معالم وآثار
جذبت بادية الشام الإنسان منذ أقدم العصور وآثارها تشهد بمجدها الغابر ومن يزر تدمر والرصافة والحضر وأسيس والرحبة والبتراء يدرك أنها ليست صحراء قاحلة يتيه فيها الإنسان وإنما أراض شاسعة تجوبها القبائل باستمرار وفيها حركة متواصلة حيث الطرق التجارية العالمية التي تعبرها من الجنوب إلى الشمال ومن أقصى الشرق إلى الغرب وتتوفر فيها المياه فالبحيرات التي تتجمع فيها الأمطار والآبار المعروفة أسماؤها ومواقعها لأهل البادية منذ مئات السنين. وأدرك الأمويون عظمة هذه البادية فعمروها بالقصور كقصر السدير والخورنق والحيرة وما أن انفتحت هذه البادية للعرب المسلمين حتى كان قصر الوليد في أسيس وقصر الحير الشرقي وقصر الحير الغربي وقصر هشام بن عبد الملك في الرصافة بالإضافة إلى قصير عمرة وقصر المشتى وقصر خزانة وقصر المفجر في الأردن وهكذا جهزت البادية بما يناسبها من المباني باعتبارها عقدة مهمة بين ولايات الدولة الأموية المترامية الأطراف وكان لهذه المنشآت مهمات عديدة منها سكن الخلفاء الأمويين الذين فضلوا الإقامة بالبادية على المدينة حيث يستطيعون الالتقاء بالقبائل العربية وشيوخها وأمرائها باعتبارهم الأساس الذي يمد الجيوش العربية الفاتحة بالمحاربين وكذلك لحل مشاكلهم وخلافاتهم ويشرفوا بشكل مباشر على طرق المواصلات وذلك لتأمين الأمن والنظام للقوافل التجارية والبريد ويتلقوا اللغة العربية القويمة بالإضافة إلى حياة الأنس واللهو لحياة الصيد والرياضة بعيدا عن أجواء المدينة ومراسيمها التقليدية. وقام بتنفيذ هذه المباني والقصور مهندسون معماريون وفنانون وعمال عرب وسوريون وردت أسماؤهم بالوثائق التاريخية والأثرية أمثال حسان بن ماهوية الإنطاكي وسليمان بين عبيد وثابت بن أبي ثابت وظهرت هذه القصور بهندسة رائعة تتناسب مع الهدف الذي أقيمت من أجله. وعرف الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بمحبته لبناء القصور وإنشاء الضياع والبساتين وتجفيف المستنقعات واستصلاح الأراضي فظهرت عام 727 م مجموعة معمارية مدنية متكاملة كان قصر الحير الغربي من ضمنها الأضخم والأجمل ضم خاناً وحماماً وسداً وبستاناً ومستودعات للمياه، ويقع هذا المجمع في واحة تبعد 80 كم إلى الجنوب الغربي من تدمر أما المياه فكانت من سد يبعد حوالي 17 كم إلى جنوب القصر أقيم هذا السد قبل الإسلام وأصلح عند بناء القصر وكان يدعى سد خربقة وهو يحجز مياهه في بركة طولها 1550 م وعرضها 800 م وللسد ثلاث فتحات اثنتان منهما مبنيتان من الحجر ومقطعهما مستطيل والثالثة تتصل بقناة ضخمة من الفخار المشوي يجري الماء بها ويتوزع بشكل منتظم إلى هذا المجمع حيث القصر والخان والحمام وأخيراً البستان وتمكن المنقبون في هذه الوحدة المعمارية المتكاملة من تحديد تاريخها من خلال البوابة الحجرية للخان التي نقش عليها سطر واحد بالخط الكوفي وبأسلوب التثقيب للحرف النص التالي «بسم الله الرحمن الرحيم لا اله إلا الله وحده لاشريك له أمر بصنعة هذا العمل عبد الله هشام أمير المؤمنين أوجب الله أجره عمل على يدي ثابت بن أبي ثابت في رجب سنة تسع ومائة» وقد نقلت هذه البوابة إلى حديقة المتحف الوطني بدمشق.