الأستاذ العزيز / أحمد الحبيشي المحترمرئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرلصحيفة 14 أكتوبرتحيد طيبة . .مع تمنياتنا لكم بالشفاء العاجل ودوام التوفيق في مهابكم الإعلامية والقيادية .أرفق قرين رسالتي هذه بذكريات الأستاذ الفقيد والصحفي / عبدالواسع قاسم والذي كان قد كتبها في معرض ذكرياته عن والدي وبناء على طلب شخصي منذ حوالي عشر سنوات - أي عام 1996م ولكن الموت داهمه ولم يكمل صفحته الخامسة بعد وقد أستلمت هذه السطور المنشورة عبر ابنه / مهند ونظراً لما بها من ذكرياته المشتركة حول تأسيس هذه الصحيفة وتزامناً مع قرب الموعد , فانني أترك أمر نشرها لكم .مع خالص تقديري وكل أفراد الأسرة لاهتمامكم وتطويركم الملموس للصحيفة .أخوكم / د . معن عبدالباري16 / 1 / 2007متوثيقاً لمراحل تاريخية في تأسيس صحيفة 14 أكتوبر ودور رئيس تحريرها الأول الشهيد عبدالباري قاسم وبمناسبة الذكرى 39 لتأسيسها ونظراً لما لمسته شخصياً في الأستاذ احمد الحبيشي رئيس التحرير الحالي للصحيفة من حماس ،و صدق إدراك وبمهنية عالية لأهمية مسألة التوثيق والنشر وبدون حساسية أو حكم مسبق فهو ما دفعني هنا لتقديم هذه المادة والتي كنت قد طلبتها من الأستاذ عبدالواسع قاسم رحمه الله – ليدون ذكرياته عن الوالد وعلاقة العمل بالصحيفة ، لنشرها مستقبلاً في كتاب ولكن الموت لم يسعفه ليكمل مقالته والتي استلمتها لاحقاً من ابنه مهند مشكوراً ، وبهذه المناسبة اعتقد أنها مازالت تحتفظ بأهميتها التوثيقية . د. معين عبدالباري . يحتل عبدالباري قاسم مكاناً بارزاً في ثورة 14 أكتوبر بقيادة الجبهة القومية ( لتحرير الجنوب اليمني المحتل ، فمنذ انخراطه في صفوف حركة القوميين العرب ومن ثم الجبهة القومية ، تميز نضاله الثوري بالعمل النشط وتحدي الصعاب التي تعترض حركة التحرر الوطنية ضد الاستعمار البريطاني والاستبداد الامامي . كان حلم التحرر الوطني من الاستعمار والاستبداد يدفعه دوماً إلى النضال الدائم والمثابرة ، وإلى التضحية بالنفس ونكران الذات .. وكان يؤمن ان هذا الحلم لابد وان يتحقق يوماً وأن طريق الوصول أليه ليس مفروشاً بالورود وغير محفوف بالمخاطر ومنها الموت في ساحة النضال .. ولقد تأتى له ان يشهد حلم انتصار الثورة اليمنية في سبتمبر 1962م عندما دكت نظام الإمام الاستبدادي في الشمال ، قيام ثورة 14 أكتوبر ضد الاستعمار البريطاني في الجنوب في عام 1963م وانتصارها في نوفمبر 1967م عند ما رحل المستعمرون وتحقق الاستقلال الوطني .. الا انه لم يشهد حلم تحقق الوحدة اليمنية , فقد هوى به الموت وهو لا يزال في عمر العطاء الثوري ، ولئن لم يتح له الموت فرصة مواصلة العطاء ، فقد كان يرى في الأفق فجر الوحدة القادم بعد ليل طويل ، كان ذلك واضحاً في خطابه السياسي وأحاديثه داخل الخلايا التنظيمية وأرائه التي تضمنتها كتاباته الصحفية ، بل ومناقشاته داخل الهيئات القيادية .وإذ يشهد انتصار الثورة اليمنية ويعايش مرحلتها التحويلية المليئة بالجوانب المضيئة والانكسارات الداخلية ، فقد كان يجنى ثمار النضال الثوري ، ثمار الغروس التي غرسها في الأرض هو ورفاقه الآخرين في الحركة والجبهة ، وكان في نفس الوقت يبذر البذور الجديدة فوق الأرض المتحررة كي يحصد الثمار في الموسم القادم ، موسم التحولات الاجتماعية .وكقائد بارز في التنظيم السياسي الجبهة القومية ، القيادة العامة اضطلع في مرحلة التحول الاجتماعي الجديدة بمهام عديدة ، في المجال التنظيمي والثقافي ، بالنظر إلى قدراته في العمل التنظيمي وثقافته الدينية والفكرية السياسية التي كانت تفوق الكثير من اقرانه في قيادة الجبهة القومية ، فقد كان مستوعباً للتراث الإسلامي والفكر السياسي الثوري المعاصر ، واستطاع ان يرى بفكره الثاقب المستنير الجوانب الثورية في التراث الإسلامي وقدراتها على التجديد الاجتماعي ، وان الدين الإسلامي الذي أقام حضارة إنسانية عاليه لا تزال قيمه ومبادئه في الحرية والعدل والمساواة لا تزال ثورية في جوهرها وتصلح سلاحاً من اجل القضاء على الاستغلال والقهر الاجتماعي وبناء مجتمع العدل والمساواة . ولأنه مثقف واسع الاطلاع ، فقد اختير ليقود وينشئ من الصفر مؤسسة ثقافية إعلامية ويرأس في نفس الوقت صحيفة يومية شبه رسمية .. ففي يناير 1968م اصدر الرئيس قحطان الشعبي ، رئيس الجمهورية التي ولدت قبل شهر ونصف ، قراراً جمهورياً قضت مواده بإنشاء مؤسسة 14 أكتوبر للطباعة والنشر وإصدار صحيفة 14 أكتوبر وتعيين عبدالباري قاسم ، مديراً للمؤسسة ورئيساً لتحرير صحيفة 14 أكتوبر . كان تنظيم الجبهة القومية قد استولى على المطابع التي كان أصحابها وقفوا موقفاً معادياً من الثورة والجبهة نفسها ، وهي في الواقع صغيرة تقوم على الصف اليدوي والطبع اليدوي ايضاً وتقع في أماكن متفرقة من شوارع أحياء المدينة عدن ، وكانت صحيفة الثوري التي صدرت كمنشور في 2 أكتوبر 1967م أي قبل الاستقلال بشهرين تقريباً ، تواصل صدورها بعد الاستقلال من هذه المطابع ، قبل ان تؤول ملكيتها إلى مؤسسة 14 أكتوبر .وتجمع في هذه المطابع التي تدار يدوياً ابرز الكوادر الإعلامية للجبهة القومية والتي كانت من قبل تصدر عدد من النشرات الإعلامية خلال الفترة الأخيرة من احتضار الاستعمار البريطاني والاتحاد الفيدرالي المزيف مثل (الثوري) المقاومة الشعبية .. التلال الملتهبة و الحارس ومن وسط هذه الكوادر تشكلت هيئة تحرير صحيفة 14 أكتوبر برئاسة مؤسسها ومؤسس دارها المناضل الشهيد عبدالباري قاسم .. وتشكلت أول هيئة تحرير من الأخوة واثق الشاذلي وعبدالرقيب عبدالله القباطي ، محمد البيحي ، محمود جعفر وعبدالواسع قاسم على ما أتذكر وبعد صدور قرار إصدار الصحيفة ، اجتمع عبدالباري قاسم بأعضاء هيئة التحرير ووضع الخطة لإصدار العدد الأول في 19 يناير 1968م الذكرى يصادف يوم احتلال المستعمرين البريطانيين لعدن من عام 1839 كما تعرف على الإمكانيات الطباعية والمطابع الصغيرة المتناثر هنا وهناك والتي تتكون منها دار 14 أكتوبر للطباعة والنشر ، ووزع التكليفات الصحفية على المحررين ، وكان التكليف الذي أناطه بي هو ان اكتب افتتاحية العدد الأول ، وفعلاً أنجز محرر صحفي ما كلف به ، وكان عبدالباري يراجع المواد أول بأول ويدفع بها إلى عمال الصف الذي كان عملهم يدوياً من جمع الحرف إلى طبع الصفحات ، اشق من كتابه المقال . صدر العدد الأول في 19 يناير في موعده الذي حدد له من أربع صفحات صغيرة ، تحمل الصفحة الأولى الافتتاحية والأخبار الرئيسية والثلاث الأخرى مقالات ، واذكر ان الافتتاحية كانت موضوعاً خبرياً تناقلته وكالات الأنباء من خلال مراسليها في عدن في ذلك الوقت ، وإذاعته هيئة الإذاعة البريطانية في نشرة التاسعة مساء . وعلى الرغم من ان الصحيفة كانت تصدر يومياً بحجم صغير ، إلا إن ذلك كان يتطلب جهوداً كبيرة وسهراً حتى الخامسة صباحاً ، وكان عبدالباري قاسم كرئيس للتحرير يتابع كل صغيرة وكبيرة ويراجع المواد ويتابع مصادر الأخبار وبالذات أخبار رئيس الجمهورية ونشاط الحكومة لكي تنفرد بها صحيفة 14 أكتوبر التي كانت على منافسة مع (الثوري ) لسان حال التنظيم السياسي الجبهة القومية . لم يكن لدى الصحيفة وسيلة مواصلات ، وكانت سيارة عبدالباري قاسم وسيارتي انا تستخدمان في التغطية الإعلامية ونقل صفحات الرصاص من موقع الصف في حارة الشريف إلى موقع الطبع في حارة القاضي بكريتر .. ولم يكن الصف اليدوي والطبع اليدوي ليسمحان بطبع عدد كبير من الصحيفة ، ولذلك كان يتم طبع بين 1200 – 1500 نسخة يومياً فقط . لم تعتمد المؤسسة أو الصحيفة في دفع أجور العمال والموظفين على دعم الدولة في بداية الأمر ، بل أعتمدت من الأساس على دخلها من الأعمال التجارية بدرجة أساسية ، لان الإعلانات لم يكن لها دور يذكر في عمل الصحيفة إلا في وقت متأخر جداً ، ولان محرري الصحيفة استقالوا من مرافقهم السابقة التي كانوا يعملون بها ، فضلاً عن العمال ( الصف والطبع ) الذين كانوا موجودين ، فقد عانى عبدالباري قاسم متاعب في توفير مرتبات العمال والمستخدمين ، وبذل جهوداً كبيرة من اجل زيادة مصادر دخل المؤسسة حتى يتسنى له دفع مرتباتهم ومرتبات المحررين والتي كانت متواضعة جداً قياساً بما كانوا يتحصلون عليه من مرافق العمل السابقة . وفوق هذه المتاعب ، كان شغله الشاغل تطوير الصحيفة وزيادة صفحاتها من خلال دفع المحررين لإجراء ، تحقيقات ميدانية في المحافظات عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية ، إلا أن الإمكانات المادية والتقنية التي كانت عليها المؤسسة والصحيفة لم تتح له ذلك ، لكنه خطى خطوة ايجابية عندما قرر تجميع المطابع المتناثرة الصغيرة في مكان واحدة ، وبالفعل جمعت هذه المطابع في مدرسة اليهود السابقة في كريتر خلال فترة وجيزة نسبياً ، جرى خلال ترميم المدرسة وإعدادها بالمواصفات التي تناسب الدار الطباعية ، وقد أتاح له ذلك تنظيم إدارة المؤسسة والأعمال التجارية والصحافية أفضل مما كانت عليه من قبل . ولعبدالباري قاسم كثير من الكتابات السياسية في موضوعات عديدة تضمنتها صحيفة 14 أكتوبر ، تدور حول الثورة ونضال الشعب من اجل بناء مجتمع التقدم والازدهار ، فقد جاء في أحدى هذه الموضوعات : ( مقتطف ) وإلى جانب مسؤولية إدارة مؤسسة أكتوبر ورئاسة تحرير صحيفة 14 أكتوبر التي تحملها الشهيد الراحل عبدالباري قاسم والدور الذي لعبه من مرحلة التأسيس والتنظيم لواحدة من مؤسسات القطاع العام ، وإلى جانب مركزه القيادي من قيادة التنظيم السياسي الجبهة القومية ( القيادة العامة) واصل عبدالباري تحمل مسؤوليته في العمل التنظيمي للخلايا القيادية في القاعدة ، وكان منزله العائلي ملتقى للعديد من الاجتماعات الحزبية ،، واذكر انه بعد الاستقلال قاد العديد من الخلايا القيادية ومنها خلايا المرأة ، فقد كان قائداً تنظيمياً من طراز رفيع ظل محافظاً على قواعدها وأسسها في حياته اليومية وفي عمله في المؤسسة والصحيفة . كان يدرك أن التنظيم السياسي والعمل بين الجماهير هما الضمانة الرئيسية لحماية الثورة من أعدائها وتحقيق تحولات اقتصادية واجتماعية في المجتمع ، وكان مقتنعاً أن الثورة بغير التنظيم الطليعي الذي يقود الشعب في معركة البناء والتقدم ، لابد وأن تغرق في الفوضى والتخبط والضياع ، ولذلك كرس نشاطه التنظيمي لتعزيز الدور القيادي للجبهة القومية في تنظيم وتعبئة جماهير الشعب في عملية التقدم الثوري ، بل وتطويرها إلى حزب طليعي مسترشد بنظرية الاشتراكية العلمية .. وكان إيمانه بمبادئ الاشتراكية والعدل والمساواة ، يدفعه إلى خوض النضال تلو النضال ضد القهر والظلم والاستغلال بالاعتماد على التنظيم والعمل الجماعي وتعبئة صفوف الشعب وإمكانياته المادية في عملية النضال الثوري .
من أرشيف الذاكرة لجيل المؤسسين
أخبار متعلقة