من أثينا الى عدن 195
في الحلقة الماضية من هذه السلسلة رقم (194) المنشورة في عدد يوم الخميس من صحيفة (14 أكتوبر) الغراء استعرضت مواقف موجزة من حوارات أبطال مسرحية (ست البيت) التي قدمتها الهيئة العربية للتمثيل في يوليو/ أغسطس عام 1964م . على مسرح شركة مصافي عدن، ثم مسرح مدرسة الحكومة في خليج عدن، وتعرفنا على حياة بعض أبطالها من خلال نبذ حوارهم، والحوار المسرحي هو الذي تتبني عليه شخصية الممثل ويقدمها للمشاهد خطوة بعد أخرى كلما تطور الحوار وتقدمت أحداث المسرحية .. وكلما كان الحوار المدار على لسان البطل معبراً عن حالته النفسية وأفكاره وإنفعالاته وميوله ورغباته تجلت شخصيته للمشاهد، وكلما كان الممثل قادراً على أداء حواره بطريقة تتوافق مع عباراته ونابعة من إحساسه لمعانيها كان أبلغ في ايصال تلك الأحاسيس النابعة من شجوه وشجونه ومن أساه وفرحه ومن غضبه إلى أحاسيس المتلقي عنه..استعرضت للقارئ في الحلقة السابقة أغوار شخصيتين رئيسيتين من أبطال (ست البيت) هما (محمود وابن خالته سعيد)، وقد افترقا بعد حوار وحديث صريح من (سعيد) يشكو فيه تذمره من الحياة وشعوره بالضياع، وعدم الإستقرار سواء كان في البيت، أو سائراً في الطريق، أو في العمل أو في المبرز، ورغم إحساس (محمود) بمأساة (سعيد) وتذمره من الحياة التي يعيشها كأنها عقاب نازل لتعذيبه فإن لم يجد غير أن يقول له : « أنت في حاجة إلى طبيب نفسي» مما أغضب سعيداً، ولم يكن في مقدور محمود أن يواسيه ولو صب في أذنيه كل عبارات وألفاظ المواساة وتهدئة الخاطر لما أجداه ذلك شيئاً فقد صعب على سعيد أن يستجيب لنصائح كل من في الدار من أهله : أمه وخالته وعمته ومحمود وحتى سعاد التي إذا شاركت محمد وسعيد الحديث أو أبدت رأياً استخف بها وبهم مع صواب رأيهم. وهكذا تأكد لمحمود ظنه في ابن خالته أنه إنسان معقد لا ينتصح، يتلذذ بالمعانات التي يقاسيها وهي من صنعه وجريرته على نفسه، وأنه يستمتع بالشكوى من ظروف حياته..نحن الآن مع (فطوم) أم سعيد وأختها (مريم) أم سعاد، ومما نسمع من حوارهما نعرف رغبة (فطوم) والحاحها في تزويج ابنها (سعيد) على إبنة خالته (سعاد)، و (مريم) غير مقتنعة بسعيد زوجاً يسعد ابنتها لأنها قد عايشته ورأت من تصرفاته، وغيابه عن الدار إلى منتصف الليالي..وفطوم تغتنم كل فرصة لمحادثة أختها مريم حول زواج سعيد بسعاد وأن زواجه بهل سيضمن له الراحة والاستقرار بدلاً من حياة العزوبية الشاردة التي لا تستكين في البيت وأن استقرت شكت وتذمرت، وسعاد با تسعد ولن تجد لها زوجاً أفضل من ابن خالتها، وقد بدأت فطوم تشعر بقرب تحقيق هدفها.. وأما سعاد فهمها الوحيد كما تقول لأخيها محمود أن تعود إلى مدرستها لتواصل دراستها في كلية البنات وقد حرمت منها لأكثر من عامين، وهي تخشى أن تستجيب أمها لطلب خالتها.. ولا يجد محمود ما يقوله لسعاد سوى:( ما دامت تلك رغبتك فتمسكي بقول (لا) لكل ما لا ترتضينه لنفسك)..ومن مشهد آخر يدور بين محمود وعمته أم الخير وسعاد حول السعادة الزوجية وأنها نصف دين الرجل، ودين المرأة كله لما يحقق لها من سعادة وراحة نفس وضمان رعاية، نسمع (أم الخير) تحدث (محمود) مؤكدة له أن سعادته وسعادة أمه وكل من في الدار تكمن في قرار يتخذه بتحويل عمله إلى المقر الرئيسي لإدارة الزراعة بعدن، وأن يختار له زوجة من أسرة يرضاها ومحمود يرى أن الزواج يجب أن يأتي بعد أن يضمن الواحد لنفسه الاستقرار المعيشي لتحقيق الذات مالياً وعملياً، فالزواج اليوم أصبح عملية غير مضمونة..وهنا تقاطعه عمته باستغراب: ضمان؟! أيش من ضمان تشتي يا محمود؟ وعادك تقول الزواج عندنا غير مضمون النتائج .. في أي من بلاد الرحمن سمعت عن زواج مضمون النتائج .. بس يا ابني بس .. تذكرني بكلام أبوك الله يرحمه، قد كانت أفكار أبوك هي السبب .. (وتصمت كأنها باحت بسر أو قول لا تريد قوله)..سعاد: لو كنت تزوجت يا عمه كان لنا اليوم أني ومحمود عيال عم، نلعب معاً ونحن صغار، ونذاكر الدروس لما نكبر ونروح المدرسة، ونجلس..محمود مقاطعاً أخته غير راض عما قالت لعمته : ونجلس نزعجكم بكلامنا الكثير ونذكركم اللي كان واللي ما كان..سعاد (بالحاح) : مش يا عمه أجولك خطاب وانتِ ما رضيتيش؟( أم الخير) : عمتكم يا عيالي كم مين خطبها وكم .. لكن الله بسامح أخي .. كان أبوكم زيكم كذا .. دا ما يعجبوش، ودا ما يصلح لي، وداك سفري ما يستقرش .. وداك با يهرب معه من عدن لبلاد واق الواق .. ودا طمعان في شراكة أخي، والوريثة، وأصبحت اليوم أني الوحيدة، ولا من يشاركني حياتي ويخفف من وحدتي..محمود وسعاد (بصوت واحد) : لو جالك اليوم خطيب با تقبليه؟!أم الخير : تشتوا نصيحتي يا محمود، وأنتِ يا سعاد، تزوجوا قبل ما تدور الأيام، وتصير سنين، كلها وحدة وشقاء وتعاسة .. وإلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..