سلال السيد محمد * إنني من المؤمنين بالعلاقة الوثيقة بين التربية والتاريخ ، وأن القضية العامة في اليمن خاصة ، وفي سائر البلاد العربية عامة ، لن تحل الا بالتربية الصحيحة ، ولاسيما التربية بالتاريخ ، لان التاريخ الصحيح المشترك ذخيرة امجاد وذكريات وهفوات وعظات قومية مشتركة ، وسجل بطولات وانتصارات ومحن عامة ، وتخليد لمعارك دارت في رحابنا ، ولشهداء هم قومنا واترابنا ، وموسوعة ناطقة بحياة وحضارة زاهرة .* فلندرس اذن التاريخ العربي من جميع نواحيه ، بتفصيل وتدقيق ، سواء في ذلك ماكان منه مضيئاً مشرقاً يشرف اصحابه ، أم ما كان مظلما يستثير الاسى والالم ، لان كليهما حدث ، فانتج خيراً او انتج شراً ، فلنبحث اذن هذا او ذاك بالروح العلمية ، فنقرن النتائج بالاسباب ليكون ان من تاريخنا ذخيرة نافعة من جهة ، وفائدة علمية من جهة اخرى . * وهذا ماتستوجبه نهضتنا الحديثة التي نريدها عامة شاملة في جميع الميادين ، فالوعي بالتاريخ خير معين على معرفة الذات وأخذ العبرات والدروس ، والاستفادة في رسم تطلعات وآمال مستقبل اجيالنا في حياتنا العامة على اسس وطنية سليمة بعيدة عن مرالق العصبيات الضيقة وروح الانانية والمحسوبيات المضرة . * وقد كتب شارلس رولين يقول : ( التاريخ عندما يعلم تعليماً حسناً يكون مدرسة اخلاقية لجميع الناس ، فهو ينفر من الرذيلة ، ويكشف القناع عن الفضائل المزورة ، ويبدى الاخطاء والتحامل ، والتغرض وزيف المظاهر التي يلبسها الناس ) . * ولم يغفل مؤرخو العرب اهمية التاريخ في التوجيه الصحيح ، وماله من اثر في الفرد والمجتمع ، فابن خلدون يقول وهو يتحدث عن التاريخ ( انه شريف الغاية اذ هو يوقفنا على احوال الماضي من الامم في اخلاقهم ، والانبياء في سيرهم ، والملوك في دولهم وسياستهم ، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يروقة في احوال الدين والدنيا ) . * وقد اشار إلى اهمية التربية بالتاريخ معظم كبار مؤرخي العرب كابن الاثير ، وابن جرير الطبري ، والمسعودي والمخاوي وغيرهم مما نلمحه في ثنايا بحوثهم . * ان التاريخ من حيث هو مادة ، يشحن ذاكرة الفرد ، ويعطية عبرة من الماضي فيستفيد من المفاخر والامجاد ، ويستخرج العبر والعظات والدروس من المآخذ والزلات ، اما من حيث هو اسلوب ، فهو كفيل بأن ينتمي في الإنسان صفات خلقية رفيق كالتجرد ، والبعد عن الهوى ، وعدم التعصب لفكرة ما ، والأمانة في النقل ، والصبر ، والتواضع، والدقة ، والتحرز في اطلاق الاحكام ، كل ذلك ينميه التاريخ بنسب مختلفة . * وبالمقابل ، نجد اثر التاريخ - ايضاً - في حياة المجتمع، ان المجتمع مكون من افراد ، فصلاح الافراد هو صلاح المجتمع ، وكل توجب للفرد انما هو توجيه صحيح للحياة العامة ، فاذا استطعنا أن نجعل من التاريخ فهذباً لاتجاهات الفرد ، ووازعا ، وصاقلا لطباعه ، فإننا بذلك نكون قد اخذنا من التاريخ مايفيد في الحياة العامة وفي المجتمع . * ولذلك عندما يريد علماء الاجتماع ان يحدد وامعنى الأمة ، وان يدلوا على العناصر التي يمكن معها ان يطلق على فريق من الناس اسم الامة ، نراهم الآلام والآمال.* ولن يوحد آمال الامة ، ويوضح اهدافها ، ويجلو امانيها كالتاريخ معمل التاريخ اذن هو تعيين واقع الامة وتحديد اطارها ، وابراز شخصيتها ، ومن هنا نرى ما للتاريخ من اثر في حياتنا الوطنية وتعاملنا القومي ، ان التاريخ يجمع الامة كيانا واحداً متطاولا في الماضي ، ثابتا في الحاضر ، متوثباً نحو المستقبل . * وختاماً ، نقول إن التاريخ تربية وعلم ورسالة ، وهو سيف ذوحدين ، قد يغدو شراً على الامة اذا لم يحسن استعماله ، وما ندعوا اليه هو الا ننحرف في التاريخ عن الطريق السري فينقلب التاريخ من هاد إلى مضلل ، ومن مقرب إلى مبعد ، والله يوفقنا إلى ما فيه خير البلاد والعباد.
ما احوجنا إلى التربية بالتاريخ
أخبار متعلقة