القاص والباحث المتخصص في أدب الأطفال عبدالرحمن عبدالخالق:
أجرى اللقاء / عبدالله الضراسي الأديب القاص عبدالرحمن عبدالخالق عندما امتدت آثاره الأدبية لتطال دروب أدب الطفل اليمني لم يكن كما يقال في لغة السينما (كمالة عدد مهني لخانات القصة الموجهة للطفل وكفى)!!! لان ثمة ابعاداً وهدافاً ورؤى فكرية تستبق مساحات الكتابة وهي علائم ( التخصص) في الكتابة للطفل على الرغم من صعوبة ارتياد مثل هذا الحقل الأدبي المقل .. لهذا نحاوره حول ماهي الدروب الأدبية المكرسة للطفل وفضاءاتها ومعوقاتها وانعكاساتها يمنياً. فأديبنا مثلما كان مبدعاً وصادقاً في (حالته السردية) مع الطفل كان مبدعاً وصادقاً وعميقاً في أطروحاته النظرية مع الكتابة لأدب الطفل..[c1]كتابة أدب الطفل [/c]- بداية كيف نقرأ الكتابة لأدب الطفل من وجهة نظركم؟ - يمكن القول : إن أدب الطفل هو أدب ينتجه الأدباء الكبار للطفل بصدد مراحل نموهم المختلفة وفق فلسفة ما تحمل عادة منظور الكبار في تنشئة الأطفال ، ومهما تعددت المعاني والمفاهيم والتعريفات يبقى قطب الرحى هو الاهتمام بالمراحل العمرية للطفل بما تحمله من خصائص نفسية وعقلية وانفعالية ولغوية.. وعلى هذا الأساس ليس كل عمل أدبي مقدم للكبار يصبح بمجرد تبسيطه ادباً للأطفال ، إذ لابد لأدب الأطفال من أن يتوافق مع قدرات الأطفال ومراحل نموهم العقلي والاجتماعي ولابد من أن ( ينسكب) مضمونه بأسلوب خاص.. إن عملية الكتابة للأطفال (تقتضي) جملة من الاشتراطات الواجب توافرها عند من يخوض غمارها ومن يسلك دروبها غير السهلة منها أهمية معرفتهم ( بعلم نفس النمو) بغية تمكينهم من معرفة خصائص كل مرحلة عمرية واهتمامات ومتطلبات الأطفال وليس اهتماماتهم ومتطلباتهم كمنتجين للأدب ، أي انه في هذه الحالة على الأديب (حسب رؤية الهيتي) نسيان عالمه ، عالم الكبار إلى حد ما وهو مالم يدركه ويفهمه الكثيرون المشتغلون بمجال الكتابة لأدب الطفل ، ولا يخرج هذا الحديث ولا يشذ عن تعريف أدب الطفل بل يأتي في سياقه تماماً ويمتلك أهميته من كون بعض الباحثين والدارسين يعامدونه معياراً لتحديد بدايات أدب الطفل عالمياً وعربياً ويمنياً وتقييم ما يكتب تحت هذا المسمى خاصة وان هناك من تعامل ويتعامل مع هذا المجال من منظور تبسيطي فلم ير في الطفل سوى (رجل صغير) يمكننا أن نقدم له نفس ( غذاء الكبار) بعد أن نكون قد (خلصناه ) من الفلفل أو الشطة أو ( البسباس) بلهجة بلادنا وهو ما يتصادم مع ( ماهية أدب الطفل) كأدب قائم بدأته فنجد كلمات وصياغات وتراكيب لغوية لا تتناسب والرصيد اللغوي للأطفال ولا مع قدراتهم العقلية أو نجد إثارة لموضوعات وقضايا لا تتفق وقدراتهم الذهنية إلى غير ذلك من الأساليب غير التربوية المعتمدة على النصائح والمواعظ والتلقين في تقديم القيم من زاوية اعتقاد بعض الأدباء بان الطفل العربي صفحة بيضاء يجب أن تملأ بالمعارف وهو موقف المدرسة ذاته من الطفل حيث ترى واجبها مقصوراً على تنمية معارف الطفل على اعتقاد أن ( المعارف) لبوس المتعلم ووسيلته في الحياة. إن الاخد بهذا التعريف الدقيق الذي يؤكد وجود أدب خاص بالطفل قائم بذاته له أسسه وكذا قوانينه وفلسفته قد وجد انعكاسه عند البعض بدايات ظهور أدب الأطفال (رأت) انه جديد على الأداب العالمية كلها كونه لم يعن به احد وفق الصيغ الحاضرة إلا في العصر الحديث بعد أن زاد الاهتمام به في العقود الأخيرة زيادة واسعة مع تنامي (الطفولة) وظهور علم جديد وهو علم نفس الطفل إضافة إلى ظهور نظريات التربية الحديثة بينما رأى آخرون ( أن أدب الطفل قديم قدم الأمومة والطفولة ، فحيثما توجد أمومة وطفولة يوجد بالضرورة أدب الأطفال بقصصه وحكاياته وترانيمه وأغنياته وأساطيره وفكاهاته لا يخرج عن هذا القانون الطبيعي ولا يشد عنه جنس. [c1]تجربة أدب ألأطفال في بلادنا [/c]- وماذا عن تجربة أدب الأطفال في اليمن؟ - في ما يتعلق بتجربة بلادنا مع أدب الطفل هي تجربة ( قصيرة ) وعدم بروز معالم واضحة له بسبب عدم الاهتمام بهذا المجال وفتحه لضربات الحظ ! ومع هذا فثمة ( أطروحات) ترجع أدب الأطفال عندنا إلى بدء ظهور المسرح المدرسي في منتصف الثلاثينات والذي وصل قمة تطوره واستمراريته كمرحلة أولى في عدن خلال الفترة بين منتصف الأربعينيات الخمسينيات ويتعامل معه كمسرح للطفل ومن يعود إلى ما قدم من أعمال مسرحية في المسرح المدرسي في تلك السنوات سيجدها في الغالب اعمالاً كلاسيكية وتاريخية بعيدة في لغتها ومواضيعها عن إدراك واهتمامات الطفل ولا يربطها به سوى قيامه بادوار التمثيل فيها مثال على ذلك ( غزوة اليرموك) و( فتح القادسية) و( مصرع كيلوبترا) و( حلاق بغداد ) و( طارق بن زياد) و( صقر قريش) أو فكاهية ساذجة مثل ( قصص جحا) وأما فيما يخص ( الاراجوز) وظهوره في مدينة عدن عام 1942م كشكل شعبي على يد رجل اسمه ( شمسان) وكان لقبه ( حمبص) والذي برع في تقليد الأصوات وتحريك الدمى وزميله ( علي حسين) والملقب ( طز البيسة) وهو ما كان يقدم عادة في الأعياد وزيارات الأولياء لا يمكن هو الأخر احتسابه على ثقافة الأطفال لسذاجة الأفكار المعروضة واتسامة بالارتجالية وأستقصاده التكسب بدرجة رئيسية.وبعد ما قدمه الإعلامي المعروف الراحل علوي السقاف من خلال برنامجه الأسبوعي (دنيا الأطفال) في الخمسينات وكتابات الأستاذ أحمد شريف الرفاعي الذي قدم في الفترة نفسها العديد من النصوص الشعرية للإذاعة في عدن مثل (طاعة أم أو تفاحة) و (الكتكوتة العكروته أو لؤلؤة وبتي) والشاعر لطفي جعفر أمان الذي قدم ـ هو الآخر ـ مجموعة من أغاني الأطفال لإذاعة عدن، إلى جانب إعداده لثلاثة أجزاء من المحفوظات الابتدائية (المحفوظات الشعرية).وشكلت (أسماء) من الراحلين الكاتب القاص أحمد الشريف الرفاعي والشاعر لطفي جعفر أمان والإعلامي المخضرم علوي السقاف والفنان حسن فقيه والناقد والباحث المعروف في أدب الطفل الأستاذ أديب قاسم جيلاً إبداعياً في مجال أدب وثقافة الأطفال عموماً حيث أمتد نشاطهم من عام 1956 حتى عام 1966م وواصل الأستاذ أديب قاسم المشوار باقتدار كبير في هذا الميدان سواء من خلال كتابة النص الشعري أو القصصي أو المسرحي أو من خلال نشاطه في صحافة الأطفال في مجلة (نشوان) ولاحقاً في صفحة مخصصة للأطفال في صحيفة (التصحيح) مطلع التسعينيات ولم تدم طويلاً والى جانب نشاطه في كتابة الأبحاث والدراسات في مجال ثقافة الأطفال، ولا غرو أن قلنا أن الأستاذ أديب قاسم الذي قدمت له إذاعة عدن عام 1966 أغنية (قفز الحبل) وسجل له تلفزيون عدن عام 1967م كأول عمل غنائي تلفزيوني للأطفال (الدرهانة) بالإضافة إلى نشره لأول مقال يختص بموضوع أدب الأطفال بعنوان (أدب الأطفال ـ أغاني الأطفال الشعبية) في نشرة أخبار المصافي نوفمبر 1967م وإصداره لمجموعتين قصصيتين للأطفال بعنوان (أقاصيص أسطورية من القرن العشرين) (العجوز الذي قال وداعاً) و (أرجعي يا سلمى) وقصة مصورة (الثعلب المكار) وعدداً من النصوص المبثوثة في الصحف والمجلات ونصوص لم تنشر بعدـ ولا غرو ـ إن قلنا أنه يعد أبرز الرواد وأنضج الأصوات الإبداعية في مجال أدب وثقافة الأطفال في اليمن.[c1]حال أدب الطفل اليمني[/c]- والى أين وصل حال أدب الطفل اليمني؟- يمكن لنا قراءة هذه الملامح خاصة بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 62م في الجزء الشمالي من الوطن واستقلال الجزء الجنوبي في 30 نوفمبر 67م حيث دخلت اليمن مرحلة جديدة في تطورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وشهدت نهضة حقيقية في كل مجالات الحياة وبدأ الاهتمام جلياً في قضية ثقافة الأطفال ـ الثقافة بمعناها الواسع ـ حيث برز ذلك الاهتمام من خلال اتساع رقعة الدراسة وإنشاء الحضانات ورياض الأطفال وكذا التطور في المناهج الدراسية ـ قياساً بما مضى ـ وتنظيم كثير من الفعاليات الثقافية والفنية للأطفال ...وبالذات من خلال برامج الأطفال في الإذاعة والتلفاز، وبدأ التفكير بإصدار مجلات خاصة بالأطفال ونشر بعض القصص الموجهة للأطفال في الصحف والمجلات وفي كتيبات خاصة وتعد مجلة (البراعم) الصادرة في عدن في النصف الأول من السبعينيات عن وزارة التربية والتعليم كأول مجلة يمنية خاصة بالأطفال صدر منها حتى عام 1983م (9 أعداد) وتوقفت وقد ظهرت بشكل ومضمون (ضعيفين) وفي أواخر السبعينيات ظهر (الحارس الصغير) كملحق لمجلة (الحارس) الصادرة عن وزارة الداخلية في عدن، وبعد ذلك صدرت بشكل مستقل ولم تعمر طويلا وفي مطلع عام 1981م صدر في صنعاء العدد الأول من مجلة (الهدهد) وتوقفت نهاية العام قبل ان يصدر منها أكثر من عشرة أعداد، كما أن مجلة (الإرشاد) الصادرة عن وزارة الأوقاف في صنعاء كانت أصدرت عام 80م ملحقاً خاصاً بالأطفال بعنوان (أولادنا) وفي يناير 83م صدر في عدن العدد صفر من مجلة (وضاح) وتوقفت في مايو 86م بعد أن صدر منها (24) عدداً ... لتعاود الصدور بعد ستة أشهر أي في نوفمبر 86م عن وزارة الثقافة والإعلام بدلاً عن المجلس المركزي لمنظمة الطلائع اليمنية وبدأت من العدد (صفر) بدلاً من أن تتواصل مع الأعداد السابقة لتكون العدد الـ (25) ولم يجر على المجلة أي تطوير، حيث بقيت بنفس المستوى واتسمت بعدم الانتظام ولم يصدر منها في مرحلتها الثانية سوى (9) أعداد وفي مارس 1984م صدر عن (دار الهمداني) للطباعة والنشر في عدن (مجلة نشوان) حيث عدت حينها من أفضل المجلات اليمنية الخاصة بالأطفال شكلاً ومحتوى واستمرت في الصدور حتى أواخر 85م، وفي نوفمبر 86م تم دمج مجلتي (نشوان) و (وضاح) تحت إشراف وزارة الثقافة والإعلام واستمرت حتى عام 90م حيث صدر منها (25) عدداً .. وبعد الوحدة اليمنية عام 90م اقر إصدارها عن وزارة الثقافة والسياحة في صنعاء ولم يصدر منها سوى عدد واحد فقط !!!ومنذ ذلك الحين لم تصدر أي مجلة عن أي مؤسسة رسمية حتى ابريل 2002م إذا استثنينا صحيفة (المثقف الصغير) والتي صدر العدد صفر منها في 12 يوليو 2001م كملحق بصحيفة (الثقافية) المشهورة الصادرة في تعز في 2 يوليو 1991م وصدر العدد الأول من مجلة (أسامة) في البدء عن جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية ليتحول إصدارها من العدد (30) إلى مدارس ورياض النهضة الحديثة لتعود بعد ذلك لإدارة قطاع كفالة رعاية الأطفال بجمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية.[c1]عوائق وإشكاليات أدب الطفل[/c]- وماذا عن عوائق والإشكاليات بهذا الصدد؟- تتمثل في أن فشل الكثير من محاولات إصدار المجلات والملاحق الخاصة بالأطفال يعود في (نظرنا) إلى أسباب عديدة أبرزها (النقص) في التمويل أي الجانب المادي خاصة أن متطلبات إصدار مجلة للأطفال كثيرة وكلفة إنتاجها عالية إلى جانب (عدم تخصص) كثير من القائمين عليها والمتعاملين معها فالمسألة عند البعض لا تتعدى (ضربة حظ) أو مجرد وظيفة ومهمة، بينما الأمر عكس ذلك تماماً !.[c1]آفاق أدب الطفل[/c]- ماذا تبقى لنا من آفاق بهذا الصدد؟ـ بالنسبة للآفاق بهذا الصدد من الصعوبة بمكان الخوض فيه لأننا لا نحتمل الخوض فيه خاصة جوانبه (التقييمية) للمعطى الثقافي للأطفال.فيكفي محاولة (التأريخ والتوثيق) ليأتي من يغني ويثري هذا الجهة، فضلاً عن (دور) ومسعى المؤسسة الرسمية والمؤسسات الأهلية لأهمية (إيلاء) مجال ثقافة الأطفال الاهتمام المرجو خاصة أن كثيراً من المؤثرات في هذا الجانب ليس في (مصلحتنا) البتة ... خاصة وأن مجال العمل مع الأطفال وعلى الصعيد الثقافي والأدبي ليس مجرد (شعارات أو نوايا) إنما ينعكس من خلال التوجه الصادق لتأهيل الكوادر المتخصصة في مختلف جوانب العملية الثقافية للطفل وفي السخاء المادي من حيث طباعة وإخراج الصحف والمجلات وطباعة الكتب بتقنية حديثة والإعداد والإخراج الإذاعي والتلفازي الراقي والمتميز لبرامج الأطفال وفي إنشاء المؤسسات الثقافية كالمسرح والأندية والمراسم الحرة وقبل هذا وذاك في الإعداد العلمي الصحيح للمناهج التعليمية وإصلاح التعليم عموماً باعتبار ذلك أساس الارتقاء العلمي والثقافي بإنسان الغد لهذا علينا أن نخطو بثقة اكبر تجاه المستقبل لأنه ابعد من (الشوط) الذي قطعناه ..