الصورة النمطية التي رسمتها لنا الأفلام السينمائية حول المقاهي وروادها ، فلم تعد المقاهي تجمعا " للصيع " على حد تعبير المصريين ، أي العاطلين عن العمل والمتسكعين ، إنما مكان للترويح عن النفس والراحة من ضغوطات العمل وخاصة في بلاد تندر فيها أماكن التسلية والترفية كالمسارح والسينما . وهكذا أصبحت صورة رواد المقاهي التي رسمتها الأفلام جزءا من الماضي نتيجة تطورات الزمن ونتيجة التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها المجتمعات العربية وخاصة النفطية . فعندما تسأل أي من مرتادي المقاهي حول سبب تواجده في هذا المكان فلن يجيبك " لا أجد عملا " ورغم أنه قد يكون عاطلا عن العمل إلا أنه حتما لا يبحث عن عمل ولا يهمه أن يعمل، بل سيجيبك : " تسلية وترفيه " ولكن قد يفاجئك آخر حين تعلم أن ضغط العمل هو ما دفعه لأخذ قسط من الراحة والترفيه في المقهى، أو أنك قد تصدم حين ترى آخر حاملا كمبيوتره المحمول وينجز بعض العمل في المقهى! في الواقع هناك علاقة جدلية بين ازدياد عدد رواد المقاهي وازدياد عدد المقاهي نفسها في مختلف أرجاء السعودية، فأيهما يا ترى سبب في ازدياد الآخر؟ لا يهم طالما يرتبط ازدهار تلك المقاهي بتطور الخدمات السريعة التي تقدمها هذه المقاهي ، مما شجع الناس على ارتيادها بدلا عن الديوانيات والمجالس ، فليس الشاي والقهوة و ' العصائر' هي فقط ما تقدمه هذه المقاهي كما كان يحدث قبل نصف قرن، بل أن القائمة تشتمل على مئات الأنواع ، بدءا من 'المعسل' والمشروبات الباردة والساخنة وصولا إلى المأكولات الخفيفة والدسمة ، بل أن معظم المقاهي تبتكر خلطات خاصة من العصائر وتطلق عليها الأسماء المختلفة بغية جذب الزبائن .وهكذا تكاثرت المقاهي التي كان عددها محدودا في السعودية قبل عشر سنوات فقط ، بشكل لافت خلال الأعوام الأخيرة لجدواها الاقتصادية المرتفعة . ورغم الخدمات الحديثة التي تقدمها معظم المقاهي، التي أصبحت أساسيات وليست مجرد كماليات، كخدمة الـ 'wireless' أو الدخول على الانترنت وجهاز الـ 'Games' وأحيانا كثيرة الـ 'play station'، ووجود التلفزيون وقنواته الفضائية إلا أنه ما زال البعض يفضل الألعاب الشعبية القديمة كالدامة والدومينو والورق التي مازالت صامدة في وجه زحف العولمة .[c1]نوم في النهار ومقهى في الليل[/c]وإذا كان السعوديون يشكلون معظم رواد المقاهي في معظم المناطق، فإن للوافدين العرب حصتهم ومكانهم في تلك المقاهي التي يكتسحونها خصوصا ليلة الخميس كون الجمعة عطلة أسبوعية ، كما يلاحظ التفاوت العمري في رواد المقاهي، وإن كان معظم روادها من الشباب ، فتكيف المقاهي نفسها من حيث الخدمات والعروض حسب نوعية روادها، فعلى سبيل المثال تجد المقاهي الشبابية تضبط جميع تلفزيوناتها على القنوات الرياضية المشفرة التي تعرض مباريات الدوري الأوروبي وبطولاته المحلية والدورات العالمية، كما تعرض قنوات الأفلام العربية الحديثة والأجنبية والقنوات الإخبارية وبالطبع فإن القنوات الغنائية موجودة بشكل أساسي في جميع المقاهي. ويشكل شهر رمضان المبارك، الذي نعيش لياليه هذه الأيام، مصدر رزق أسياسي يعتمد عليه أصحاب المقاهي، رغم أنها تغلق ابوابها خلال ساعات النهار لعدم وجود مرتادين، إلا أن الفترة المسائية لاسيما مع بدء ميل الطقس نحو البرودة تشهد عادة ازدحاما لا مثيل له في المقاهي التي تعرض شاشاتها الكبيرة مختلف المسلسلات وبرامج المسابقات طوال الشهر. فها هو عبد الرحمن ( 31 عاما ) يشير إلى حرصه الدائم على قدومه ليليا مع مجموعة من أصدقائه الشباب إلى أحد المقاهي، مشيرا إلى أن ليالي رمضان أجمل ليالي عمره، مؤكدا على انه يقسمها بين العبادات وصلاتي التراويح والقيام وارتياد المقهى الذي يجتمع فيه مع الأصدقاء، فيما يكون نائما طيلة النهار.[c1]الشيشة تلقى فضولا وإعجابا لدى الزبائن[/c] وعن تفضيل الشباب السهر في المقاهي بدلا من المجالس كما درج عليه الأمر منذ عشر سنوات مضت ، يقول منصور العنيزي ( 26 عاما ) : السبب هو وجود الكثير من الوسائل الترفيهية والترويحية، فضلا عن التعرف بأصدقاء جدد دائما، كما أن الديوانية ليس فيها 'معلم شيشة' وأنواع مختلفة من المعسل والعصائر والأطعمة ". وتزداد شعبية الشيشة يوماً بعد يوم ، بين الشباب ، في المنطقة العربية ، يجذبهم إليها الجو الخاص الذي يتوفر في المقاهي الخاصة بها ، والرغبة في التجديد . فصار لها مغرمون كثير. يقول أسامة الشاهري البالغ 23 عاما من العمر: "دخّنت شيشة لأول مرة قبل عام، وكان ذلك أثناء الإجازة التي أمضيتها في تركيا.". ومنذ هذه التجربة أصبح اسامة يتردد بصورة منتظمة على أحد المقاهي المنتشرة على أطراف الرياض حيث يتم إعداد وتهيئة الشيشة بطريقة فنية متقنة على كل طاولة تقريبا من طاولات تلك المقاهي أو توضع على الأرض في غرف مقطعة تتسع لعدة أشخاص مفروشة على الطريقة العربية ويوجد في كل منها جهاز تلفاز. وهناك تسمع فرقعة الماء، فيما يلتف المبسم في أعلى خرطوم النارجيلة. وعلى عكس الحال بالنسبة لمشروبي القهوة والشاي، فإن مقاهي تدخين الشيشة ، في الرياض ، لم تنتشر بشكل كبير إلا خلال السنوات الخمس الأخيرة. أما اليوم فيبدو أن زيادة عدد المقاهي التي تقدم الشيشة للزبائن على نحو قياسي مؤشر بانتصار هذا العطر الحلو المذاق ولو أن ذلك قد جاء متأخرا. يزداد باطراد عدد المدخنين للشيشة الذين يكتشفون الولع بهذا التقليد. في هذا الصدد يبدي صاحب مقهى للشيشة في وسط العاصمة، سعادته لكون تدخين الشيشة يلقى فضولا وإعجابا لدى الزبائن . لكنه بحكم تجربته في حقل المطاعم والمقاهي يفضل أن يكون العرض المقدم مزدوجا: " نحن نوفر هنا خليطا بين العصائر والمشروبات الساخنة ومقهى الشيشة".اعتاد السعوديون منذ القدم على التجمع في المقاهي الشعبية حيث يتبادلون الأحاديث والآراء، لذلك تعددت المقاهي وانتشرت في معظم مناطق البلاد، وإذا كانت بعض الشوائب تعيب عمل المقاهي أو روادها فلا يمكن نسف فوائدها وكونها متنفسا للناس بمختلف فئاتهم.
شباب يستبدل الديوانية بالمقاهي
أخبار متعلقة