مصر: لا بد من ضمان المساواة بين المرأة والرجل في حق الطلاق
قالت منظمة هيومن رايتس ووتش اليوم إن نظام الطلاق في مصر ينطوي على تمييز ضد المرأة، ويهدر حقها في إنهاء حياتها الزوجية؛ جاء هذا في تقرير جديد أصدرته المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان اليوم. فقد أنشأت الحكومة محاكم الأسرة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولكنها - شأنها شأن نظام الخلع الذي بدأ العمل به قبل أربع سنوات - فشلت في القضاء على التمييز الذي ما برحت تكابده المرأة في مصر.وفي تقريرها الذي يقع في 66 صفحة، والصادر تحت عنوان بمعزل عن العدالة: حرمان المرأة من المساواة في حق الطلاق في مصر ، توثق هيومن رايتس ووتش الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان النابعة من قوانين الأسرة المتحيزة ضد المرأة، والتي أفرزت نظاماً للطلاق ينطوي على التمييز وعدم التكافؤ في المعاملة بين الرجل والمرأة.فالرجال في مصر يتمتعون بحق غير مشروط في الطلاق من طرف واحد، وليسوا بحاجة مطلقاً لدخول قاعة المحكمة من أجل إيقاع الطلاق؛ أما النساء فيتعين عليهن اللجوء للمحاكم لتطليقهن من أزواجهن، حيث يواجهن ما لا يعد ولا يحصى من العقبات الاجتماعية، والقانونية، والبيروقراطية. وحينما تسعى المرأة للطلاق من زواجها في مصر، تجد نفسها أمام خيارين: إما التطليق للضرر أو التطليق للخلع؛ وللشروع في إجراءات التطليق للضرر، الذي يحفظ للمرأة كامل حقوقها المالية، يتوجب عليها إثبات الضرر الذي ألحقه بها زوجها أثناء حياتهما الزوجية؛ بل كثيراً ما يتعين عليها حتى الإتيان بشهادة شهود عيان لإثبات وقوع الضرر البدني.ومنذ عام 2000، أصبح ثمة خيار آخر متاح للمرأة المصرية، وهو التطليق للخلع أي طلب الطلاق من زوجها بسبب بغض الحياة معه، بالتنازل عن جميع حقوقها المالية الشرعية، ورد المهر الذي دفعه عند عقد القران؛ وقد تم الأخذ بنظام الخلع بغية التعجيل بإجراءات الطلاق، ولكنه لا يزال يوجب على المرأة اللجوء إلى المحكمة لتطليقها من زوجها.وقالت لاشون جيفرسون، المديرة التنفيذية لقسم المرأة بمنظمة هيومن رايتس ووتش "إن المرأة المصرية التي تسعى للطلاق تجد نفسها بين شرين أحداهما مر؛ فإذا طلبت تطليقها للضرر، تعين عليها مكابدة الحيرة وعدم اليقين سنوات طويلة ريثما يحسم القضاء دعواها؛ وإذا سعت للحصول على طلاق سريع عن طريق الخلع، وجدت نفسها مضطرة للتنازل عن كافة حقوقها المالية".وأياً كان نوع الطلاق الذي تختاره المرأة، فلا يزال المسؤولون من الرجال هم الذين يسيطرون على كل مرحلة من مراحل الإجراءات في الأغلب والأعم؛ إذ لا توجد بمصر سوى قاضية واحدة من بين القضاة الجالسين على منصة القضاء، والأغلبية الساحقة من وكلاء النيابة الذين يقدمون النصح والمشورة في دعاوى الطلاق هم من الرجال. وفي دعاوى الطلاق لا تكاد النساء أنفسهن يتمتعن بأي قدر من سلطة اتخاذ القرار. وعلى النقيض من ذلك، فإن القانون المصري يمنح الرجل العديد من الضمانات التي تحمي حقوقه؛ إذ يتعين على المرأة، على عكس الرجل، الرضوخ لمساعي الصلح الإجبارية؛ وإذا ما تركت المرأة زوجها بدون موافقته، فمبقدوره أن يرفع دعوى عليها بموجب "قوانين الطاعة" المصرية، مما قد يؤدي إلى سقوط حقها في النفقة إذا ما طُلِّقت.وبسبب هذه العقبات الكأداء التي تواجه المرأة في إجراءات الطلاق، تُضطر الكثير من النساء للتنازل عن حقوقهن عسى أن يقنع ذلك أزواجهن بتطليقهن.وكثيراً ما يؤدي هذا النظام المزدوج إلى عواقب وخيمة مالياً وعاطفياً للمرأة؛ بل قد تنطوي هذه العواقب على أخطار بدنية على المرأة في بعض الأحيان. فتقاعس الحكومة المصرية عن ضمان المساواة في حقوق الملكية عند الطلاق، مثلاً، يثني الكثيرات من النساء عن ترك بيت الزوجية الذي يتعرضن فيه للعنف. ومن بين هؤلاء رانيا عمر (اسم مستعار) البالغة من العمر 47 عاماً، التي وصفت لهيومن رايتس ووتش كيف كان زوجها يضربها بوحشية وشراسة قائلةً: "كان يحسن معاملتي أحياناً؛ ولكن عندما يتعطل عن العمل كان يسخط على الحياة، ثم يصب جام غضبه علي. وكنت أتحمل. فإلى أين أذهب، وأنا عندي خمسة أطفال؟".وقالت جيفرسون "إن نظام الطلاق القائم على التمييز في مصر يجبر أعداداً لا حصر لها من النساء على البقاء في إسار حياة زوجية عنيفة؛ وعدم تيسر مخرج سهل للمرأة في حد ذاته يسمح لبعض الأزواج بالتمادي في الإساءة لزوجاتهم دون أن ينالوا أي عقاب". ومنذ عام 2000، بذلت الحكومة بعض المحاولات لمعالجة أوجه اللامساواة بين الرجل والمرأة في إمكانية الحصول على الطلاق؛ ولكن هذه الإصلاحات لم تحدث تغييراً جوهرياً في معادلة الطلاق غير المتكافئة في مصر. فلئن كان العمل بنظام الخلع قد ساعد بعض النساء بوضوح في الحصول على الطلاق بسهولة أكبر، فلا يزال يتعين على المرأة التنازل عن العديد من حقوقها، إذا لجأت لهذا الخيار.وتظهر المقابلات التي أجرتها هيومن رايتس ووتش أنه نظراً لما يستوجبه نظام الخلع من تنازل المرأة عن حقها في أي أصول مملوكة للزوجين وعن حقها في أي إعالة في المستقبل، فإن هذا الخيار مقصور على النساء الموسرات أو من يستمتن في طلب الطلاق. فالسيدة ميّ إبراهيم (اسم مستعار)، البالغة 40 عاماً من العمر، متزوجة من رجل مدمن للخمر يعتدي عليها بالسباب عندما يسكر؛ ووصفت أسباب تفضيلها الخلع قائلة: "لقد طلبت الخلع رغم أنني أستطيع الحصول على كل شيء في الطلاق العادي، لكنه يستغرق وقتاً طويلاً. وأنا أعلم أنني لن أستطيع الحصول على أي شيء في النهاية على أية حال".وفي أكتوبر/تشرين الأول، أنشأت الحكومة المصرية محاكم الأسرة المختصة بالنظر في المنازعات العائلية بهدف تنظيم إجراءات الطلاق بتجميع كل المنازعات في دعوى واحدة تنظرها محكمة واحدة؛ ولئن كانت هذه المحاكم الجديدة تُعدُّ من بعض الأوجه خطوة على الطريق الصحيح، فإنها تطبق نفس القوانين والممارسات القائمة على التمييز التي سادت النظام السابق.وقالت جيفرسون "قد تتمكن محاكم الأسرة من تنظيم إجراءات الطلاق؛ ويجدر بالحكومة المصرية الآن أن تتخذ خطوات أساسية لوضع حد للتمييز الذي ما برحت تكابده النساء اللاتي يسعين للطلاق".