ما زالت هناك خصوصية لأهل البادية في ضبط مواقيت الأذان عند الإفطار والإمساك عند السحور خلال شهر رمضان المبارك فكان البدو يعتمدون على معرفتهم بمواقيت طلوع الفجر والغروب على اختلاف الفصول، فيمسكون عن الطعام كبداية ليوم الصيام مع الشفق الأول، وينهون صيامهم بالإفطار مع اختفاء الغسق عقب غروب الشمس، وفي حال وجود حائل يحول دون مشاهدة حالة الغروب كانوا يأخذون من «واسط البيت» دلالة على دخول وقت الغروب، فإذا غشي الظلام أعلى «واسط البيت»، وهو العمود الذي يتوسط بيت الشعر ولم يعد بمقدورهم رؤيته تأكدوا من غروب الشمس وأيقنوا بحلول وقت الإفطار، وكثيرا ما كانوا يعتمدون هذه الوسيلة عند عدم صفاء الجو أو في أيام الشتاء التي تتلبد فيها الغيوم.ويتعرفون على مواقيت الصلاة من خلال ارتفاع قرص الشمس ودليلهم على ذلك الظل، فإذا انتصفت الشمس في كبد السماء ينحسر الظل الى أصل الجسم، فيكون قد دخل وقت الظهر، وإذا زالت الى الغرب وصار طول الظل مساويا لطول الجسم يكون قد حل وقت العصر، وكانوا يستخدمون العصا لمعرفة هذه المواقيت بأن تغرس في الارض بشكل قائم ويقدرون ظلها، وإما وقت العشاء فيكون عندهم مع نهاية الهزيع الأول من الليل الذي يساوي ربعه.ويقضي أهل البادية يوم الصيام في العمل كباقي الأيام، فيبدأون نهارهم مع ساعات الصباح الأولى برعاية أغنامهم والاهتمام بمواشيهم، حيث يجوبون المراعي يتخيرون لها الكلأ ثم يردون بها الماء لسقايتها الى ان يحين وقت احتلابها، فإذا انقضى النهار عادوا الى مضاربهم مع الغروب، يحبسون قطعانهم قريبا من المنازل فيربطون دوابهم ويضعون عن ظهورها ويعقلون إبلهم ثم يأوون الى بيوتهم لتناول إفطارهم.وتكون وجبة إفطارهم إما لحوم الضأن التي تطبخ باللبن المخيض او بالجميد ويقدم «ثريدا»، وهو عبارة عن خبز «الصاج» يوضع في «المناسف» إما أرغفة كاملة أو قطعا ويسكب عليه مرق اللحم «المليحية» ثم ينضد اللحم فوقه يتوسطه رأس الذبيحة ولدى تقديمه يصب عليه السمن، وغالبا ما تكون هذه وجبتهم في بداية رمضان أو عندما يدعون الى وليمة غير أن وجبة «الرشوف» الأكثر شيوعا في المجتمع البدوي، وتعد من جريش القمح وحب البقول كالعدس أو الحمص يطبخ باللبن المخيض أو الجميد ويؤكل إداما أو ثريدا، وأحيانا تقتصر وجباتهم على التمور يتناولونها الى جانب السمن أو الزبدة و«الخاثر»، وهو اللبن الرايب، فيما يتناولون خلال سهرتهم الزبيب أو القطين وكثيرا ما تكون هذه الوجبة سحورهم أيضا.وأما الرعاة الذين يبيتون مع قطعان المواشي بعيدا عن المضارب، فإما ان يرسلوا احدهم الى المضارب لإحضار وجبة إفطارهم، او يفطرون على ما يصطحبون معهم من مؤونة مما لا يحتاج الى طهو، كالسمن والتمور ومجففات العنب والتين، أو يصنعون «عربودا» حيث يقومون بعجن الطحين ليكون شديدا متماسكا على قطعة من الجلد في حال عدم توفر آنية، وعادة يستخدمون فراءهم لهذه الغاية، ثم يفردون العجين الذي يضيفون إليه بعض التوابل على شكل رغيف سميك ويجعلونه تحت النار التي سبق أن أوقدوها، ثم يغطونه بالتمر لحين نضوجه، وعند إخراجه يزيلون عنه بقايا الرماد العالق به ويقومون بثرده إما بالسمن أو الحليب.
الصيام عند أهل البادية.. من الشفق إلى الغسق
أخبار متعلقة