مدارات
تمضي بنا سفينة الحياة تمخر بحور العزابة والرتابة والدهشة وهي تحملنا على ظهرها العتيق.. مسرح أحزاننا وأفراحنا.. همومنا وآمالنا المتعبة من وجع لياليها المرة والقاسية في أحيان كثيرة.تمضي وهي تأخذ منا أكثر ما تعطينا.. غريبة هي ومدهشة بتناقضاتها العجيبة.. نرى ذلك جلياً في ملامحها الفسيفسائية وحركة سيرها المضطربة حد الجنون.هي مدرسة حقاً تتعلم فيها أسرار وخفايا كلما تقدمت بنا السنون ومضت بنا الأيام والليالي في فصولها التي اغتالت سنوات من عمرنا وهي سنة هذه المجنونة.. الدنيا.. الحياة التي جئنا إليها مشكرهين.. أنقياء كبلورات الثلج.في هذه الحياة أو المدرسة الكبيرة التي لا نتعلم فيها مجاناً لأنني وباقي بني البشر ندفع لها الرسوم سنوات من عمرنا وصحتنا وتوهجاتنا وأرواح أحبائنا التي غرقت في بحور الموت وهي أيضاً من سننها وما دائم إلا وجه الله.. وما نحن إلا زائرين غرباء وإن اعتقد البعض أنهم مخلدون لا حول ولا قوة إلا بهم وبمناصبهم وتجارتهم.في هذه الحياة وأثناء حركة سيرها التسونامية المخيفة تتعرف على هذا وذاك وسرعان ما نرتبط بشكل من أشكال العلاقات الإنسانية هي الأعظم والأسرع في حركة نمونا السني وهي الصداقة.ياه.. يا لعظمة هذه الكلمة.. يا لا عظمة نعمة الإحساس بها حقاً.. إنها مساحة خضراء تسكن بها أرواح وردية وملائكية إن هي ظلت متمسكة بمعانيها الخلاقة وسماتها النبيلة.ولكن ماذا لو اقترب إنسان وتظاهر بالنبل والأخلاق والكرم والطيبة المفرطة حد الثمالة حتى جعلك تحس أنه أخ حملته بطن أمك فأعطيته أغلى ما لديك وبعد ذلك ومع مرور الأيام اللعينة وجدته مغروراً مجرد من أبسط القيم والمثل لا يمت للرجولة والإنسانية بأي صلة.. لا يرى الدنيا إلا مرآة كبيرة تعكس صورته التي سقط فيها قناع الصداقة والود والأخوة الزائفة.إنها تجربة مريرة عشتها بكل مرارتها وقسوتها وكادت تمزق قلبي حقاً لكن نعمة الله العظيم كانت أعظم من كل شيء.. نعم كانت نعمة النسيان هي القارب الذي حملني نحو شاطئ الأمان والقيم والأخلاق.. وهي الثروة الحقيقية في حياة أي إنسان رفض سلوك البهايم والنعاج.. حياة القردة والخنازير.ستظل هاماتنا عالية كالجبال مادمنا متمسكين بحبل الله والقيم والمثل الأعلى التي نمت في أعماقنا وتغذت من كبريائنا وبؤسنا وعزة أنفسنا والرضى بما قسمه الله تعالى لنا.