مع الاحداث
ثمة إحساس عند البعض في الغرب بأن على العالم الغربي أن يجري حوارا مستنيرا مع المسلمين لتجنب نبوءة صموئيل هانتنغتون المتعلقة بحتمية صدام الحضارات. وكما يردد الأستاذ جمال الطاهات دائما أن هناك حاجة إلى حوار تنويري إذ “من حق الغرب أن يكون مفهوما لدينا ومن حقنا أن نكون مفهومين لدى الغرب”. وكتب الباحث الأميركي المعروف غراهام فولر مقالة بعنوان “العالم من دون إسلام”، ويتساءل فيما إذا كان هذا العالم سيكون أكثر أمنا وخاليا من الصراعات والحروب.ويدحض فولر في مقالته نظرية هانتنغتون ويجيب على هذا السؤال الافتراضي بأن العالم لم يكن ليختلف كثيرا لأنّ الصراع هو سمة النظام الدولي منذ قدم التاريخ، أي قبل ظهور الإسلام.استطلاع غالوب الذي اجري لصالح المنتدى الاقتصادي الدولي (دافوس) يكشف عن الكثير من الانطباعات السائدة في المجتمعات المسلمة والمجتمعات الغربية وكيف ينظر كل طرف للآخر. إذ تعتقد أكثرية في الدول ذات الأكثرية المسلمة بأن الغرب لا يحترم المسلمين (80 % في مصر، 68 % في تركيا، 67% في السعودية، 62 % في إيران). وهذا الشعور ليس مقصورا على دولة معينة إذ أن هذه الأرقام تعكس مواقف مجتمعات عربية ومسلمة تختلف في بناها السياسية والاقتصادية وفي علاقتها الجيوستراتيجية مع بعضها البعض ومع الغرب عموما. ويتفق الغربيون مع هذه القراءة. فمثلا تعتقد نسبة 30 % فقط من الدنماركيين بأن الغرب يحترم المسلمين، بينما الأكثرية العظمى في الدول الغربية تعتقد أن الغرب لا يحترم المسلمين. والمثير أنه في الوقت الذي تعتقد فيه أكثرية الدول المسلمة (باستثناء تركيا) أن المسلمين يحترمون الغرب فإن الغربيين لا يصدقون ذلك (54 % في السويد، 82% في الولايات المتحدة، 63 % في إسبانيا، 69% في الدنمارك). يبدو أن سبب عدم التصديق هذا هو الخلط الموجود لدى هذه الدول بين معاداة المسلمين لسياسات الغرب (وتحديدا الولايات المتحدة) وبين موقف هذه الدول من القيم الغربية. وهنا لابد من الإشارة إلى أن الدراسات العلمية الدولية الرصينة (مثلاً؛ شبلي تلحمي في كتاب المخاطر الذي نشر عام 2001) تبين أن انتشار المشاعر المعادية للولايات المتحدة، على سبيل المثال، هي بسبب سياساتها وليس بسبب قيمها.كما تكشف أرقام استطلاع غالوب حقائق كثيرة، لكن هنا أشير إلى الاختلاف في المواقف الغربية نفسها تجاه المسلمين. فمثلا يؤثر الصراع بين الولايات المتحدة والكثير من العالم الإسلامي على مواقف الأميركيين. فتعتقد أكثرية الأميركيين أن الصراع ليس بسبب سياسات الولايات المتحدة فحسب بل بسبب أن الولايات المتحدة غير مفهومة في هذه المجتمعات. وبالتالي تعتقد أكثرية الأميركيين أن التفاعل مع المسلمين إنما يوفر فرصة لتوضيح مواقف الولايات المتحدة.على الطرف الآخر هناك المجتمعات الأوروبية التي ترى في التفاعل والحوار نوعا من التهديد (وفي إيطاليا 67 %، وفي هولندا 67%، وفي اسبانيا 68 %، وفي السويد 65 %) لوجود أقليات مسلمة. فعلاقة الأوروبيين بالمسلمين لها دينامكية منفصلة إذ تعتبر القضية في المجتمعات الأوروبية مسألة داخلية. وتنظر هذه المجتمعات إلى المسلمين الذين يشكلون جاليات بأعداد غير قليلة نظرة تشكيك وعامل تهديد على الهوية الوطنية لهذه الدول.العمليات الإرهابية في مدريد ولندن عززت من هذه المشاعر لدى الأوربيين. وضع المسلمين الموجودين في الولايات المتحدة هو أفضل حالا من وضع نظرائهم مسلمي أوروبا بسبب السياق الأميركي العريض المستند على التعددية الثقافية، ولأنهم مندمجون أكثر بسبب مستوياتهم التعليمية والاقتصادية المرتفعة نسبيا.باختصار، حتى تنجح الحوارات المختلفة بين الغرب والمسلمين، هناك حاجة إلى أن تبرهن الدول الغربية عموما أن لديها رغبة جدية وقدرة للمساهمة في حل صراعات المنطقة التي ساهمت بشكل غير قليل في خلقها بالدرجة الأولى. وهذا يجب ألا يكون متطلبا سابقا للحوار إذ أن استمرار الحوار هو في غاية الأهمية لعله يخلق إحساسا في الغرب بما يمكن أن يقوم به لتحسين صورته في المنطقة. [c1]عن / جريدة “الغد” الأردنية[/c]