شفاء منصرحتى وقت قريب كنت اتصور استناداً الى دراستي وقراءاتي ان تاريخ الرواية العربية المعاصرة يبدأ برواية ( زينب ) للكاتب المصري (حسين هيكل ) الصادرة في العام 1914م ولكنني غيرت فكرتي تلك بعد صدور كتاب الدكتورة ( بثينة شعبان ) الموسوم : " بمائة عام من الرواية النسائية العربية الذي صوب لي ذلكم المفهوم المغلوط الذي كنت اتعاطى معه كمسلمة لا تقبل مجالاً للشك بعد ان اثبتت بثينة شعبان ان اسهام المرأة العربية يفوق اسهام الرجل في تأسيس الرواية العربية وان الرواية العربية الاولى هي رواية بعنوان (حسن العواقب ) او ( غادة الزهراء ) للكاتبة اللبنانية ( زينب فواز ) وان هذه الرواية قد نشرت عام 1899م وبالاضافة الى رواية ( حسن العواقب) لزينب فواز صدرت رواية اخرى هي رواية ( قلب الرجل ) للكاتبة ( لبيبة هاشم ) ( وحسناء سالونيك ) للكاتبة لبيبة ميخائيل صوايا واكثر من ست روايات للكاتبة ( عفيفة كرم ) من اشهرها ( بديعة فؤاد ) و( غادة عمشيت ) والروايات المذكورة صدرت قبل صدور رواية زينب لحسين هيكل . يقول الكاتب «وحيد تاجا»في دراسة له بعنوان : مائة عام من الرواية النسائية العربية والرجل يراوح في مكانة ..! (ان اول ما يميز هذه الدراسة هو ان الكاتبة بثينة شعبان لا تقارب الرواية النسائية العربية خجلي او معتذره كما درجت الكثيرات من بنات جنسها على القيام بهذا ولا تأخذ بالمعايير التقليدية التي اصرت دون بحث او تمحيص ان المرأة تتعلم فنون الادب من الرجل وان النادرات منهن قد يصلن الى المنزلة التي وصل اليها الرجل بل تقرأ انتاج النساء العربيات وتكتشف ان المكانة الدونية التي نسبت اليهن في الادب ناتجة عن جهل او تمييز النقاد او تمييز لا شعوري والذي هو في النهاية اسوأ انواع التمييز واكثرها استعصاء على التغيير . اما الدكتور " محيي الدين صبحي " فقد انصف المؤلفة حينما عبر عن اهمية الكتاب قائلاً : " ان هذا الكتاب ليس موسوعة عن الرواية النسوية العربية فقط وانما تاريخ للوعي النسائي العربي بالفن والمجتمع لهذا تحس وانت تقرؤه بتفتح الوعي واتساعه وتطور الفن وتعقده وتحس بالرواية العربية تنمو وتتفتح على كل المستويات " . المهم ان الدكتورة بثينة شعبان تطرح في متن الكتاب آراء وتصورات جديدة وجريئة تصحح من خلالها الكثير من المفاهيم والافكار المسبقة والمغلوطة التي الصقت بكتابات المرأة مثل عدم ارتقاء ادب المرأة الى مستوى الهم العام وهي تعارض بشدة تلكم المقولة المجحفة بحق المرأة المبدعة وترى بان السبب في كل هذه التهم لكتابات النساء هو ان رؤية المرأة للمشاكل الاجتماعية والسياسية وحلولها المقترحة كانت تختلف في الكثير من المواقع والاوجه عن رؤية الرجل وحلوله المقترحة وبما ان الرجال يشكلون التيار العام في الادب والسياسة فقد تم تجاهل نظرة النساء ومواقفهن كما تحاول ( بثينة شعبان ) ان تؤسس تعريفاً جديداً لمفهوم ادب الحرب في روايات (الحرب ) التي تكتبها النساء فهي ترى ان المرأة كتبت عن الحرب لا كتفاصيل عن المعارك والقتل والدماء ولكن كتبت عن الاثار الاجتماعية والنفسية للحرب ووصفت تأثير الحرب والدمار على النفس الانسانية والعلاقات الاسرية والروابط الاجتماعية والدينية والانتماءات السياسية وبهذا فقد وسعت كتابات المرأة مفهوم ادب الحرب وعمقته وجعلته اكثر ارتباطاً بحياة النساء . والكتاب لا يكتفي بتغير فكرتنا وتصورنا عن تاريخ الرواية العربية ومساهمات المرأة المهمة في مضمارها بل تحاول المؤلفة اجراء ( مسح للتهميش ) الذي اصاب شعر وادب المرأة منذ الجاهلية وفجر الاسلام لتكتشف ان نسبة كبيرة من شعر المرأة لم يسجل وما تم تسجيله كان عبارة عن شعر بسيط ويعالج اغراض معينة ( كالرثاء والحب العذري ) بينما ترى بثينة شعبان ان اهتمامات المرأة كانت اشمل واعمق مما تم ادعاؤه من قبل من كانوا قائمين على اختيار نماذج شعرية نسائية وإدراجها في الموسوعات الادبية وكأنها الانتاج الوحيد ) وتجد المؤلفة وهي تبحث وتمحص بعناية في المصادر التي راجعتها ان اغلبية الشعر الذي كتبته النساء ضاع وقد يكون من المعتذر على أي باحث انقاذه ولذلك سعت المؤلفة لوضع هذه الدراسة الشاملة والمهمة التي تتناول الانتاج الروائي النسائي العربي في جميع الاقطار العربية . في محاولة منها كما يقول وحيد تاجا في دراسته المذكوره سلفاً لانقاذ مصير المرأة في الرواية العربية حتى لا يكون مشابهاً لمصيرها في الشعر العربي .
|
ثقافة
استبقية المرأة في ريادة الرواية العربية
أخبار متعلقة