تقرير / ديفيد فيشر:أحيانا تكون العقاقير الوهمية أكثر فعالية من الأدوية الحقيقية، ولكن ما السبب في ذلك؟.. هذا هو ما يبحثه علماء في جامعة توبينجن الألمانية، إنهم يجرون دراسات على فعالية الأدوية الخالية من مادة فعالة، الأدوية الوهمية التي ربما حلت مستقبلا محل العقاقير الحقيقية.لا يحتاج الطبيب الألماني باول انك في معالجة مرضاه إلى حقنة أو مشرط، أهم ما يحتاجه هذا الطبيب الألماني في عمله هو: الخداع.يعد البروفيسور باول انك ، أستاذ الأمراض النفسية والأمراض الناجمة عنها في جامعة توبينجن الألمانية، من رواد المتخصصين في العلاج بالعقاقير الوهمية في ألمانيا. ويجري انك دراسات على عقاقير، لا تعد في الحقيقة عقاقير لأنها تخلو من أي مادة فعالة. عندما يجلس متطوع على المقعد الكهربائي أمام البروفيسور انك، يضع الأخير على لسان المتطوع أقراصا بطعم العرقسوس التي يزعم أنها تساعد ضد الغثيان. ثم يبدأ المقعد الدوار في الدوران ويجتهد المريض في تحريك قرص العرقسوس في فمه ليقاوم الشعور بالرغبة في التقيؤ.أما ما يعرفه هذا المريض الطيب فهو أن الطبيب لم يعطه دواء فعالا بل أعطاه حلوى ذات لون ونكهة ولكنها خالية من أي مادة دوائية فعالة.ومع ذلك، تتحسن حالته بعد أن يدور به المقعد عدة لفات ربما تصيبه بالدوران، وذلك بشكل أفضل من المرضى الذين لم يحصلوا على أقراص العرقسوس.عندما يؤدي اعتقاد المرضى في جدوى العلاج إلى تأثير أفضل على صحتهم فإن الأطباء يسمون ذلك بتأثير العلاج الوهمي “ بلاسيبو”. ليس ما يعطيه الأستاذ انك لمرضاه في الحقيقة سوى معلومات خاطئة ولكن محفزة حيث يوهم، مرضاه بأنهم حصلوا على علاج ما يدفع المخ لإرسال إشارات عبر الجسم، وبدلا من أن يحل الجسم على عقاقير كيميائية يفرز الجسم نفسه مثبطات للألم،خاصة به مثل هورمونات اندورفين أو المسكنات الطبيعية الخاصة بالجسم.وفي هذا الشأن، يقول الأستاذ انك : “ما يحدث في هذه العمليات هو نفس آليات الطب التقليدي، ولكن بدون أضرار جانبية.. وبذلك يمكن معالجة الشعور بالألم وعدم الارتياح العام وأمراض البشرة من خلال صيدلية الجسم الخاصة به”.هذه المعلومة لها أيضا تأثيرات في الطب التقليدي الذي يدرس في الجامعات “حيث أن نجاح العلاج يتوقف على ما ينتظره المريض من هذا العلاج” حسبما أوضح انك، الذي أشار إلى أن العلاج يكون أفضل عندما يعتقد المريض في فعاليته وأن التجارب التي تجرى على العلاج الوهمي أكدت أن العلاقة بين الطبيب ومرضاه تؤثر على شفاء المرضى بشكل قوي ما جعل الثقة بين الطبيب ومريضه أحد عوامل العلاج الناجح.فإذا تلقى المريض، بحسب انك، الرعاية والاهتمام الكافيين من مريضه، فإن تعافي المريض يكون أسرع.تدعم جمعية الباحثين الألمان “ دي اف جي “ هذا المشروع خلال السنوات الثلاث المقبلة بـ 2.6 مليون يورو وتشارك فيه، إلى جانب جامعة توبينجن، كل من جامعة دوسلدورف وايسن و هامبورج ومانهايم ماربورج.وتجرى أبحاث دؤوبة على العلاج الوهمي منذ نحو عشر سنوات ولكن الجديد في هذا المشروع هو التحليل المتخصص لآليات العلاج العصبي والحيوي والنفسي.وسيشارك في التجارب أكثر من ألفي متطوع من المرضى حسبما قالت هلجا فايرتس شفيدا من جمعية الباحثين الألمان التي أكدت أن دراسة الآليات الوهمية عملية بالغة الأهمية بالنسبة لعلم النفس.ويعتزم باحثو جامعة توبينجن، تحت إشراف باول انك، دراسة العلاقة بين تركيب أنواع الشخصيات المختلفة وتأثير العلاج الوهمي، وما إذا كان التحدث مع الناس عن العلاج الوهمي يثير مخاوفهم، أم أن هناك استعداداً فطرياً للتأثر بهذا العلاج؟ هذا هو ما يسعى الباحثون إلى معرفته من خلال تحليلات الدم وقياس مدى شعور المتطوعين بالضغوط النفسية وتوجيه أسئلة نفسية لهم.يرى انك أنه من الممكن خفض جرعات الأدوية التي يتلقاها المرضى مستقبلا بسبب تشابه تأثير العقاقير الوهمية مع تأثير المستحضرات الكيميائية، ولكن الأستاذ الألماني انك نفسه يعرف حدود العلم الذي يمتلكه، وفي ذلك يقول: “الأقراص الوهمية ليست وسيلة علاجية، من الخطأ الاعتقاد بأنها يمكن أن تحل محل العلاج الطبي”.
العقاقير الوهمية..أحد العلاجات الناجحة
أخبار متعلقة