إن استمرار غياب الخطوط الواضحة لاقتصادات السينما السعودية.. يضع قطاع السينما السعودية في موقف حرج مقارنة بدور هذا القطاع في تنمية اقتصادية دول كثيرة، نامية ومتقدمة. إن المتابع لإرهاصات المجتمع السعودي.. يجد أن مساحة الاهتمام بالدراما اتسعت في المجتمع السعودي وأصبح المجتمع يتابع ويهتم بالدراما التي تناقش أوضاعه ومشاكله, ولذلك لقد بدأنا نشعر بأن العراقيل التي وضعناها أمام قيام صناعة السينما السعودية طوال ما يقرب من 70 عاماً.. هي عراقيل وهمية، ولا سيما أن الحجج التي اعتمدنا عليها في منع صناعة السينما لم تكن مقبولة ولم تعد مقبولة إطلاقاً.إن المنتج السينمائي يعرض بقوة طوال الـ 24 ساعة على مئات من شاشات العرض التلفزيونية، ومع ذلك تُتخذ مجموعة إجراءات غير منصفة بمنع صناعة السينما في بلادنا، ونحرم أجيالاً من امتهان مهنة هذه الصناعة التي تعتبر من الصناعات المهمة في كل دول العالم، إضافة إلى أنها نوع راق من أنواع الفنون التي يمكن استخدامه في علاج المشكلات التي يتعرض لها المجتمع السعودي ونخص بالذات مشكلة البطالة والإرهاب أو المخدرات والسطو والخروج عن القوانين والآداب العامة.ولا شك أن الاقتصاد السعودي وهو يسعى إلى التنوع يحتاج إلى أن تكون صناعة السينما كما هي صناعة الصحافة والإذاعة والتلفزيون والإنترنت لاعباً مهماً في مشاريع زيادة الموارد في شرايين الاقتصاد الوطني.إن أسراب العاملين في الإعلام الوطني يتزايدون بمعدلات عالية، كما أن بناء المؤسسات التعليمية والتدريبية في مجالات الإعلام وتكنولوجياته المختلفة تتزايد, وأن أسراباً من الناهلين منها يتقدمون إليها, كما أن المؤسسات الصحافية السعودية تحقق مزيداً من النمو والأرباح وتتسابق إلى زيادة رأس المال وتعمل على رفع كفاءتها وزيادة إنتاجيتها.. وصولاً إلى النمو الهائل في مجال الإعلان الذي تجاوز مئات المليارات من الدولارات الأمريكية والريالات السعودية. وإذا كنا جميعاً نتفق أنه لا يوجد مانع شرعي بمنع قيام صناعة السينما في السعودية، بل يوجد مسوغ نظامي متمثل في نظام المطبوعات والنشر يسمح بها، فإن دعم مشاريع صناعة السينما السعودية يصبح الآن ضرورة ملحة، ونعتبر أنفسنا أننا تأخرنا كثيراً في اقتحام بوابة صناعة السينما كوسيلة من وسائل الإعلام الحديث، ولذلك فإن الوقت قد حان لمباشرة بناء صروح صناعة السينما السعودية ابتداء من معاهدها وكلياتها العلمية المتخصصة لتخريج الكوادر في كل التخصصات.. حتى بناء دور العرض بما يكفل تطبيق أعلى درجات الالتزام بمبادئ الأخلاق والحفاظ على التقاليد العربية السعودية الأصيلة. إن صناعة السينما تعتبر أحد الأنشطة الاقتصادية التي لها دور في زيادة الدخل القومي لكثير من الدول، ونذكر – على سبيل المثال – أن مساهمة صناعة السينما في الدخل القومي للاقتصاد الأمريكي بلغت في عام 2005م نحو 3 في المائة، بينما كانت السينما تسهم بنحو 4 في المائة من الدخل القومي في السعودية ـ المصرية (جمهورية مصر العربية).إن آلاف المحطات الفضائية تعرض مختلف الأفلام بكل مستوياتها وعيوبها, ولكن إذا فتحنا الأبواب الشرعية لصناعة السينما فإن السينما ستكون تحت رقابة وزارة الثقافة والإعلام، بمعنى أن دور السينما لن تعرض إلا الأفلام المرخصة رسمياً من قبل وزارة الثقافة والإعلام التي لا شك أنها ستراعي تقاليد مجتمعنا الإسلامي المحترم.وأود أن أؤكد أن للسينما السعودية تاريخا بدأ منذ 50 عاماً، حينما أسس الفنان السعودي لطفي زيني أستوديو للتصوير السينمائي، ثم استطاع أن ينتج فيلماً سينمائياً مع الفنانين المصريين ويشارك في التمثيل جنباً إلى جنب مع الفنان طلال مداح، وحاول لطفي زيني مع محمد عبده القيام بدور البطولة في أحد الأفلام السينمائية ولكن محمد عبده لم يجد نفسه في السينما فاعتذر وما زال يسجل اعتذاراته عن تصوير أغانيه بالفيديو كليب. ولو وجدت السينما السعودية من يرعاها منذ نصف قرن لأصبحت اليوم تقف بمقوماتها وصروحها جنباً إلى جنب مع صروح دول تعتبر السينما فيها من أهم مقومات حياتها الثقافية. إن الاستسلام للممانعة في ذلك الوقت جعلنا ندفع الثمن الآن ونبدأ من الصفر. وكان المفروض أن نمضي في محاولة الإقناع بالسينما كما مضينا ونجحنا في محاولة الإقناع بافتتاح مدارس البنات ثم بناء الإذاعة والتلفزيون والمسرح وغير ذلك مما كانت تمنعه بعض الظنون، ولكن مع المحاولات المستمرة للإقناع, استطعنا أن نجتاز العوائق ونصل إلى بناء أسراب المدارس ونشر محطات الإذاعات وبناء الفضائيات والمنتديات والمدونات. إن المحاولات الجادة التي يقوم بها الآن بعض المشتغلين في صناعة السينما السعودية تبعث فينا التفاؤل بقرب بزوغ فجر جديد للسينما السعودية، ففي تموز(يوليو) 2006 الماضي افتتح في مدينة جدة مهرجان العروض المرئية (السينمائية) في مركز جدة للعلوم والتكنولوجيا، وفي تموز (يوليو) 2007 أي قبيل أيام قلائل انعقد في جدة المهرجان الثاني للعروض المرئية (السينمائية)، ولقد سجل المهرجان خطوة جيدة على طريق بناء اقتصاديات السينما السعودية، ونستطيع أن ننوه أن الجهود المبذولة لبناء صروح السينما السعودية الحديثة إنما جاءت وفق معايير تتناسب مع أخلاقياتنا الإسلامية وتقاليدنا العربية، ولقد وضح ذلك في العمل الذي قدمه عبد الله العياف بعنوان “السينما 500 كيلو متر” وهو فيلم وثائقي عن رحلة شاب من الرياض إلى البحرين لمشاهدة السينما لأول مرة يطرح السؤال الأول “لماذا لا توجد صالات سينمائية في السعودية” وفيلم “تاكسي” لمشعل العنزي وفيه يستعرض عدداً من الشخصيات الاجتماعية بهمومها ومشاكلها عبر سيارة التاكسي التي يستقلونها. إن الكتابة عن هموم السينما السعودية تستدعي الإشارة إلى الجهود التي يبذلها المخرج عبد الله المحيسن الذي يعتبر من أبرز السينمائيين السعوديين وله فيلم باسم “ظلال الصمت” والفيلم من الأفلام الروائية السعودية التي لاقت مكانة عربية جيدة وبالذات حينما شارك فيه – باسم السينما السعودية – في العديد من المهرجانات الخليجية والعربية والعالمية كمهرجان القاهرة والإمارات ومهرجان روتردام الذي أقيم في هولندا في العام الماضي. كما أن المخرجة هيفاء منصور استطاعت أن تقتحم المهرجانات الخليجية والعالمية بعدة أفلام ويأتي في مقدمتها فيلم نساء “بلا ظلال” الذي عرض في بعض دور العرض العربية وأشاد به النقاد، كما أن محمد بايزيد أخرج فيلماً باسم “القطعة الأخيرة”، أما الخطوة الجيدة التي حققتها السينما السعودية فإنها تتمثل في الفيلم السينمائي الذي أنتجته “روتانا” باسم “كيف الحال” وناقش الفيلم رفض جيل الشباب السوي لجيل المتطرفين في ظل السعي إلى دخول عصر العولمة مع الاحتفاظ بالقيم الإسلامية الراسخة، أما الإنجاز الأكبر الذي حققته “روتانا” على طريق صناعة السينما السعودية فهو قيامها بإنتاج المزيد من الأفلام السينمائية كفيلم “عندليب الدقي” بطولة محمد هنيدي وبعض الممثلين الخليجيين، وتكون بذلك “روتانا” قد رسخت أقدامها في مجال الإنتاج السينمائي،ولكن ما نريده هو أن تنشأ شركة قابضة تتفرع منها مجموعة شركات سعودية في مختلف مجالات العمل السينمائي ابتداء من أكاديمية لفن السينما يتخرج منها مجموعة تتخصص في امتهان مهن الفن السينمائي، وبهذه المناسبة أود أن أشير إلى أنني التقيت في مصر أخيرا أحد المنتجين السينمائيين الكبار وقال لي إن لديكم مجموعة من المواهب الكوميدية التي يندر أن تتوافر في كثير من الأقطار العربية, وأشار بالاسم إلى مجموعة من الفنانين السعوديين كفائز المالكي، حسن عسيري، عبد الرحمن السدحان، ناصر القصبي، محمد العيسى، وفهد اللحيان، وقال بالفم المليان إن هذه المواهب لو وجدت في مصر لنافست صفوف الكوميديا الأولى. لقد حان الوقت كي نفتح المجال لبدء صناعة سعودية للسينما المحترمة, وحان الوقت أن نلغي قراراً كان مقبولاً في وقت مضى وأصبح غير مقبول في الوقت الراهن، لأنه يفتقد إلى المبررات الموضوعية لسريان مفعوله. [c1]نقلا عن / جريدة ( الإقتصادية) السعودية [/c]
البحث عن الدور الاقتصادي للسينما السعودية
أخبار متعلقة