فيصل جلول ترددت في مناسبات عيد الأم وعيد الحب واليوم العالمي للمرأة في تناول قضايا النساء إلى حد أنني كتبت مقالا حول هذا الموضوع في مطالع الشهر الجاري ثم مزقته في اللحظة الأخيرة قبل دفعه إلى النشر. لترددي قصة متصلة بمشروع عالمي تشترك فيه أطراف عديدة ويقدم بوصفه خشبة خلاص للمرأة من التخلف والسيطرة الذكورية القروسطية ويمول من صناديق تسمى (كذبا) غير حكومية. هل نشد على أيدي أصحاب هذا المشروع بنصوص مؤيدة أم نعترض على مساعيهم بنصوص نقدية؟ الجواب عن هذا السؤال ليس سهلا كما يبدو للوهلة الأولى ؟يعد أسياد عالمنا المعاصر أن المرأة في بلداننا أحد أهم أسلحة الدمار الشامل لذا تراهم يفتشون عنها ويرسمون الخطط للوصول إليها وتغيير نمط حياتها وجعلها كنظيرتها الغربية على أن يكون مثالها الأعلى: مونيكا بللوتشي أو أدريانا كارامبو أو جولييت بينوش أو شارون ستون أو جوليا روبرتس أو أنجلينا جولي أو كلاوديا شيفر أو ناومي كامبل وربما نانسي واليسا وهيفاء وروبي ومادلين وغيرهن من اللبنانيات والمشرقيات اللواتي ( يحتلين) - كما يقال باليمنية - القسم الأكبر من الشاشات العربية و(يستأثرين) بالوقت الأهم من المشاهدين العرب و (يرقصين) على أنغام "شيك شاك شوك" و "واوا يا ماما واووا" و "دلعني يا واد" إلى غير ذلك من الألحان المركبة التي تستهلك يوميا مع البيغ ماك و الموبايل وأحذية نايك ومحافظ فيتون وجينزات أونغارو وفساتين شانيل وديور وعطور ازارو ...الخ.وعندما انسب لأسياد العالم نظرتهم المذكورة إلى المرأة العربية والمسلمة بوصفها أحد أهم أسلحة الدمار الشامل في بلداننا فإنني لا أتوخى المبالغة وذلك للأسباب الآتية:أولا: أسياد العالم - والصهاينة من ضمنهم - يخافون من الديموغرافيا العربية المتفجرة عندنا ومن الانحسار الديموغرافي عندهم مثال: كان عدد سكان مصر في مطلع القرن التاسع عشر ثلاثة ملايين نسمة وكان عدد سكان فرنسا عشرين مليون نسمة واليوم فاق عدد المصريين عدد الفرنسيين وإذا استمرت الدورة الديموغرافية الغربية والعربية على وتيرتها الراهنة فقد تختفي ايطاليا من الوجود خلال ثلاثة أرباع القرن بسبب النقص في الولادات وقد يصبح عدد الفلسطينيين أكثر من عدد الاسرائيليين بعشرة اضعاف، وهم كذلك اليوم على مستوى رئاسة الوزراء ذلك أن رئيس حكومة حماس إسماعيل هنية لديه 15 طفلاً في حين يحتفظ شارون بولدين وأولمرت ربما بولد واحد وربما لا شيء.إذن تمثل المرأة العربية والمسلمة في عرف أسياد العالم خطراً مفترضا يرقى إلى خطر أسلحة الدمار الشامل فهي تنجب وترعى وتربي أولادها وفق التقاليد العربية والإسلامية وبالتالي لعبت و تلعب دوراً مركزيا في الحضارة العربية الإسلامية .والاعتقاد المفترض لدى هؤلاء هو أنه إذا صارت المرأة عندنا على صورة هيفاء ونانسي و روبي اللواتي لا يعشقن الديموغرافيا فاننا سنسير حتما على خطى الإيطاليين زائد ثروة ناضبة ومصادر إقتصادية شحيحة أما إذا ما سار الفلسطينيون على الرسم نفسه فقد تنتفي الحاجة لحق العودة ويسقط قرار الأمم المتحدة رقم 194 تلقائيا بسبب غياب المرشحين للعودة إلى فلسطين خلال ثلاثة أرباع القرن الجاري.ثانيا: في الحسابات الليبرالية ينظر إلى سكان الكرة الأرضية بوصفهم مستهلكين وبالتالي يتوجب تحريرهم من المعوقات التي تعرقل اتصالهم بالسلع الاستهلاكية وعليه ينظر للعالم الإسلامي بوصفه يضم مليار مستهلك نصفهم من النساء اللواتي يمكن أن يشكلن قوة شرائية لا يستهان بها للسلع الوافدة من وراء المحيطات إن كانت شروط حياتهن مصممة على المثال الغربي.ثالثا: تعد المرأة ركناً تأسيسياً في المجتمع وكل محاولة لتغيير شروطها هي بالضرورة محاولة لتغيير شروط المجتمع وبالتالي تحريك نصفه ضد النصف الآخر، وهنا يرى أسياد العالم أن إقناع المرأة بمثال هيفا ونانسي وروبي يقود بالضرورة إلى اعتماد قيم سائدة عالمياً وكلية القدرة وبالتالي الانضباط في الهرمية الحضارية المعولمة بلا ممانعة وبلا اعتراض وفق المعادلة التالية: انتم العرب متخلفون ونحن متقدمون.تقدمكم هو في السير على خطانا لتصبحوا مثلنا وكل ممانعة من طرفكم هي فعل رجعي لا جدوى ولا طائل منه.مشكلة هذه المعادلة تكمن ليس فقط في أننا لن نصبح مثلهم لأننا لا نحتفظ بشروط تقدمهم بل لأننا عندما نحتفظ بشروط تقدمهم تنتفي أسس المعادلة نفسها وتسقط هرمية التخلف والتقدم وهو ما لا يرغب به أسياد العالم وان أكدوا العكس فان تأكيداتهم تمر على الأغبياء وحدهم وهؤلاء لا يشكلون غالبية العرب والمسلمين أقله في الأمد المنظور.اكتفي بهذا القدر من الأسباب وأعود إلى قضية المرأة من زاويتنا نحن عبر سؤال آخر: هل المرأة الغربية نموذج للحرية والتقدم ؟ ما خلا المظهر الخارجي يبدو أن واقع المرأة في بلدان السيادة العالمية لا يتناسب مع صورتها الترويجية تماما كما أن نانسي وهيفاء وروبي لا تعكس واقع المرأة اللبنانية والمشرقية عموما. في هذا الصدد تشير آخر استطلاعات الرأي في فرنسا إلى أن امرأة من كل عشر نساء تتعرض للضرب من زوجها أو صديقها. إذا افترضنا أن فرنسا تضم 35 مليون امرأة فهذا يعني أن أكثر من ثلاثة ملايين يتعرضن للعنف المنزلي، وهو رقم يعادل عدد سكان لبنان ويقترب من ربع سكان اليمن. إذن رغم الصورة المشرقة المروجة في وسائل الإعلام مازالت النساء تضربن بالملايين في بلد النور.لا حاجة في هذا المقام للحديث عن الاغتصاب والتحرش الجنسي و عن قضايا حميمية بين الزوجين فالإحصاءات المنتشرة في الغرب حولها لا تدعو إلى الفخر.والصورة ليست مشرقة أيضا لدى نخبة النخبة حيث سجلت حالات تاريخية وراهنة غير مشرفة فإذا كان "اينشتاين" قد حظر على زوجته أن تكلمه قبل الثانية عشرة ظهرا وان تطرح عليه بعض الأسئلة وأن تنظر بعينيه نظرة تحد فإن المفكر الماركسي الشهير "لويس التوسير" الذي الهم ويلهم ربما حتى اليوم بعض الماركسيين في اليمن بادر في أواخر حياته إلى خنق زوجته بالوسادة خلال نومها انتقاماً من المنغصات التي يفترض أنها سببتها له خلال حياتهما الزوجية.أما الكاردينال الإيطالي "كافاريللو" فقد كان يتضرع نهارا حتى يحفظ الله عفة النساء ويبعدهن عن الخطايا الدنيوية وينام ليلا في شقة إحدى بائعات الهوى إلى أن وجد ميتا في غرفتها جراء أزمة قلبية ناجمة عن الإجهاد في سن متقدمة. ليست هذه الأمثلة دليلا على أن النماذج المذكورة تعم المجتمعات الغربية لكنها ليست معزولة أو هامشية وقد أشرنا إليها للقول أن صورة المرأة الغربية الشائعة بوصفها حرة ولامعة لا تعكس واقع النساء في المجتمعات المتقدمة وقد لخصته ذات يوم الأديبة "كوليت" بالقول: "المرأة المتحررة ليست المرأة المثال". وربما نضيف إلى قولها أنها ليست مثالا أعلى لا في الغرب ولا في الشرق وتفسير ذلك يحتاج إلى مقاربة من نوع مختلف.لا نريد مما سبق تمجيد التخلف الذي تعيشه النساء في عالمنا العربي والإسلامي. نعم لا نريد تمجيد الأمية والزواج القسري أو المبكر قبل سن الرشد ولا نريد التسامح مع القيم الشنيعة التي تكبل المرأة وتعطل طاقتها وتعيق تقدمها وتقفل أمامها سوق العمل ولا نريد تمجيد الفصل بين الجنسين ولا نريد التسامح مع العنف الزوجي الذي تعاني منه المرأة يوميا في بلداننا ولا نريد امتداح قيم الذكورة والدعوة إلى الأوهام الشائعة حولها ولا نريد بخاصة امتداح ديموغرافيا الفقر والبؤس.مختصر ما نريده هو مقاربة مشاكل المرأة في بلداننا بعيداً عن مثالين أقصيين مثال نانسي وهيفاء وروبي ومثال المرأة الخيمة الممنوعة في جزء من عالمنا العربي من قيادة السيارات مع التأكيد على أن مصير المرأة في بلداننا يتعلق جوهريا بالمصير الذي نختاره لمجتمعاتنا وهذا المصير أراه أقرب إلى النموذج الياباني منه إلى النموذج الغربي بعبارة أخرى نريد التقدم للرجل وللمرأة من الموقع المختلف فالعالم ما كان وهو ليس الآن ولن يكون أبداً على صورة واحدة ومثال واحد. سيداتي آنساتي أرجو أن تقبلن تحياتي المتواضعة بأعياد سعيدة.[c1]* (عن 26 سبتمبر ) [/c]
هل المرأة العربية سلاح دمار ديموغرافي شامل؟
أخبار متعلقة