غضون
* أزعم أن تعديلاً طرأ على قيم هذا المجتمع، لكن كيف ولماذا؟، هذه مسألة يتعين أن يجيب عنها متخصصون من خلال أبحاث ودراسات ميدانية، وإلى حين يتم ذلك نكتفي هنا بالإشارة إلى بعض الظواهر والأنماط السلوكية المشاهدة والتي تسجل بصورة شبه يومية بعد أن كانت في الماضي نادرة وحالات استثنائية، وتنم هذه الظواهر وأنماط السلوك عن حدوث تبدل في القيم المستمدة من الدين والثقافة والإرث التاريخي إلى جانب اكتساب قيم جديدة تعبر عن نفسها من خلال سلوك ومواقف وآراء كثير من الناس في مجتمعنا. على سبيل المثال كثرت في بلادنا في السنوات الأخيرة حالات القتل بين الأقارب مثل قتل آباء لأولادهم وقتل أولاد لآبائهم .. هذا النوع من الجرائم ما كان يحدث في الماضي على هذا النحو الذي يحدث اليوم، كذلك في ما يتعلق بالاتجار بالصغار وتزويج آباء بناتهم وهن مازلن في سن الطفولة المتوسطة مقابل أموال كثيرة.* كان اللصوص في الماضي يتخفون، وكان همهم سرقة المال والمجوهرات والسلع والأواني والملابس، بينما اللصوص اليوم لم يعودوا من الذين لهم قلوب من الأطفال تنهزم، بل صاروا كتائب إعدام، يقتلون صاحب المال قبل أخذ المال .. وقبل أيام قام عدد من اللصوص في إحدى مناطق إب بذبح صاحب متجر بسكين كما تذبح الخراف ثم أخذوا يفتشون عن المال، وأسلوب الذبح هذا أسلوب جديد، وقد استخدم في حالات كثيرة قبل الحالة المشار إليها .. من أين تعلم هؤلاء “الذبح” هل من أسلافهم الفتاك الأوائل على قلتهم أم من “سيديهات” التنظيمات الإرهابية التي تكبر وتبسمل وتقطع أعناق من تعتبرهم خصومها .. مع التذكير أن “سيديهات” الذبح هذه تتوافر لدى أصحاب محلات التسجيلات “الإسلامية” .. على أي حال، أشياء كثيرة طرأت في هذا المجتمع .. دعك من النزوع الاستهلاكي والمفاخرة بمظاهر الثراء .. بل لاحظوا الميل نحو “الفردية” والاستئثار والرغبة في كسب المال دون مراعاة لأي ثنائيات كالحلال والحرام والمشروع وغير المشروع والجائز وغير الجائز .. والعجيب أن يفعل ذلك متدينون جداً.وكان الطلاق في الماضي “أبغض الحلال” وقراراً قاسياً لا يتخذه إلا المكره.. وكان المجتمع يصف المطلق بأنه “أخس الرجال”، أما المرأة إذا طلقت حزنت وسيطر الحرج على أهلها، وصارت في النساء كائناً ناقصاً ومتهماً بالفشل، فإذا جاءها بعد وقت طويل “نصيب” أخذها بمهر أقل وقادها إلى بيته “سكتة” بدون أي مظهر من مظاهر الفرح والاحتفال.. الآن حالات الطلاق كثرت ومتاح للرجل أن يطلق زوجته حسب مزاجه ولا يسأل عن السبب حتى لو كان تافهاً لا يستدعي فك ربط مقدس وخراب بيوت، ومقابل هذا التطرف هناك تطرف آخر لأزواج تطالبهم زوجاتهم بالطلاق لأسباب وجيهة جداً فلا يفعلون ويرهقونهن ويرهقون أهاليهن في “حرب” مكلفة، فإذا انتصرن في هذه الحرب عوضن الخسائر المادية بإقامة حفلات .. نساء يقمن حفلات فرح بمناسبة حصولهن على الطلاق .. وهذا التطرف أيضاً رد فعل للمعاناة القاسية في ظل الزوجية غير السوية.