د.زينب حزام :تعمقت بدارسة التراث اليمني، وتابعت المدارس الأدبية الحديثة، كما اطلعت على الأدب الأجنبي وبالذات الآداب الروسي والانجليزي والفرنسي وكان اهتمامي بالروسية أوسع بحكم دراستي الأكاديمية في موسكو مما أغنى معرفتي بالأدب والفنون والثقافة والتراث الروسي.هذا وقد أدت هذه المعرفة إلى توسع دائرة ثقافتي بالأدب العالمي.لقد قرأت كثيراً الشعر العربي وبالذات الشعر الكلاسيكي مثل شعر احمد شوقي وتأثرت كثيراً بلغته وشعره الجميل وانا أريد الإشارة هنا إلى بعض شعراء اليوم الذين عرفوا بالثقافة السريعة وهي (ثقافة السندوتش) الذين يهتمون بالكتابة السريعة والمكثفة كماً لاكيفاً اشعر بالقلق على الأدب اليمني وبالذات أدب الشباب الذي أصبح يسعى إلى سرعة النشر المكثف على حساب النوعية والقيمة الأدبية للمضمونإنني أقوم بشراء معظم الصحف المحلية لقراءة الصفحات الثقافية فيها لدراسة أدب الشباب واجد أن هناك بعض الأقلام الشابة مجبرة على كتابة أكثر من عشر مقالات بين لقاء وموضوع نقد وقصة قصيرة وشعر ومقالة في الشهر الواحد، وذلك للحصول على راتب شهري من اجل لقمة العيش، وهذا العمل يفرض الكمية على النوعية للعمل الجيد.أن نشر قصيدة رائعة أو قصة جيدة تتطلب جهداً ذهنياً وعملياً حتى يقدم المبدع العمل القيم والناجح حتى المبدع اميناً على جودة نتاجه فكثرة التعثر والإعادة وتؤثر على الخلق والإبداع.لقد التبست الحداثة على بعض الكتاب الشباب.. حتى أن مفهومها الخاطئ استهدف القضاء على التراث اليمني الأصيل.إننا نعجب بعض الأحيان بالثقافة العالمية وهذا شيء رائع من اجل الحصول على معلومات أكثر تساعد على التطور التكنولوجي العالمي ولكن هذا لا يجب أن يكون على حساب التراث اليمني الأصيل، وعلينا أن ننهل من الأدب والفكر والثقافة من ينابيعها التراثية من اجل أن نستطيع أن نفهم الحركات المعاصرة وكل مايسئ إلى ثراتنا الأصيل ولا جديد إلا على أساس قديم ونحن في عصرنا هذا لا نرغب بالمبدع مقلداً أو ممسوخ الشخصية.مانريده هو فاعلية الحديث المتصل بالتراث من جذوره.إن الاهتمام بالطباعة ونشر نتاجات الكتاب يساعد على التذوق الجمالي لقراءة القصيدة أو القصة أو المقالة ويساعد على الراحة النفسية للقارئ عندما يجد المادة قد طبعت على الورق الأنيق وصفت على سطور مرتبة وأنيقة وكأن كل جملة عبارة عن زهرة قطفت من بستان الكاتب وطباعة الكتاب الأنيق يعني بحالة القارئ النفسية ويساعد على اكتمال الحلم، ويصبح القارئ قادراً على فهم النص ومعرفة فكرة الكاتب.*يجب أن نؤمن لهذا الجيل من الكتاب الشباب والقراء كتاباً عربياً جميلاً يتذوقه القراء ويرفع المستوى الجمالي لديهمإن مهمة طباعة الكتاب ونشره، عسيرة دون شك حتى مهنة التأليف هي الأخرى أصبحت صعبة ولكنها ليست مستحيلة هذا نتيجة التطور التكنولوجي وسرعة انتشار الخبر عبر القنوات الفضائية، ولكننا نستطيع دعم الكتاب وبالذات الشباب الذين أصبح البعض منهم يسعى إلى الكتابة السطحية بالسرد والوصف والبلاغات المستهلكة بالسياق النصي والموسيقى الرتيبة بالإيقاع الداخلي وهذا نجده عند شعراء القصيدة النثرية.إننا ندعو الكتاب الشباب ومنهم الشعراء إلى العودة للقراءة وتذوق كتابة من سبقهم في هذا المجال.. وانا شخصياً أتذوق كثيراً شعر عبدالعزيز المقالح ومحمد الشرفي وهناك قصيدة تعجبني كثيراً من قصائده المنشورة « قصيدة ابتهال» بين يديها» حيث يقول فيها:سيدتي انتحبيبة قلبي انتوهذا الشوق الجارف يشفع ليوالقلب المفتوح على مصراعيهلمقدمك الميمونوللحب وللغزل وفمي الظامي يغفوفي جوع القبل النشوىأو يصحو في ظمأ القبلوأنا في محرابك كالناسكابحث عن مغفرة منكوغفران الزللوأنا الواقف في بابك طول العمر وقوف المبتهلاستجدي عاطفة منكوهكذا نرى في قصائد محمد الشرفي ثقافات جديدة محملة على أجنحة قصيدة مملوءة تقنيات حديثة ومفاهيم جديدة رغم المعاناة التي مرّ بها الجميع من الناحية العاطفية والاجتماعية.وكقارئة وصحفية أجد نفسي لست من هواة جلد الذات بقدر ما أسعى إلى إنقاذها وجمع شتاتها.. لذا فإنني أدعو إلى دعم المبدعين الشباب ورعايتهم والاهتمام بطباعة ونشر الكتاب، إننا بحاجة إلى دماء جديدة تنزل بأقلامها إلى ميدان الواقع من اجل إعادة صياغة وتشكيل ثقافة جديدة مستمدة من تراثنا وأصالة أخلاقنا وسماحة معتقداتنا وحسن نياتنا..أقول إن المبدعين الشباب في أمس الحاجة إلى فضاءات شاسعة وامتدادات واسعة وإن ما نجهله اليوم عن الحضارة القديمة وأهمية ربطها بالتطور التكنولوجي الحديث مهم لحضارتنا العربية والإسلامية، والانفتاح على الثقافة العالمية مهم حتى لا ننعزل عن التطور الحضاري الدولي حقاً كما يقال المرء عدو ما يجهل .. خاصة إذا حاول الرجوع إلى جذور الحضارة التي يجهلها يتكشف له الكثير ويصبح قريباً إلى الفهم.. وان الاوربي لم يرجع إلى جذور الحضارة الإسلامية إلا ليتبين له أن المسلمين هم أصحاب حضارة متقدمة وسلام، وهم يدعون إلى الجهاد من اجل تحرير الأراضي المقدسة من العدوان الإسرائيلي ولم يكونوا إرهابين كما استخدم الإعلام الغربي هذا المصطلح على المسلمين خلال السنوات الأخيرة.إننا ندعو الدماء الجديدة من المبدعين الشباب إلى الاستخدام الصحيح للوسائل الإعلامية والثقافية وعدم ربطها بالأفكار المتطرفة والمتشددة التي تحرم الثقافة والفنون والاستفادة من المبادئ الإسلامية والإبحار في معرفة الدين الإسلامي بالمفهوم الصحيح للقرآن الكريم والسنة النبوية وإزالة الحواجز التي تسيء للإسلام والأمة العربية .يقول الشاعر مازن فؤاد توفيق قرأت له (في تفاصيل لجسد ما) وهو من شعرائنا الشباب في قصيدته (تفاصيل لجسد ما).(1)الجسد يحتسى ماتبقى من الرصاصوالذاكرةنظفت القلب من حموضتهوأفرغت الروح من موسيقى الغزاةوللحزن إيقاعه المبتهجالصور المنزوعة الابتساماتتتبادل الطعناتوالضحكات(2)في فضاء الفراشة التي لم تحلق بعديتوقف نبض القصيدة عن الهذيانتتوقف الفتنة عن التحرشإلا من أعضائهاوالوقت كعادته مزحومابالأسئلة النائيةينضج أرقاً وتوجسفبأي الأعضاء اهمس لك!!وعلى الرغم من أن الشاعر من الأدباء الشباب إلا انه استطاع أن يغير عن متاهات النفس البشرية الرحيبة ولهذا استطاع أن يجذب قلمي أكثر وانتباه القراء ايضاً.الثقافة المطلوبةإننا اليوم نمتلك العديد من الأقلام الناجحة سواء من أقلام الكتاب الكبار أو الكتاب الشباب ومنهم من تعرض للنقد السطحي الذي لا يؤثر على مسيرة الكاتب وإن تلك القراءات النقدية السطحية بمعايير أكل عليها الدهر وشرب وكان عليهم أن يضعوا معايير من لغتنا وتراثنا ويعيدوا صهرها في بوتقة العصر ويقولوا مايشاءون. فلكل ناقد الحق في قول مايشاء ولكن عليه أن يفهم الشاعر أو كاتب القصة قبل أن يقدم نقده.كما أسلفنا القول: إن ضرورة الضرورات بالنسبة للطباعة ونشر الكتاب اليمني في هذا العصر الجديد هو النجاح في تشجيع الكتاب والأدباء الكبار والأدباء الشباب في تقديم أعمالهم ونشرها بمستوى يليق بالكتاب اليمني. وهناك نقطة توحي بالأمل بالنسبة لمستقبل دائرة الكتاب اليمني هي قوة ومتانة العلاقة بين المؤلف ودائرة نشر الكتاب ومايتعلق بالبيئة والتراث والثقافة اليمنية، لهذا نجد ذاته يشكل نوعاً من الدعم المعنوي لرعاية الكتاب والأدباء اليمنيين وهذا يؤمن لدائرة الكتاب النمو الازدهار في المستقبل، وقديماً قالوا: « من لا قديم له لا جديد له» ولعل في العودة إلى التراث العودة إلى المنابع والأحوال الأولى للحضارة اليمنية.