من تجارب الدول في مجال العمل السكاني
أمين عبدالله إبراهيمتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة إحدى دول منطقة الخليج التي شهدت نمواً وتطوراً مرتفعاً في حجم سكانها نتيجة التطورات الاقتصادية والاجتماعية، وقد أثر اكتشاف البترول في هذه الدولة خلال ستينيات القرن الماضي - خاصة من الناحية الاقتصادية - على إحداث طفرة في عملية التحضر داخل الدولة، وذلك من أتجاهين، احدهما: يرتبط بالحجم السكاني لهذه الدولة، حيث زادت معدلات النمو السكاني لمواطني الدولة، فضلاً عن فتح باب الهجرة الذي سمح بتدفق أعداد كبيرة من السكان، مما أدى بالتالي إلى تضاعف الحجم السكاني للدولة بصورة لم تحدث من قبل، والشق الآخر يرتبط بتوفر العائدات المالية من النفط والتي ساعدت على التوسع العمراني بصورة كبيرة، مما أثر على اتساع الرقعة العمرانية المسكونة بالإضافة إلى تأثيره على إنشاء المباني المتطورة وإنشاء الخدمات والمرافق اللازمة لهذا النمو العمراني الحديث.وتفيد مصادر الإدارة المركزية للإحصاء بوزارة الاقتصاد الإماراتية بأن اكتشاف البترول وتدفق الثروة على دولة الإمارات كان من أهم الأسباب التي دفعت الدولة إلى الأخذ بأسباب التقدم، وذلك عن طريق توجيه عائدات البترول إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث أدت هذه الاستثمارات بالإضافة إلى الانفاق الحكومي على قطاع الخدمات المختلفة وتنظيم الجهاز الحكومي للدولة - إلى نمو متزايد في جميعه قطاعات النشاطات الاقتصادية وقد كانت احتياجات هذه التنمية من القوى العاملة وعدم كفاية السكان سواء من الناحية العددية أو التخصصية سبباً في حدوث تدفق عمالة وافدة إلى الدولة، اشتملت على عدد كبير من جنسيات متعددة ومستويات متفاوتة من حيث القدرة والمقدرة والتخصص والمستوى العلمي أو المهارة، ونتيجة لاستمرار وتعاظم هذه العمالة سنة بعد أخرى فقد أصبحت نسبة السكان الوافدين تصل إلى أكثر من 79% من جملة السكان في تعداد عام 2005م بينما كانت نسبة هؤلاء السكان الوافدين 63% من إجمالي السكان في تعداد عام 1975م الأمر الذي جعل دولة الإمارات تبدي اهتماما كبيراً في هذا الجانب من خلال قيامها بوضع سياسة سكانية رشيدة تهدف إلى تنظيم العمالة الوافدة، وربط هذه السياسة باحتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.وحول تطور النمو السكاني، تشير بيانات التعدادات السكانية في دولة الإمارات إلى استمرار الزيادة في أعداد سكان الدولة إلا أن معدل نمو السكان المستوى قد شهد انخفاضا مستمراً منذ الفترة (1980 - 1985م) إلى (1995 - 2005م) حيث بلغ معدل النمو السنوي للسكان 12,5% في الفترة (1975 - 1980م) باعتبار أن هذه الفترة هي بداية التنمية في الدولة التي شهدت تدفقاً ضخماً من الأيدي العاملة الوافدة، ثم واصل هذا المعدل إنخفاضه حتى بلغ 5,7% خلال الفترة (1985 - 1995) ثم إلى 5,3% فيما بين فترة (1995 - 2005م) ويرجع هذا الانخفاض إلى اكتمال معظم مشاريع البنية التحتية، مما أدى إلى تقلص المشاريع الحكومية، بالإضافة إلى ذلك السياسات التي أتبعتها الدولة في استقدام العمالة الوافدة. كما تشير البيانات أيضاً إلى أن حجم سكان دولة الإمارات قد زاد من (557) ألف نسمة في عام 1975م إلى نحو (4,106,427) نسمة عام 2005م في فترة لم تتجاوز 30 سنة وبنسبة زيادة بلغت (636%).وفي ما يتعلق بمعدل النمو السكاني للمواطنين الإماراتيين، تفيد البيانات بأنه على الرغم من الزيادة المستمرة في أعداد السكان المواطنين إلا أن معدلهم السنوي بدأ ينخفض تدريجياً خلال سنوات التعداد (1980 - 2005م).حيث زاد حجم السكان من (183) ألف نسمة في تعداد سنة 1975م إلى حوالي (825) ألف نسمة عام 2005م أي نسبة زيادة بلغت 350%.وتتفاوت حجم الزيادة بين الفترات التعدادية، حيث كانت أكبر زيادة أضيفت إلى السكان في الفترة الأخيرة (1995 - 2005م) عندما زاد السكان حوالي (238) ألف نسمة وبمعدل نمو سنوي بلغ 3,4% ويرجع انخفاض معدل نمو السكان المواطنين إلى أن المرأة الإماراتية اتجهت إلى إكمال تعليمها الجامعي والخروج إلى سوق العمل، مما أدى إلى تأخر سن الزواج ومن ثم انخفاض معدل الزيادة الطبيعية.وبخصوص التوزيع السكاني والتركيب العمري والنوعي، تؤكد البيانات على أن هناك تبايناً ظاهراً في توزيع السكان بإمارات الدولة، فإمارتي أبوظبي ودبي تضم أكثر من 66% من إجمالي سكان الدولة عام 2005م بينما تضم باقي إمارات الدولة نحو 33%، أما بالنسبة لتوزيع سكان الحضر والريف أتضح أن نسبة سكان الحضر بلغت أكثر من 82% وبلغت أعلى نسبة للسكان في إمارة دبي حيث تشكل نسبة سكان الحضر أكثر من 98%.ويتميز السكان المواطنين الإمارات بأنهم صغار السن حيث تتسع قاعدة الهرم السكاني العمري لهم اتساعاً واضحاً نتيجة للأعداد الكبيرة من الأطفال التي تحل على المجتمع عاماً بعد عام، حيث وصلت نسبة الصغار في المجتمع الإماراتي إلى حوالي 38,1% عام 2005م، بينما وصلت نسبة المسنين إلى حوالي 3,9% فقط ويتفق ذلك مع ما هو معروف عن التجديد المستمر لقاعدة الهرم السكاني وما يؤديه من قلة التعمر في قمته،بينما السكان الوافدين بأنهم متوسطي السن تبعاً لتأثير ظاهرة الانتخاب العمري والنوعي للسكان، حيث وصلت نسبة الصغار إلى 15,3% ونسبة متوسطي السن 83,7% بينما نسبة المسنين 1,0% أما التركيب النوعي للسكان المواطنين فهو يختلف حسب الإمارة، حيث تصل نسبة النوع أقصاها في إمارة عجمان وأبوظبي 102,106 ذكراً لكل مائة أنثى على التوالي بينما تصل أدناها في إمارة الشارقة 95 ذكراً لكل مائة أنثى، في حيث تتباين نسبة النوع للسكان الوافدين على مستوى إمارات الدولة حيث ترتفع في إمارة دبي إلى 323 ذكراً لكل مائة أنثى، تليها إمارة الفجيرة 265، ومن ثم إمارة عجمان التي تعتبر هي الأقل في نسبة النوع بواقع 198 ذكراً لكل مائة أنثى، ويعد أرتفاع نسبة النوع في مجتمع الوافدين نتيجة لظاهرة الانتخاب الهجري والذي تؤكد الأدلة في استمرار تعاظم دور الهجرة الوافدين بتياراتها المتدفقة في تغيير النسيج السكاني للإمارات كماً ونوعاً.