سمير صالحة :فيما تواصل الصحافة العربية نقاشاتها الحامية حول أسباب فوز حزب العدالة والتنمية التركي وتنشط جاهدة لتحديد أبعاد هذا الفوز الانتخابي الساحق وما سيحمله من متغيرات داخلية ومساهمات في دفع العملية الديمقراطية في البلدان العربية والإسلامية، يغيب عن الكثيرين بروز ظاهرة اجتماعية سياسية ببعد ثقافي في غاية الأهمية لدى الأتراك رافقت نتائج الانتخابات، وهي نجاح 50 سيدة من مختلف الأحزاب والتيارات السياسية في اقتحام باب مجلس النواب التركي الجديد وأخذ مواقعهم بين عشرات الرجال لإسماع صوتهن والدفاع عن قضاياهن وانتزاع حقوقهن بأيديهن، بعدما تلكأ الرجال وتباطأوا في التعامل مع مشاكلهن.هي المرة الأولى في تاريخ تركيا الحديث التي يرتفع فيها عدد البرلمانيات التركيات الى هذا الرقم، لتكون بعد العراق ثاني أعلى نسبة للمشاركة النسائية بالمجالس النيابية في المنطقة، حيث تضاعف حضورهن خلال أربعة أعوام وارتفعت النسبة إلى حوالي 25 نائبة، لتصل مع إعلان نتائج الانتخابات التركية الأخيرة إلى 8 بالمئة من المجموع العام البالغ 550 مقعدا وتكون حصة النساء 50 مقعدا أشعلت الحماس في نفوسهن وشجعت العديد من الحركات والتجمعات النسائية لرفع صوتها المطالب باستغلال هذه الفرصة وتجييرها بأسرع ما يمكن لتكون وسيلة طرح ومناقشة العديد من المسائل والقضايا النسائية العالقة والتي تنتظر منذ سنوات أن يوليها الرجال اهتمامهم من دون فائدة.تجمع قدر النسائي لعب دور رياديا في تأمين وصول هذه النسبة الى المجلس النيابي، وهو من هنا يطالبها اليوم بالتحرك الموحد والتنسيق الكامل لإعلان مطالب المرأة التركية واولوياتها.50 برلمانية تركية يهمهن حتما التزامهن بانتمائهن السياسي والحزبي والعقائدي، لكنهن مصممات على تجاوز هذه العقبات والحواجز ليكن حنجرة واحدة حيال التعامل مع قضاياهن على طريق إسماع الصوت النسائي الذي ظل لسنوات طويلة خارج المعادلات والتوازنات التي فرضها الرجال، حارمين رفيقات الدرب من فرص قول ما عندهن وحقهن العادل في التمثيل والمشاركة في عملية التعبير المتواصلة على كافة المستويات داخل تركيا.ثلاثي حزب الشعب الجمهوري اليساري العلماني الاتاتوركي المتشدد نجلاء ارات نور سرتر، وزينب غورال، جنبا الى جنب مع ليبراليات العدالة والتنمية اوزلام تورك اونه الشابة الوافدة من قلب البيروقراطية، ونعمت شوبوكشو السياسية المتمرسة، وبينهن تقف القومية التركية المتشددة كمرال اقشنار، إلى جانب الكردية الأصل صباحات تونجال، يقفن كلهن أمام مرآة واحدة يعدن بالمزيد وينبشن في حقول أحلام الكثيرات.أكاديميات، محاميات، سيدات أعمال، ناشطات في الحقل الاجتماعي وواحدة من قلب السجن بتهمة الانتماء الى حزب إرهابي يعمل لتفكيك الدولة، وأخرى تقبل رفع حجابها داخل البرلمان وتعيده الى رأسها بعد المغادرة، معلنة التزامها بالنهج والأسلوب الجديد في التعامل مع المسائل التي يتبناه العدالة والتنمية.. التقين جميعا تحت سقف البرلمان التركي الجديد يؤدين اليمين الدستورية، واعدات بالكثير نسائيا رغم انتقادات الصحافية التركية المعروفة ميرال تامر التي حملت عليهن تشبههن بالرجال في اختيار ملابسهن خلال جلسة القسم.مفاجأة إسماع صوت المرأة داخل المجلس النيابي الجديد حملها حزب المجتمع الديمقراطي الذي يمثل تحديدا مناطق جنوب شرق تركيا بغالبيتها الكردية، حيث أوصل 8 نساء من أصل 22، ثم تلاه في المرتبة الثانية حزب الشعب الجمهوري 9 سيدات من أصل 99، فيما احتل العدالة المرتبة الثالثة بـ30 مقعدا للنساء من أصل 341. أما ما سيوحدهن بالدرجة الأولى، فهي جملة من المطالب الاجتماعية المهنية القانونية.. مسائل تقلقهن منذ أمد طويل وهي ظلت من دون حل حتى اليوم وفي مقدمتها التعسف والعنف الأسري والقبلي المرتكب بحقهن وممارسات العنف التي يواجهنة في حياتهن اليومية، شروط العمل القاسية التي تفرض عليهن ومضايقات كثيرة يتعرضن لها في حقول التعليم والعمل وقضايا أخرى تنتظر دورها كقضية الحجاب والمضايقات والتحرش والاعتداء والاغتصاب ونسب الانتحار المرتفعة في المناطق الريفية.الاقتراح الأول المقدم على عجل والذي لقي قبولا لدى معظم البرلمانيات الجديدات، هو تشكيل حلقة نسائية برلمانية تلتقي بشكل دوري لمناقشة المسائل التي تعنيها لتكون حلقتها تماما مثل مشاكلها موحدة مشتركة فوق الأحزاب والسياسات. فآلاف النساء ينتظرن الكثير ويراهن على انجازات كثيرة تحققها هذه القوة التي لن يعيق تقدمها ضعف عددها فنوعيتها وإمكاناتها ستتجاوز مسألة العدد، فهي بقوتها وقدراتها وطاقاتها العلمية والمهنية والنقابية قادرة على صنع الكثير والتحول إلى قوة ضاغطة داخل مجلس النواب التركي تؤمن صدور الكثير من القوانين والقرارات والتشريعات التي تحسن من مستوى المرأة في كافة المجالات.سيدات حزب العدالة والتنمية يتحملن المسؤولية بالدرجة الأولى في تأطير وتنظيم وتجييش هذا الحشد وقيادة هذه البادرة لتكون السباقة في التعامل مع هذه التجربة النسائية ليس على المستوى التركي فحسب، بل لتتحول بأسرع ما يمكن إلى حركة إقليمية تستفز دول المنطقة ونسائها لتأكيد حقها العادل ضمن منطق المساواة والمشاركة في التواجد داخل المؤسسات الرسمية.حماس بعض المتشددين والمتمسكين بإسماع وإيصال صوت المرأة التركية إلى أهم المناصب والمنابر السياسية والاجتماعية يدفعهم للتساؤل: لم لا تصل سيدة إلى قصر الرئاسة في شنقايه في قلب العاصمة التركية؟ وهل إن منصب رئاسة الوزراء سيظل حكرا على مجموعة من الرجال المتعنتين؟ فهل تنجح المرأة التركية في مسعاها أم ستظل تحت رحمة الوعود والتوصيات والتمنيات التي يطلقها الرجال؟[c1]* نقلا عن / جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية[/c]
تركيا: النساء في قلب السياسة
أخبار متعلقة