الشعائر الدينية والأماكن المقدسة هي أهم ما يجذب زوار الخارج لزيارة المملكة العربية السعودية، ففي البداية لم تكن هناك أي عوامل جذب لزوار الخارج، وبالمقابل لم يكن هناك أي اهتمام من الدولة باستقطاب السياح إليها، رغم أن بعض الاهتمام والعناية بالإضافة للمقومات التي تتمتع بها المملكة من سواحل شرقية وغربية على الخليج العربي والبحر الأحمر، ومناطق جبلية زاخرة بالمناظر الساحرة، والصحراء الشاسعة، كل هذا بجانب المكانة الدينية التي تتمتع بها دون سواها من الأقطار الأخرى على وجه الأرض، غير أن الدولة بدأت تلتفت لما ينفقه أبناؤها المواطنون كل سنة خلال فترة الصيف في الخارج، وما يمكن أن يعود عليها وعلى اقتصادها بالخير والانتعاش الوفير، ومن هنا بدأ اهتمام الدولة بالسياحة محاولة منها أن تبقي على مواطنيها داخل حدود المملكة، لتكون هي المستفيد من هذا المردود الاقتصادي جراء إجازاتهم في الخارج.الوجهة الأولى التي يتوجه لها السعوديون هي ماليزيا، ويخلفها في ذلك مصر، ومن ثم الإمارات، ففي ماليزيا ينتظر أن ينفق السعوديون حوالي 324 مليون ريال في قطاعات السكن والمطاعم والترفيه، بل تتوقع دوائر السياحة الماليزية أن يزيد عدد السياح السعوديين القادمين إلى ماليزيا إلى 100 ألف سائح، بعد أن كانوا 39 ألف سائح عام 2001م، وهذا رقم لا يشمل المرافقين من الأطفال، والذين يصعب حصرهم نظراً لتسجيلهم ضمن جوازات ذويهم!أما مصر والإمارات العربية المتحدة فقد بلغتا الذروة في عمليات السحب ببطاقة الفيزا، حيث بلغ عدد العمليات التي تم إجراؤها في مصر باستخدام بطاقات فيزا 29.4 ألف عملية، بحجم إنفاق يعادل 9.5 ملايين دولار، وبزيادة قدرها 13 في المئة، وفي الإمارات العربية المتحدة بلغ عدد العمليات 52.2 ألفاً، بزيادة 11 في المئة!وقد كشفت إحدى الدراسات أن المسافرين السعوديين أجروا 647 ألف عملية سحب عبر بطاقات فيزا في منافذ بيع خارج السعودية خلال صيف العام الماضي، بقيمه إجمالية قدرها 628.1 مليون ريال.فقد بينت الدراسة أن السياح السعوديين أنفقوا عبر بطاقات الفيزا في العام الماضي حوالي 35.1 مليون دولار في القارة الأوروبية والمملكة المتحدة "بريطانيا"، مشيرة إلى أن فرنسا وبريطانيا وسويسرا وقبرص وإيطاليا وإسبانيا، جاءت في المراتب الأولى لاستخدام بطاقات فيزا من قبل السعوديين "حول العالم"، فيما احتلت كل من مصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين الصدارة "في العالم العربي".ووفقاً للجنة الوطنية للسياحة في السعودية، فقد أعلنت أن هناك 4 ملايين سائح سعودي ينفقون سنوياً 45 مليار دولار خارج البلاد، مما يؤكد على أن الاستثمارات في السعودية تحتاج إلى المزيد في القطاع السياحي، سواء قطاع الفنادق والشقق المفروشة أو قطاع المدن الترفيهية والمنتجعات والمطاعم والنقل وخلافه، مما يدعم السياحة الداخلية.هذه الأوضاع، إضافة إلى رغبة السعودية في تنشيط قطاعها السياحي للأجانب، لتنويع مصادر الدخل، دفعت الدولة للاهتمام بقطاع السياحة، فأنشأت الهيئة العليا للسياحة في يوليو من عام 2002م، ووضعت على رأسها الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، الذي عمل بجهد كبير على تنمية هذا القطاع وتطويره، وتذليل معوقات نموه، وقد لفت انتباه كثير من المتابعين لهذا الشأن إعلان سموه خلال مؤتمر عقد في دبي، مايو الماضي، أن السعودية ستبدأ منح تأشيرات دخول للأجانب للسياحة غير الدينية، في محاولة لتنمية قطاع السياحة في المملكة، وأنه سيسمح للمرشدين السياحيين بالعمل في المملكة، بعد أن كانت السياحة مقصورة إلى حد كبير على زيارة الأماكن المقدسة، وأوضح الأمير أثناء المؤتمر، أن التأشيرات لغرض السياحة ستمنح بدون استثناءات، وذلك لرغبة المملكة في فتح أبوابها للزائرين القادمين لغير العمرة أو الاستثمار.ومن منطلق دعم السياحة، فقد قدمت الهيئة العليا للسياحة مؤخراً برنامجاً لدعم ومساندة القطاع الأهلي لتنفيذ الفعاليات السياحية ذات المردود الايجابي على صناعة السياحة في المملكة. ويعتمد هذا البرنامج على الضوابط التي وضعتها الهيئة لتحقيق تنمية سياحية مستدامة، ومن أوجه الدعم التي يتضمنها البرنامج الدعم المالي والتسويقي والإعلامي والفني.ولم تقتصر جهود تنمية السياحة في السعودية على الهيئة العليا للسياحة فقط، بل أقيمت هيئات مناطقية أيضاً كمجلس التمنية السياحية في المنطقة الشرقية الذي يترأسه الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد الله، وقد وضع هذا المجلس خطة طموحة للسنوات العشر القادمة، تدر مليارات الريالات وتخلق آلاف فرص العمل للشباب السعودي، وقد قال الأمير عبد العزيز بن فهد في مؤتمر صحفي، أنه تم اعتماد منهجية خطة العمل والأهداف الاستراتيجية للسنوات العشر المقبلة بناء على استراتيجية السياحة للمنطقة والمعدة من قبل الهيئة العليا للسياحة مشيرا إلى أنه تمت الموافقة كذلك على الهيكل المؤسسي بين القطاع الخاص ومجلس تنمية السياحة في المنطقة الشرقية، وأوضح الأمير أن من الأهداف الاقتصادية للخطة العشرية استهداف تسعة ملايين زائر للمنطقة بحلول عام 2016 موضحا أن نسبة النمو المتوقعة سنويا من عام 2007 هي 6.5 في المائة، وحتى عام 2016، وقال إننا نستهدف رفع متوسط إنفاق السائح من 838 ريالا إلى 1433 ريالا في كل زيارة، وذلك عن طريق إيجاد منتجات جديدة يقبل عليها السائح مشددا على أن الهيئة العليا للسياحة، تسعى لتخفيض الأسعار السياحية ولن يتأتى ذلك إلا في المستقبل. وأضاف إننا نهدف إلى الوصول بإجمالي إنفاق زوار المنطقة الشرقية إلى 13 مليار ريال، مع رفع نسبة الإشغال الفندقي من 23في المائة إلى 45 في المائة سنويا، وتطرق الأمير عبد العزيز بن فهد إلى الأثر الاقتصادي لإحداث التنمية السياحية في المنطقة الشرقية وقال إنها ستنتج سبعة مليارات ريال تضاف إلى الناتج المحلي الإجمالي في المملكة إضافة إلى تحقيق ثلاثة مليارات ريال إيرادات نتيجة تشغيل الأيدي العاملة السياحية، موضحا أن المجلس يستهدف تحقيق 160 ألف فرصة عمل جديدة للشباب السعودي. وأضاف إننا نسعى إلى رفع الطاقة الفندقية في المنطقة الشرقية إلى عشرة آلاف غرفة فندقية وشقة مفروشة.وأكد الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد الله أن الأمير محمد بن فهد أمير المنطقة الشرقية وجه بضرورة عمل اللجنة السياحية على توفير فعاليات تلبى حاجات الشباب في مختلف الأعمار وخاصة الفعاليات الرياضية المتنوعة البرية والبحرية والجوية بالإضافة إلى مناقشة أسعار الفنادق والشقق لكي تتناسب مع ذوي الدخل المحدود.هذا التوجه يدعمه وبشكل كبير ما تحويه المملكة من مناطق أثرية مهمة، ولربما كانت مدائن صالح، المعلم الأثري الأبرز في الجزيرة العربية، وهي تقع على بعد 22 كيلومتراً من العلا في منطقة المدينة المنورة، وتحتل موقعاً استراتيجياً على طريق التجارة القادم من جنوب الجزيرة العربية وشرقها إلى الشمال، حيث المناطق الحضارية في بلاد الشام ووادي الرافدين ومصر، أما مدينة الدرعية فتضم العديد من الآثار المهمة، التي تعطي زائرها دلالة قوية على مكانتها وأهميتها خلال العصور الماضية، ومن أهم آثار الدرعية: قصر سلوى، الذي وضع لبنته الأولى الإمام محمد بن سعود في القرن الثاني عشر، ويقع في منطقة سلوى، وكان سكناً للأمير ومنه تدار شؤون الدولة، حتى أصبح قصراً للحكم وتعاقب عليه عدد من الأئمة، مما أحدث فيه الكثير من التعديلات والإضافات بما يتماشى مع الحاجة الحاضرة في كل عهد، ومن يشاهده الآن يدرك ويشعر بقوة دولة هذا مقر قائدها. وسور الطريف، وهو سور كبير وعليه عدد من الأبراج الضخمة للمراقبة، ويحيط بحي طريف الذي يضم العديد من القصور التي شيدت في عهد الدولة السعودية الأولى، مواقع تاريخية أثرية أخرى مثل: برج سمحة، أبراج المغيصيبي، برج شديد اللوح، سور قليقل، حصن الرفيعة، أبراج القميرية، قصر الأمير سعد بن سعود، برج الحسانية، قري عمران، سمحان، مسجد الظهيرة، برج الفتيقة وبرج فيصل، ولا يتسع المجال لذكر كل ما هو مهم في هذا الشأن.أما على الصعيد الثقافي والفني، فتحتفل المملكة بنحو 600 حدث أدبي وثقافي ومهرجان للتراث والفنون الدرامية سنوياً، غير أن أهم هذه المهرجانات وأكبرها مهرجان الجنادرية، الذي يشمل الجوانب التراثية من فنون وأدب وتراث شعبي وسباقات تجذب حوالي مليوني زائر كل عام، ومثله في ذلك مهرجان أبها الصيفي، الذي يمتد لشهرين متواصلين في عروضه ومواكبه وفعالياته الثقافية والرياضية، إلى جانب ما يقام من مهرجانات سنوية في أهم مدن المملكة وأكثرها حركة.من الصعوبة بمكان متابعة التطور الذي يحدث في هذا القطاع بشكل مفصل وسريع، وذلك لغياب الإحصائيات والبيانات الاقتصادية المتعلقة به، أو لتأخر صدورها كثيراً إلى الدرجة التي تجعل أرقامها غير ذات صلة بالواقع، ولربما كانت آخر التقارير المتوفرة وأوفاها ما صدر عن مركز المعلومات والأبحاث السياحية التابع للهيئة العليا للسياحة، وهو يغطي العام الماضي 2005م، وورد فيه أن مجموع الرحلات السياحية الوافدة إلى السعودية خلال العام الماضي قد بلغ تسعة ملايين ومئة ألف رحلة، بينما سجلت الرحلات السياحية المحلية ثلاثين مليوناً ومئتي ألف رحلة، فيما بلغ عدد الرحلات السياحية المغادرة، أربعة ملايين وثلاثمئة ألف رحلة، أما بالنسبة للنفقات فقد أنفق السياح المحليون حوالي 32 بليون ريال سعودي خلال العام الفائت، وفي تقرير آخر عن الربع الأخير من العام الماضي أن أكبر عدد من الرحلات السياحية الوافدة إلى المملكة جاءت من دول الشرق الأوسط، وبلغ عددها 1427000 رحلة، تليها دول أفريقيا بحوالي 135000 رحلة، ثم دول جنوب آسيا 112000 رحلة، ودول أوروبا 68000 رحلة، وعلى مستوى الدول تمثل الكويت ومصر والإمارات وقطر والبحرين بالتتالي المراتب الخمس الأولى، وبلغ إجمالي الليالي التي قضيت في الرحلات السياحية الواردة إلى المملكة حوالي 21380000 رحلة، وكان متوسط مدة الإقامة في الرحلات السياحية الوافدة حوالي 8 ليال، وقد مثل الغرض الديني 55 في المئة من هذه الرحلات، ثم الأعمال التجارية بنسبة 21 في المئة، ثم زيارة الأقارب والأصدقاء بنسبة 12 في المئة، بينما تحتل رحلات الترفيه وقضاء الإجازات المرتبة الأخيرة بنسبة 4 في المئة.أما من تقرير الربع الثاني من العام الماضي، فقد سجلت الرحلات السياحية المحلية، حوالي 6.817 مليون رحلة سياحية، وكانت منطقة مكة المكرمة أكثر الوجهات المحلية اجتذاباً لرحلات السياح المحليين، حيث قصدها قرابة الثلث، فيما استحوذت العاصمة السعودية على 18 في المئة من السياح المحليين، ثم المنطقة الشرقية بنسبة 14 في المئة، فمنطقة المدينة المنورة بنسبة 11 في المئة. وأشار التقرير إلى أن زيارة الأقارب والأصدقاء شكلت النسبة الأكبر خلال النصف الأول من 2005م بنسبة 39 في المئة من إجمالي الرحلات، وتليها رحلات الترفيه، وقضاء العطلات بنسبة 31 في المئة، ثم رحلات العمل بنسبة 17 في المئة، وأخيراً رحلات الأغراض الدينية بنسبة 9 في المئة.وكانت معظم الرحلات المحلية السياحية في تلك الفترة عبر البر بنسبة 78 في المئة، بينما فضل البقية السفر عن طريق الجو بنسبة 22 في المئة، وقد سافر أغلب السياح بالسيارات الخاصة بنسبة 70 في المئة من إجمالي الرحلات المحلية السياحية. كما استخدم عدد قليل من السياح حافلات النقل العام بنسبة 6 في المئة من إجمالي الرحلات المحلية السياحية.
السياحة في المملكة العربية السعودية
أخبار متعلقة