مازالت الأحزاب السياسية في أقطارنا العربية بكل توجهاتها تعاني قصوراً فادحاً في المنهجية التي تربي عليها منتسبيها وأتباعها . ويتمثل هذا القصور في سيادة نمط من التفكير المثالي لا يصل بالواقع إلا من خلال نصوص تجمد فهمها في ضوء مقولات ومفاهيم تبلورت في عصور تختلف إلى حد كبير عن عصرنا الراهن وفي ظروف متباينة تماماً لظروفنا حتى أصبح المواطن بهذه العقلية المثالية مصاباً بما يشبه العطالة في فهم واقعه واستيعاب تطوراته والقوى المحركة لذلك الواقع والطاقات المختزنة فيه.فغياب النقد الذاتي البناء من أكبر الأخطاء التي أصابت العاملين في القطاع الحزبي السياسي ، ورفضهم المناصحة ، وخوفاً من تمزق الصفوف واضطراب العمل وكشف أخطائهم للغير ، وهو تخوف في غير محله ، ذلك أن الصف الذي يخشى من الحوار ويخاف من المناصحة صف لا يوثق به ، ولا يستأهل حمل راية الوطن ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، بل إن الاعتراف بالخطأ وتصويبه وتقويمه هو سلامة في البناء وصلابة في القاعدة ، وإن التستر عليه والسكوت عنه بحجة التشويش في الوسط وعدم الخلخلة في الصف مجرد أوهام ، فالتناصح والاعتراف وسيلتان لاستقامة البناء المتين ، والتستر لون من الخداع والمخادعة والورم الكاذب.إننا نعاني غياب أدب الحوار بين العاملين في الحقل السياسي بمختلف اتجاهاته فنحن إذا تعرضنا لمحاورة رأي مخالف ، كانت أوصاف الخيانة والانحراف والعمالة هي عملة التعامل ، ويتحول البحث عما في رأي المخالف من حقائق ، إلى الكشف عن عورات صاحب الرأي لتعريتها وفضحها والتشهير بها، فتتهجم النفوس وتحل الهواجس والظنون والكراهية والبغضاء ، محل المحبة والثقة والاطمئنان والتعاون ويتعطل الحوار الذي يعتبر العنصر الأساس في حل كبرى المشكلات وتقريب وجهات النظر المختلفة بما يخدم مصلحة الوطن وتغليب المصلحة العامة على المصالح الحزبية الضيقة.خلاصة القول ، إننا تعيش في عالم لا يعترف بالكيانات الصغيرة والضيقة ، وعلينا أن نؤمن بالحوار الوطني في تسوية خلافاتنا السياسية بالنسبة لوضعنا اليمني بما يعزز ويقوي عود الوحدة الوطنية اليمنية ويحرص على الأرضية السليمة لهذا البناء الوحدوي الذي نعتبر أنفسنا كلنا مسؤولين عن صيانته والحفاظ عليه ، وألا نفسح المجال واسعاً للدوائر المتربصة لتزيد الخرق اتساعاً ، لأن “ ما يحك جلدك مثل ظفرك” حسب قول المثل الشعبي ، وأن تثبت أحزابنا السياسية مدى تمسكها بالوحدة الوطنية ، وأنها قدرنا ومصيرنا الذي لا يمكن التفريط به قيد أنملة وأن ترتفع إلى مستوى التحديات باستيعاب مشكلات الواقع وتقديم الحجة القاطعة أننا أمة قادرة على الحياة أي بلغة أخرى أن نبادر بمعالجة كل القضايا الوطنية بمنظار واحد ، وتصحيح أية أخطاء علقت بجسم الوحدة اليمنية حتى تعود الابتسامة الحلوة إلى وجوه المواطنين في المعمورة اليمنية كلها، لأنها ملكنا كلنا ، وعلينا أن نحسن صيانتها والذود عنها ممن يريد بها سوءاً أو استغلالها لتحقيق مصالح خاصة على حساب المصلحة العامة للوطن والمواطنين .
غياب أدب الحوار بين الأحزاب السياسية في الوطن العربي
أخبار متعلقة