قضية للنقاش
الحديث عن الدين منذ نشأته الإنسانية وتطوره اللاحق يشوبه الكثير من الغموض والتضارب في الحقائق، نظراً للمسافة الزمنية وقلة المصادر، ولأن التاريخ كما يعرف الجميع يكتب بلغة المنتصر ويجافي الكثير من الحقائق.نعرف أن لكل زمان ظروفاً موضوعية معينة، وحيثيات سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية تلتقي مع الظرف الذاتي محددة وجهة نظر معينة حول معتقد ديني معين.وطبيعة النظام السياسي وحركة تفاعله مع المجتمع، وحقيقة تمسكه بالثوابت الشرعية التي جاء بها هذا الدين أو ذاك تخلق طقساً إنسانياً يحدد الآلية المثلى لكيفية العبادة والتعبد.. وحديثي هنا عن فترة البدايات الأولى للتأسيس الديني السماوي وطبيعة علاقته بالإنسان والظرف السياسي الذي يحدد آلية توزيع الثروة ويرسم أبجديات الواقع الإنساني المعاش بكل أبعاده وتناقضاته وفلسفاته وصيغه التي تحدد كيفية إدارة الدولة، وتداول سلطاتها من الأسفل إلى الأعلى.فالنظام السياسي هو الذي يحدد شكل ومفهوم الدولة، فمثلاً لو كانت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية شيعية مثلاً.. لرأينا السيد جورج دبليو بوش يرتدي العباءة ويعيش علاقة أخوية صادقة مع الإيرانيين! ولن نستغرب إذا رأيناه يزور الجنوب اللبناني ويحتضن ويقبل أمين عام (حزب الله) السيد حسن نصر الله، وربما رأينا أن عمامة (بوش) أكبر من عمامة (نصر الله).ولو اختلفا سياسياً حول بعض المصالح - كما يحدث بين أهل السياسة - فقد تحدث مواجهة عسكرية رغم أنهما شيعيان، ولكن من المستحيل أن يتحالف أحدهما مع إسرائيل في أي معركة مع دولة شيعية أو سنية، لأن ذلك يعتبر كفراً وجهلاً وخروجاً عن الملة والشرع السماوي!!إننا بحاجة ماسة إلى أن ندرك هذه الحقيقة، خصوصاً في هذا الظرف الصعب الذي يعصف بنا كمسلمين (سنة وشيعة) على حد سواء.. إننا بحاجة إلى وحدة روحية حقيقية تمكننا من مجابهة التحديات الصعبة القادمة.انطلاقاً من ذلك، بالعودة إلى الواقع، فإن النصر الذي حققه (حزب الله) كمقاومة عربية إسلامية هو نصر لكل العرب والمسلمين.. لأن عدونا الحقيقي في العصر الراهن هو الكيان الإسرائيلي الغاصب، ومن يساعده على الفتك بنا والنيل من كرامتنا وعزتنا وتاريخنا الإنساني، وحضارتنا التي كانت منطلقاً للوجود الإنساني.إن إيماننا المطلق بالله ورسله والقيم العدلية والحق الإنساني هو ما يجب أن يجمعنا ويعزز حقوقنا الشرعية التي نطالب بها من الآخرين بالأطر السلمية، وهي الوسيلة المثلى للجهاد الحقيقي، فلا مكان لأفكار (الزرقاوي) بيننا، أو أي شخص آخر يزرع الفتن بين المسلمين بمختلف مذاهبهم.. علينا أن نكون على يقين كامل بأن الصعوبات التي ستواجهنا في المرحلة القادمة تستدعي بالضرورة أن نتوحد، وأن نعمل معاً صفاً واحداً للحفاظ على مكتسباتنا الوطنية والقومية.لابد للشبيبة العربية أن تلعب الدور المناط بها في تعزيز مفاهيم النضال المشروع، ومحاربة العبث والهمجية والتطرف الأعمى والسعي بجدية لنشر قيم السلام الحقيقي.. السلام العادل وتمتين روابط الإنسانية الخلاقة والحب الكامن في النفس البشرية نحو عالم إنساني حقيقي يترجم المفاهيم العظيمة والسامية للأديان السماوية، الداعية إلى التعايش السلمي بين مخلوقات الله واحترام آدميتهم.[c1]طارق حنبلة[/c]