أضواء
أعتقد أنه لا يمكن لأي تكفيري صادق مع نفسه أن ينكر أن للتكفير لذة، لذة يشعر بها تتصاعد من رأسه بخاراً ساخناً عندما يصرخ بأعلى صوته قائلاً (فلان كافر ملعون). وإن كان التكفيري ممن اكتوى بنار السجن والتعذيب في أحد سجون العالم الثالث فاللذة أكبر والهوس بالفكرة أشد . من هنا يمكنني القول إن هذه اللذة تدرج مسألة التكفير برمتها في قائمة الشهوات التي تهفو إليها النفس البشرية، ولأن هذه الشهوة مرتبطة في كثير من الأحيان بمشاعر سلبية كحب الانتقام وتصفية الحسابات وإفراغ القوة الغضبية والسخط على الوضع الاجتماعي، فبناء عليه لا بد من القول إنها شهوة غير سوية مريضة مازوخية سادية لا بد من تشخيصها وعلاجها وعدم تبريرها بأي من الظروف المحيطة بها. نصوص الدين الإسلامي التي نعرفها جيداً، لا تساعد التكفيريين كثيرا، فقد عايش نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم اليهود ووقع على وثيقة تعايش مدني معهم وصبر على أهل المدينة الذين لم يؤمنوا به منهم، وعاشوا في دولته حتى توفوا ولم ينقل مطلقاً أنه كفّر أحداً منهم ولا تشفى ولا انتقم، بل صلى عليهم بعد وفاتهم وعاملهم بأحسن ما تكون المعاملة النبيلة رغم علمه اليقيني الجازم أنهم قد كفروا به طوال حياتهم وحتى مماتهم. إذا اتفقنا على هذه النقطة فمن أين جاءت هذه الحمى ومن أين اندلعت هذه الحرب النظرية ؟ إن ما يساعد التكفير ويجعل له جذراً في الثقافة الإسلامية ليس الإسلام النصي بقدر ما هو الإسلام التاريخي، عندما نستعرض كيف تحول المسلمون من مسلمين إلى سنة وشيعة وخوارج، ثم أشاعرة ومعتزلة فيما بعد، في تلك العصور التي اختلط فيها الخلاف المذهبي والخلاف السياسي، حيث اختلط التعصب الديني الضيق بالأطماع السياسية الجشعة التي لا ترحم أحدا، في تلك الأجواء خلقت لذة التكفير وعُرف الانتقام من خلاله كوسيلة لرفع العصمة الإنسانية عن دم المكفّر وبالتالي استباحة تصفيته جسدياً. هذه اللذة يجب أن يسلط عليها الضوء أكثر لكي تتعرى أكثر ولكي يعرف التكفيري نفسه ودوافعه وكوامنه وخفاياه. لكي يبحث لنفسه عن قضية حقيقية إنسانية شريفة بدلاً من الغرق في حمى هذا المرض النفسي. [c1]*صحيفة (الوطن) السعودية [/c]