نبض القلم
الفرق بين الإنسان العاقل والإنسان الجاهل أن الأول يعرف الخطر قبل وقوعه، ويتنبه للمكروه قبل حلوله، فيتخذ العدة لملاقاته ودفعه، أما الثاني فلا يحس به أصلاً إلاً إذا وقع، وبالتالي لا يتخذ من الأسباب ما يدفعه أو يتوقاه.ويعتقد بعض الناس أن ما يفعله الإنسان الحذر من توقي الخطر إنما هو نوع من الجبن، وهذا خطأ لأن كثيراً من الحالات التي تفاجئ المرء تكون لها مقدمات، وهذه المقدمات هي التي تجعله يتخذ الاحتياطات اللازمة لتجنب المكروه قبل وقوعه.وربما يتأثر المرء أحياناً بأقوال الجهلة من الناس، فيترك ما يدعو إلى الحذر، ويتجاهل الخطر، وإن تحققت مقدماته، وكثيراً ما يتجاهل المرء نصائح الحكماء، وتعليمات العلماء، وتوجيهات الخبراء فلا يلتفت إلى نصائحهم وتعليماتهم وتوجيهاتهم،ولا يأبه بأقوالهم، رغم تحقق بعض المقدمات، ثم نفاجأ بحصول المكروه، فمثلاً:ـ عندما يقرر المهندس المختص إخلاء الساكنين من البيت المتشقق، بعد رؤيته سقوط بعض أحجاره إنما يحذرهم من خطر متوقع وهو سقوط البيت على ساكنيه.ـ وعندما يمنع البناء في مجرى السيول إنما يحذر من خطر السيول الجارفة التي قد تفاجئ الناس في أي وقت وتجرف معها ذلك البناء.ـ وعندما يأمر الطبيب بعدم تناول الأغذية المعلبة المنتهية الصلاحية، إنما يحذر من خطر الإصابة بالأمراض المختلفة، وعندما يدعو إلى تلقيح الأطفال إنما يحذر من إصابة الأطفال بالأمراض المعدية، ويدعو إلى الوقاية منها.ـ وعندما تعلن مصلحة الأرصاد الجوية قرب وقوع عواصف أو هطول أمطار غزيرة أو اضطراب الموج، إنما تحذر من تقلبات جوية قادمة ربما تضر بمرتادي الشواطئ والعاملين في البحر، لأخذ الاحتياطات اللازمة تجنباً لأخطار محدقة قادمة.ـ وعندما تطلب شرطة المرور من السائقين تفقد سياراتهم بصورة دورية، وتلزمهم بالتقيد بأنظمة المرور بصورة دائمة إنما تحذرهم من أخطار الحوادث المرورية التي قد تفاجئهم في أي وقت، حفاظاً على سلامتهم.ـ وعندما يدعو عقلاء المجتمع إلى المحبة والتسامح، واجتناب نشر ثقافة الكراهية، ونبذ الفرقة، إنما يحذرون من شق الصف الوطني، وخطر الفتن التي قد تعصف بالمجتمع عصفاً.وهكذا بقية الأمور التي تدعو الناس إلى تجنب الأخطار قبل وقوعها، أو تحثهم على تحاشي القيام بالأفعال أو الأقوال التي تضر بهم وبالمجتمع، إنما تندرج في إطار ما يمكن تسميته بالحذر الذي يقتضي طاعة الله ورسوله وعقلاء المجتمع من المؤمنين الصالحين، قال تعالى: ((وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا)) “المائدة، 92”. ما يعني أن طاعة الله ورسوله تعود الناس على الحذر من القيام بأفعال أو أقوال تضر بهم وبمجتمعهم، وانعدام الحذر من نفس الإنسان يؤدي به إلى الإعراض عن طريق الحق، ويدفعه للسير في الطريق الخطأ، وينال أسوأ العواقب، وله عذاب أليم يوم القيامة، قال تعالى:(( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)) “النور،63”.والحذر أنواع، ومن أهم أنواعه الحذر من اتباع الهوى والانزلاق إلى متابعة أهل الهوى، وترك الحق، وكذا الحذر من المنافقين واللؤماء والخونة، وذلك بعدم معاشرتهم وعدم تصديق أقوالهم وعدم الثقة بهم وسد المنافذ في وجوههم، لأن ضررهم على المجتمع كبير وخطير.[c1] خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان