلهم من أجل إعداد طبقهم ( المفضل ) ، والذي ينافس سائر الأطباق والأصناف الأخري من الطعام ·وتبدو حركة البيع وازدحام مطاعم الفول والطعمية بالزبائن ، الذين يجلسون إلي الموائد ، وهم ينصتون إلي المذياع وصوت القرآن الكريم ، حتي تحين لحظة الإفطار ، كقمة جبل الثلج ، فهناك عمل دءوب يبدأ من ساعة مبكرة في الصباح أو بعد صلاة الفجر مباشرة ، حتي يكون كل شيء مجهزا ، القدور الساخنة والموائد وواجهات المطاعم ، لتبدأ ( وردية أخري ) في استلام العمل ، وتلبية طلبات الزبائن ، ونداءاتهم التي لا تنقطع أثناء تناول وجبة الإفطار أو السحور ·ويذكر التاريخ أن الإنسان المصري القديم عرف زراعة الفول منذ أكثر من خمسة آلاف عام ، ويقول المؤرخ > هيردوت< : > إن المصريين القدماء كانوا لا يأكلون الفول فجا أو مطبوخا ·· والكهنة لا يطيقون رؤيته ، لأنهم يعتقدون أنه نجس بسبب الغازات التي يسببها ، نظرا لصعوبة هضمه < ، ويخالف البعض كلمات هيردوت ، ويؤكد أن المصريين اعتنوا بهذا المحصول ، حيث وجدت بعض حبوب الفول في قبور ( الفراعنة) المصريين ، والذين عرفوا( البقوليات ) بأنواعها ، وحرصوا علي الاستفادة الغذائية بما تحويه من فيتامينات ومواد دهنية وسعرات حرارية لا غني للجسم ووظائف الأعضاء عنها وهو ما نراه بوضوح علي جدران معابد الأقصر ، من نقوش ورسومات تبين أن الفراعنة كانوا يصنعون أواني فخارية لتجهيز الفول للطعام·وتناقلت الأجيال المصرية الإقبال علي هذا النوع من( البقوليات ) ، والتي انتشرت في مختلف أرجاء العالم العربي ، ليكون لكل بلد طرائقه في تحضير الفول وتعدد أصنافه ، ولكن يبقي (السبق) للمصريين ، فهم أصحاب براءة هذا الاختراع ، فكانوا أول من ( دمسوه ) وأول من تناولوه في التاريخ القديم ·[c1]فاكهة الأغنياء [/c] الشعبي > لحمة الفقراء وفاكهة الأغنياء < ، ويتميز الفول بقيمته الغذائية الكبيرة ، حيث تقول الإحصاءات الطبية: إن كل مائة جرام منه تمثل 713 سعرا حراريا ، وتحتوي علي 2،9 جرام بروتين ، 6،51 جرام من النشويات و 4،0 جرام دهون ، وأملاح معدنية ، بالإضافة إلي الكالسيوم والحديد وفيتامين ب المركب ، وتزيد قيمة الفول الغذائية ، بإضافة قليل من الزيت أو المسلي ، فضلا عن وجود أطعمة أخري كالزبادي والسلاطة والبيض والخبز ·ويؤكد أساتذة التغذية أن كل مائتي جرام من الفول توازي نفس القيمة الغذائية لمائة جرام من اللحم الأحمر ، ولذلك فإن الفول يعتبر البديل الأساسي للفقراء عن البروتين الحيواني المرتفع الثمن ، وعلي جانب آخر يحذر الأطباء من تناول الفول ، بالنسبة لمرضي القولون العصبي وقرحة المعدة ، الذين تسبب لهم قشور الفول متاعب أثناء الهضم ، ولذلك ينصحون هؤلاء بنزع قشرة الفول قبل تناوله ، وفي تلك الحالة قد يصابون بالإسهال ·· ورغم جميع التحذيرات والنصائح فإن البعض يضرب بها عرض الحائط ، خاصة في شهر رمضان ، حيث يصل استهلاك الفول إلي نحو 07 ألف طن ، أي ما يعادل ثلث الاستهلاك السنوي ، ففي القاهرة وحدها 81 ألف محل لبيع الفول ، تستقبل الملايين من الزبائن ، سواء كانوامن سكان العاصمة الأصليين، أم هؤلاء الوافدين من مختلف المدن والقري المصرية ، والذين يحرصون علي زيارة القاهرة خلال شهر رمضان ·[c1]سر الصنعة [/c]وتختلف أنواع الفول وأحجامه ، فهناك أربعة أنواع رئيسية لحبات الفول لايصلح للتدميس فيها إلا الحبة الصغيرة التي تبدو اسطوانية الشكل ، وقشرتها أقل سمكا من الحبة الكبيرة ، التي تستخدم في صنع أقراص الطعمية وتستخدم أيضا كطعام للحيوانات كالأبقار والماعز والأغنام ، وتسمي ( الفول العليقة ) ·· أما حبة التدميس فإنها متعددة الأنواع أيضا ، وأفضلها تلك الحبات الصغيرة التي لا تحتاج إلي وقت طويل حتي تنضج ، وتكون حلوة المذاق وسهلة الهضم ، ومن هنا يقول المثل الشعبي: > كل فولة ولها كيال < أي أن حبات الفول ليست متشابهة ، وإذا تناولنا قائمة أنواع وجبات الفول في المطاعم ، سنجد أنها قائمة طويلة مثل الفول بالزيت والفول بالسمن ،والفول بالبيض والفول باللحم المفروم والفول المهروس ، والفول بالطماطم ، والفول بالثوم والفول بالبصل ، وغيرها من الأنواع ·وتختلف أطباق الفول وجودتها من صانع إلي آخر ، حيث تتفنن ربات البيوت في إتقان تقديم أطباق متنوعة منه ، وكذلك أصحاب المطاعم الذين يعتبرون تدميسه ومقادير التوابل والبهارات المضافة إليه من الأسرار التي لا يمكن إفشاؤها ·فهناك الطريقة الدمياطية التي تتم فيها عملية التدميس دون أن تتفتت حبات الفول ، ثم تضاف إليها خلطة طبيعية من الثوم والبصل والبقدونس ، وهناك طريقة أخري بإضافة العدس والبصل الأخضر ومواد ( العطارة ) إلي الفول أثناء عملية التدميس ·[c1]طرائف المدمس [/c]يحظي الفول بنصيب وافر من النكات والتعليقات اللاذعة لدي المصريين ، حيث يشاع أن الفول مرادف للغباء والبلادة ، وبالتالي إذا هاج الشخص وماج وخرج عن شعوره الطبيعي ، وصفه الناس بأنه من آكلي ( الفول ) ·وتحتفظ الذاكرة المصرية بالعديد من الطرائف عن ضحايا الفول وعشاقه ، حيث روي أن >أحمد سالم الساعد الأيمن لطلعت حرب الاقتصادي الكبير ، والذي حاول البعض الوقيعة بينهما ودبروا الدسائس والمؤامرات ، ليفقد طلعت حرب أحد معاونيه البارزين ، ولكن طبق الفول قام بهذه المهمة وسط دهشة الجميع ، وكان ذلك حين أصيب طلعت حرب بوعكة صحية ، فلازم الفراش ، وذهب سالم يعوده وسهر معه سهرة طويلة ، وقال طلعت حرب له : أرجوك يا أحمد أن تحضر معك غدا طبق فول من محل (··) ، وفي صباح اليوم التالي نسي أحمد هذا الموضوع ، فما كان من طلعت حرب إلا أن قام وارتدي ملابسه ، وذهب إلي المطعم وتناول وجبة الفول ، ثم خرج إلي مكتبه ليصدر قرارا بفصل أحمد سالم من منصبه < ·ويحكي أن الفنان الراحل أنور وجدي عاني في أواخر أيامه من أمراض الأمعاء ، ومنعه الأطباء من أطعمة كثيرة ، وكان يتمني أن يأكل وجبة فول واحدة مقابل ثروته كلها ، أما العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ ،فقد كان هو الآخر ممنوعا من تناول الفول ، فكان كلما اشتاق إليه ، يطلب من أحد أصدقائه أن يتناول الفول أمامه ·وحكايات الفول لا تنتهي فهو الغذاء الرئيسي في حياة المصريين ، وفي شهر رمضان تتضاعف هذه الحميمية بين ( المدمس ) والصائمين ،سواء من يقومون بشرائه من المحلات أو العربات التي تدور في الشوارع ، أم من هؤلاء الذين يحرصون علي ( تدميسه) في المنزل ، وتقديمه علي مائدة الإفطار والسحور طوال ليالي الشهر الكريم ·