خاطرة رمضانية
هذا من لطفه تعالى بعباده ، وشكره للوالدين ، أن وصّى الأولاد ، وعهد إليهم بأن يحسنوا إلى والديهم بالقول اللطيف ، والكلام اللين ، وبذل المال والنفقة ، وغير ذلك ، من وجوه الإحسان .ثم نبه على ذكر السبب الموجب لذلك ، فذكر ماتحملته الأم من ولدها وما قاسته من المكاره وقت حملها ثم مشقة ولادتها ، المشقة الكبيرة ، ثم مشقة الرضاع وخدمة الحضانة . وليس ذلك في مدة يسيرة ، ساعة أو ساعتين . وإنما هو أي : ﴿ حملة وفصاله ﴾ مدة طويلة قدرها ﴿ ثلاثون شهرا ﴾ : الحمل، تسعة أشهر ونحوها ، والباقي للرضاع ، هذا هو الغالب .ويستدل بهذه الآية مع قوله : ﴿ والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ﴾ أن أقل مدة الحمل ، ستة أشهر ، لأن مدة الرضاع ـ وهي سنتان ـ إذا سقطت من الثلاثين شهراً ، بقي ستة أشهرهي مدة الحمل .﴿ حتى إذا بلغ أشده ﴾ أي : نهاية قوته وشبابه ، وكمال عقله ﴿ وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني ﴾ أي ألهمني ووفقني ﴿ أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدّي ﴾ أي نعم الدين ، ونعم الدنيا . وشكره ، بصرف النعم في طاعة مسديها وموليها ، ومقابلته على منته ، بالاعتراف والعجز عن الشكر ، والاجتهاد في الثناء بها على الله . والنعم على الوالدين ، نعم على أولادهما وذريتهما ، لأنهم لابد أن ينالهم منها، ومن أسبابها وآثارها . خصوصاً ، نعم الدين ، فإن صلاح الوالدين ، بالعلم ، والعمل ، من أعظم الأسباب ، لصلاح أولادهم . ﴿ وأن أعمل صالحاً ترضاه ﴾ بأن يكون جامعًا لما يصلحه, سالمًا مما يفسده. فهذا العمل الذي يرضاه الله ويقبله , ويثيب عليه .﴿ وأصلح لي في ذريتي ﴾ لما دعا لنفسه بالصلاح ، دعا لذريته ، أن يصلح الله أحوالهم . وذكر ، أن صلاحهم ، يعود نفعه على والديهم ، لقوله ﴿ وأصلح لي ﴾ . ﴿ إني تبت إليك ﴾ من الذنوب والمعاصي ، ورجعت إلى طاعتك ﴿ وإني من المسلمين * أولئك ﴾ الذين ذكرت أوصافهم ﴿ الذين نتقبل عنهم أحسن ماعملوا ﴾ وهو الطاعات ، لأنهم يعملون أيضاً غيرها . ﴿ ونتجاوز عن سيئاتهم في ﴾ جملة ﴿ أصحاب الجنة ﴾ ، فحصل لهم الخير والمحبوب ، وزال عنهم الشر والمكروه . ﴿ وعد الصدق الذي كانوا يوعدون﴾ أي : هذا الوعد الذي وعدناهم هو وعد من أصدق القائلين ، الذي لايخلف الميعاد .