قصة مسلسلة ..
تأليف رجاء علي حويلةكان يا ما كان، يا مستمعي الكلام، كان في قديم الزمان حطاب فقير، يسكن على اطراف القرية قريبا من الغابة، وكان له ولد اسمه علي، وبنت اسمها علياء، يرعاهما وحده بعد موت امهما. كان يخرج الى الغابة باكر، ويعود بحزمة كبيرة من الحطب، وينزل الى السوق، فيبعها، ويشتري ما يحتاجون اليه، ويرجع الى البيت، فيحضر الطعام مع ولديه، ويأكلون، ويشربون، ويشكرون الله على فضله ونعمته.وذات يوم، وعد الحطاب عليا وعلياء، بالذهاب معه الى الغابة، صباح غد، ففرحا فرحا عظيما وناما باكرا لينهضا قبل شروق الشمس. وفي الليل حلما حلما واحدا، فرأى كل منهما انهما يلعبان على ضفاف البحيرة، ويطاردان الفراشات الجميلة الملونة، فبرزت امامهما بغتة من الاعشاب افعى سوداء لها ثلاثة رؤوس، وهي تمد ألسنتها الحمراء، وتفح فحيحا (1) مخيفا فارتدا الى الوراء واخذا يجريان، وهما يصيحان مستنجدين : يا .. أبي .. يا .. أبي. وللحال برز امامهما شيخ جليل، له لحية بيضاء طويلة، وهو يحمل في يده عصا معكوفة، ادخلهما تحت عباءته، وهو يقول : - لاتخافا .. يا ولديّ ..!ورفع عصاه في وجه الافعى، ونفخ عليها نفخة كالريح، فتحولت تحت بصرهما الى امرأة، جاحظة(2) العينين من الرعب، وتهاوت ميتة لاحراك فيها، واختفى الشيخ وظهرت مكانه بقرة صفرا اخذت تنظر اليهما، بحنان، وتبتسم، وهي تقول:- لاتخبرا احدا بما رأيتما .. احفظا السر..واختفت عن الانظار، وظهر مكانها طريق طويل لاآخر لها.واستيقظ علي وعلياء، وحدث كل منهما اخاه عما رأى، واستغربا ان يكون حلماهما متماثلين.وقالت عليا :- يجب ألا نحدث احدا عن هذا الحلم، يا اخي!واستيقظ ابوهما، فهيأ حبله وفأسه، وتناول مع ولديه الفطور ثم انطلقوا جميعا الى الغابة، وبينما كان الاب يجمع الحطب، اخذ علي وعلياء يلعبان بين الاشجار العالية، يطاردان الحشرات الصغيرة ويجمعان طاقات من الازهار النادرة. وفجأة ظهرت لهما، من خلف احدى الاشجار، عجلة صغيرة صفراء اللون، ذكرتهما ببقرة الحلم، ففرحا بها فرحا عظيما، اذ لم يسبق لهما ان شاهدا عجلة بهذا اللون الجميل. وجاء ابوهما على اصواتهما فرأى العجلة وسر لسرور ولديه. وبحث عن صاحبها او امها في اطراف الغابة، فلم يجد اثرا، فقال:- هي رزق ساقه الله لنا من السماء.وعاد الجميع الى البيت. ومنذ ذلك اليوم، وعلي وعليا لايفارقان العجلة الا في اثناء النوم. وتعلقا بها تعلقا شديدا، فهما يطعمانها، ويلعبان معها في الحقول، و يكلمانها كأنها انسان عاقل، وهي تنظر، وتصغي وكأنها تفهم كل ما يقولانه.ومرت الايام. وتزوج الحطاب امرأة اخرى لتساعد الاولاد على شؤون البيت، وتؤنس وحدته وترعاه في كبره. وكانت تعامل الولدين معاملة طيبة في الايام الاولى، لكنها تغيرت بعد مدة من الزمن فاصبحت قاسية، لاتعرف الرحمة. وكان الاب يخرج الى الغابة باكرا، قبل ان يستيقظ علي وعليا، فتأتي اليهما صارخة مهددة، فينهضان من النوم وهما يرتجفان من الخوف. فتأمرهما القيام بكل اعمال البيت، وتعود هي الى النوم، او تذهب الى القرية لزيارة صديقاتها. فاذا قصّرا في اي عمل عاقبتهما اشد العقاب، او هددتهما باخبار ابيهما عن تصرفات سيئة، لم يقوما بها.وذات يوم، كان علي وعلياء مع العجلة التي كبرت، واصبحت بقرة صفراء تفتن الانظار. فاخذا يتحدثان عن خالتهما، زوجة ابيهما قالت عليا:- الى متى نتحمل هذا الظلم يا اخي؟قال علي:- ما رأيك في ان نخبر ابانا بافعالها؟فأجابت :- اني اخاف على ابي من هذه المرأة الماكرة!* (يتبع)