حكايات من أدب شكسبير
إعداد/ تشارلز وماري لامبترجمة وعرض/ طارق السقاففي اليوم التالي استمر بتروشيو في التصرف بنفس الطريقة، فواصل حديثه إلى كاثرين بكلمات طيبة ولكنها مرتفعة النبرة، وبمجرد أن حاولت الأكل، أدعى بالطبع أن كل ما أمامها من طعام ليس على ما يرام، وألقى بطعام الإفطار على الأرض كما فعل الليلة الماضية بطعام العشاء. أما كاثرين المتعجرفة فقد وجدت نفسها مجبرة لتطلب من الخدم أن يحضروا لها طعامها سراً، ولكن كانت لديهم أوامر مسبقة من سيدهم بأن لا يقدموا أي شيء لها دون علمه. فقالت كاثرين لنفسها متألمة « آآآآه، أيتزوجني ويبخل علي بالطعام، حتى الشحاذين الذين يأتون إلى والدي يحصلون على الطعام، لكن أنا التي لم تعرف أبداً أن أتوسل لأي شيء،أترك هكذا دون طعام أو نوم.. لقد طار النوم من عيني بصياحه ولم يطعمني بغير صياحه، والشيء الذي يجعلني أستشيط غضباً أن يفعل ذلك باسم الحب الشديد ».قطع أفكارها بدخوله المفاجئ لها وقد أحضر معه قطعة من اللحم قائلاً « كيف حال حبيبتي كات اليوم؟ فلتعرفي يا حبي كم أفكر فيك كثيراً.. لقد قمت بطهي اللحم لك بنفسي.. وأعتقد أن هذا الفعل مني يستحق الشكر.. ماذا؟ ولا كلمة؟.. إذن فأنتي لا تحبين اللحم، وضاع كل جهدي عبثاً ». ثم أمر الخادم أن يأخذ طبق اللحم بعيداً.أستطاع الجوع الشديد أن يقلل من عجرفة كاثرين، وبالرغم من أنها كانت ما تزال غاضبة، قالت بتوسل « أرجوك، أتركه هنا»، لكن بتروشيو كان يقصد أن يجعلها أكثر تواضعاً، فأجاب « إن أقل خدمة تقابل بالشكر، واعتقد أن خدمتي يجب أن تقابل بذلك قبل أن تتناولي اللحم »، عندئذ قالت كاثرين رغماً عنها « أشكرك، يا سيدي »، وقد سمح لها بتناول قطعة صغيرة جداً من اللحم قائلاً « ربما تجعل قلبك أكثر حناناً يا كات، والآن يا حبي سوف نعود إلى بيت والدك في أبهى زينتنا بالحلل الحريرية والقبعات والخواتم الذهبية. ولكي يجعلها تصدق حقيقة أن في نيته فعل ذلك، أستدعى خياطاً وصانع قبعات، أحضرا معهما بعض الملابس الجديدة التي أمر بها من أجلها. ثم أبعد طبق اللحم عنها وناوله للخادم لكي يأخذه بعيداً عنها قبل أن تكمل ما فيه لسد رمقها وقال « إيه، هل أكلت؟ ».وعرض صانع القبعات قبعة قائلاً: « ها هي القبعة التي أمرت بها » عندئذ بدأ بتروشيو يثور ثانية قائلاً بأن هذه القبعة صغيرة جداً ولا يزيد حجمها عن قشرة اللوز، وأمر صانع القبعات بأن يصنع واحدة أكبر. قالت كاثرين « يمكنني أن آخذ هذه، فكل السيدات الرقيقات يرتدين مثل هذه القبعات»، فأجابها بتروشيو بنبرة ساخرة « عندما تصبحين رقيقة، سيكون لديك واحدة، لكن ليس قبل ذلك..»، فقالت كاثرين بعد أن جعلها الطعام تستعيد قواها قليلاً « لماذا؟ اعتقد يا سيدي أنه مسموح لي بالكلام وسوف أتكلم، فأنا لست طفلة، واستطيع أن أختار ملابسي بنفسي، إنها قبعة جميلة وقد أعجبتني كثيراً »، فقال لها «إنها قبعة صغيرة ولا قيمة لها، كما أنني أحبك ويعجبني شكلك وأنتي ترتدين غيرها »، فقالت كاثرين «تحبني أو لا تحبني فالقبعة تعجبني، ولن آخذ سواها »، قال بتروشيو وهو يتظاهر بعدم فهمها « تقولين أنك ترغبين في رؤية الفستان الجديد؟ »، عندئذ تقدم الخياط وأراها فستاناً جميلاً كان قد صنعه لها بناءاً على طلب بتروشيو،فقال بتروشيو وكان يتعمد ألا تحصل على القبعة والفستان : « إن خامة القماش رديئة، كما أن الفستان صنع بشكل سيء.. «، أجاب الخياط » لقد طلبت مني أن أصنعه حسب آخر موضة يا سيدي «.. وعلقت كاثرين بقولها أنها لم يسبق لها رؤية فستان أجمل منه أبداً! ».كان ذلك كافياً لبتروشيو، فأصدر أوامره بأن يعطي هؤلاء الناس أثمان بضائعهم، وتقد لهم الاعتذارات عن المعاملة الغريبة التي عاملهم بها بعد أن دفع بالخياط وصانع القبعات خارج الحجرة بكلمات قاسية وإشارات غاضبة، ثم التفت إلى كاثرين وقال لها « حسن، هيا بنا يا حبيبتي كات، فسوف نذهب إلى منزل والدك حتى بهذه الملابس الفقيرة التي نرتديها الآن «.أمر بإعداد الخيل، وقال بشكل وقور أنه يتحتم عليهما أن يصلا إلى بيت بابتستا وقت الغذاء. لم يكن الوقت صبحاً عندما قال ذلك، بل كان منتصف النهار ولذلك جرؤت كاثرين على القول، وإن كان بلهجة خاضعة بسبب أسلوب معاملته القاسية معها فقالت « لكن يا سيدي، أود أن أقول لك أن الساعة الآن الثانية ظهراً، ولن نصل هناك إلا وقت العشاء!! «، كان قصد بتروشيو أن يروضها على طاعته قبل أن يأخذها لترى والدها فقال لها « لأن كل ما أقوله أو أفعله، ما زلت تعارضينه، أن لن أذهب اليوم، وعندما أقرر الذهاب فسوف يكون في الوقت الذي أحدده أنا!!..أجبرت كاثرين على التدرب على طاعة زوجها، وأدركت بأن زوجها لن يسمح لها بزيارة والدها إلا بعد أن تتعلم طاعته دون مناقشة، وحتى أثناء رحلتهما إلى هناك كانت مهددة بأن يعيدها، لأنها عارضته عندما قال بأن القمر يسطع في وقت الظهيرة.. فقال لها منذراً « أقسم بابن أمي الذي هو نفسي، بأنه القمر أو النجوم، أو ما أرغبه قبل أن نصل إلى بيت والدك «، عندها تصرف كما لو كان سيعود ثانية، لكن كاثرين، التي لم تعد شرسة بل زوجة مطيعة قالت : « أرجوك يا سيدي، أن نواصل رحلتنا، فقد قطعنا الآن مسافة طويلة، ستكون الشمس أو القمر، أو ما ترغب أن يكون حتى لو أردته أن يكون شمعة، وأعدك بأن يكون كذلك بالنسبة لي». وأراد بتروشيو أن يتأكد من طاعتها له فقال لها ثانية « أقول إنه القمر «، فاجابت » نعم أنه القمر يا سيدي «،فقال » أنتِ تكذبين، إنها الشمس المباركة «، فأجابته بلطف وأدب» فلتكن إذن الشمس المباركة يا سيدي، وعندما تقول أنها ليست كذلك ستكون أي شيء تريده، مهما يكن، وسيكون الأمر دائماً هكذا بالنسبة لكاثرين »، عندئذ فقط سمح لها بمواصلة الرحلة، وحتى يتأكد ما إذا كانت هذه الطاعة ستستمر، فخاطب رجلاً عجوزاً التقوا به في الطريق على أنه فتاة شابة، وقال له « صباح الخير أيتها الآنسة الرقيقة »، ثم سأل كاثرين إذا كانت قد رأت من قبل فتاة جميلة مثلها، وأخذ يمتدح بياض وحمرة الرجل العجوز، ويقارن عينيه بنجمتين لامعتين، ثم تحدث إلى زوجته قائلاً لها « حبيبتي كات، حيي هذه الآنسة الجميلة.. »، وسرعان ما أطاعته كاثرين وتحدثت بنفس الطريقة إلى الرجل العجوز بعدما أصبحت مروضة تماماً وقالت له « كم أنتي جميلة ونضرة وحلوة يا آنسة، إلى أين أنتي ذاهبة؟ وأين منزلك؟ يا لسعادة والديك بإنجاب بنت جميلة مثلك!! »، قال بتروشيو « ما هذا يا كات؟؟!! آمل ألا تكوني قد جننت، فهذا رجل، ورجل عجوز مجعد الوجه، وليس فتاة صغيرة كما تقولين »، عندها قالت كاثرين وهي منحنية الرأس « سامحني أيها الرجل العجوز، فلقد أعمت الشمس بصري، آمل أن تسامحني لخطأي المؤسف »، عندها قال بتروشيو « فلتسامحها أيها العجوز، وقل لنا إلى أي طريق تتجه، فسوف تسعدنا بصحبتك إذا كانت وجهتك هي نفس وجهتنا ».اندهش العجوز جداً من الطريقة التي تحدثا بها إليه، وأجاب قائلاً: « اسمي فينسنتيو، وأنا ذاهب لزيارة ابني الذي يعيش في بادوا. وعرف بتروشيو بأن هذا العجوز هو والد لوسنتيو ذلك الشاب الذي يزمع الزواج من بيانكا، ابنة بابتستا الصغرى، وقد سعد بتروشيو بصحبة العجوز، وواصلوا سفرهم بسعادة بالغة حتى وصلوا إلى بيت بابتستا، حيث أقيم احتفال ضخم بمناسبة زواج بيانكا ولوسنتيو، أقامه بابتستا عن رغبة صادقة عندما نفض يده من كاثرين، وعندما دخلا البيت رحب بهما بابتستا ترحيباً حاراً وشاركا في الاحتفال كأنهما عروسان جديدان آخران.لم يستطع كل من لوسنتيو زوج بيانكا وكذا هورتنسيو العريس الجديد الآخر، أن يتوقفا عن الضحك من بتروشيو لأنه أساء اختيار زوجته، لقد كان هذا العريسان في منتهى السعادة برقة طباع زوجتيهما، وآخذا يسخران من بتروشيو لحظه السيء، ولم يلتفت بتروشيو كثيراً لمزاحهم حتى غادرت السيدات الحجرة بعد الغداء، فوجد أن بابتستا بدوره قد أنظم إليهم في الضحك عليه والأسف بشأنه، فقال لبتروشيو « أنا أعلن وبكل أسف يا بتروشيو، أنك أخترت أسوأ بناتي على الإطلاق!! » رد عليه بتروشيو قائلاً « حسن، لكني أقول لا، ولكي أثبت لكم بأني أقول الحقيقة، فدع كلامنا يرسل في طلب زوجته، ومن تحضر زوجته على الفور تكن أكثرهن طاعة، ويكسب زوجها الرهان الذي سنتفق عليه ».أبدا الزوجان الآخران موافقتهما الفورية على هذا الرهان، فقد كانا على يقين بأن زوجتيهما الرقيقتين ستثبتان أنهما أكثر طواعية من كاثرين المتعبة.. كان الرهان يدور على عشرين كراونا، ثم ارتفع ليصل إلى مائة.. وكان لوسنتيو أول من أرسل خادمه لاستدعاء زوجته بيانكا.. وسرعان ما عاد الخادم قائلاً له « سيدي، إن سيدتي تقول لك أنها مشغولة ولا تستطيع الحضور «، وسرعان ما رد بتروشيو قائلاً « ماذا، مشغولة ولا تستطيع الحضور؟ هل هذه إجابة تليق بزوجة؟ «، فضحك الجميع، وقالوا بأنهم يأملوا بأن يكون الوضع أفضل لو أن كاثرين أجابت بما هو أسوأ من ذلك. ثم جاء دور هورتنسيو ليرسل في استدعاء زوجته، وقال لخادمه : « إذهب، واطلب منها برجاء أن تأتي إلي «، فقال بتروشيو ضاحكاً « أووه يرجوها حتى تحضر إليه »، فقال هورتنسيو بتحد « أنا أخشى يا سيدي، أن زوجتك لن تحضر حتى لو توسلت إليها أن تحضر »، وسرعان ما عاد الخادم، وبدا الضيق على وجه هورتنسيو فقال للخادم « أين زوجتي؟؟ « فقال الخادم » سيدي، إن سيدتي تقول أنك تمزح، لذا فهي لن تأتي، ويمكنك الذهاب إليها بدلاً أن تحضر هي «، ضحك بتروشيو عالياً وقال « أسوأ وأسوأ » بعدها التفت إلى خادمه قائلاً له « أذهب إلى سيدتك وقل لها إني آمرها بالحضور »، ولم يكن هناك وقت للمجموعة حتى تفكر في أنها قد تأتي أو لا تأتي إطاعة لأوامره، عندما صاح الوالد بابتستا مندهشاً : ها هي كاثرين تأتي!!، دخلت وقالت بخنوع لزوجها « ماذا ترغب يا سيدي لترسل في طلبي؟ » فقال لها « أين أختاك بيانكا وزوجة هورتنسيو؟ »، فأجابت « إنهن يتحدثن بجوار المدفأة »، قال لها « أذهبي واحضريهما إلى هنا »، خرجت كاثرين دون نقاش لتنفذ أمر زوجها، فقال لوسنتيو « هذا شيء مدهش للغاية!!، قال هورتنسيو«هو كذلك بالفعل، وأنا أتساءل ماذا يعني هذا؟؟ »، قال بتروشيو » ذلك يعني الطمأنينة والسلام والحب والحياة الهادئة، وأنني سيدها ». فقال والد كاثرين وقد أمتلأ سعادة للتغير الذي حدث لأبنته « الآن يا بني بتروشيو قد حالفك الحظ، لقد كسبت الرهان، كما أني سأهبها عشرين ألف كراون بالإضافة إلى ما أعطيتها من قبل، لأنها تغيرت تماماً حتى أنني بالكاد تمكنت من تصديق ما رأته عيناي «، فقال بتروشيو بإصرار « سأكسب الرهان بمزيد من التأكيد عندما أظهر المزيد من الفضائل في تكوينها الجديد القائم على الحب والطاعة !»، في تلك اللحظة دخلت كاثرين بصحبة أختيها، فواصل بتروشيو حديثه وهذه المرة صوب زوجته وقال لها أمام الجميع « أسمعي يا كاثرين إن قبعتك لا تناسبك، اخلعيها وألقيها تحت قدميك »، خلعت كاثرين قبعتها في الحال وألقتها على الأرض. قالت زوجة هورتنسيو « يا ألهي!!.. آمل ألا أطالب بفعل شيء سخيف مثل ذلك!! »، وقالت بيانكا « يا لغباء ذلك التصرف الذي تسميه واجباً!! »، عندئذ قال زوج بيانكا لها « كم كنت أتمنى أن يكون تصرفك بمثل هذه الحماقة!! إن تصرفك هذا يا بيانكا الجميلة كلفني مائة كراون منذ وقت الغذاء »، فقالت بيانكا «إذن فأنت أحمق كذلك، حتى تراهن على تصرفاتي »، قال بتروشيو «كاثرين قولي لهاتين السيدتين عن الالتزامات الواجبة تجاه أزواجهن »، عندئذ ولدهشة الجميع، أخذت كاثرين تمتدح التزام الزوجة طاعة زوجها وإجلاله واحترامه.. و-ليس كما كانت من قبل كاثرين الشرسة، بل كاثرين الطائعة.