محمد زكريالسنا نبالغ إذا قلنا إن مؤلفات المؤرخ الكبير الأستاذ عبد الله أحمد محيرز في تاريخ مدينة عدن تعد من المراجع الهامة وإن لم تكن أهمها على الإطلاق بحيث لا يمكن أن يستغنى عنها المؤرخون المحدثون والباحثون الحاليون سواء كان ذلك في تاريخها السياسي , الاجتماعي، الاقتصادي ، والثقافي أو, وآثارها العمرانية العتيقة كالقلاع والحصون الماثلة فوق رؤوس الجبال المطلة على المدينة . وتتميز مؤلفاته بأنها تحتوي في ثناياها على معلومات قيمة من ناحية ودقيقة وعميقة من ناحية ثانية , ويشعر المرء وهو يتصفح كتبه التاريخية بمدى حبه الكبير والعميق لعروس البحر العربي ، ومدخل البحر الأحمر الحقيقي "عدن" . [c1]آراء مختلفة[/c] والكتاب الذي بين أيدينا والذي يحمل عنوان (( العقبة )) من المؤلفات الرائعة في تاريخ وآثار عدن وبعبارة أدق لقد ربط الأستاذ عبد الله محيرز بين التاريخ والآثار بصورة متناسقة . وعلى سبيل المثال فإذا ما تعرض إلى أثر من الآثار التي تطفو على وجه سطح عدن فإنه يشرحها ويفسرها ويحللها وبذلك تكتمل الصورة عن ذلك الأثر بكل ملامحه التاريخية . وفي أحيايين نراه عندما يقف على مسألة لم يحكم بها التاريخ بصورة واضحة أو لم ينطق التاريخ الحكم بها بصورة حاسمة , ونهائية ، فإنه يعرض على القارئ الآراء ، الأفكار ، والأقوال التي تتحدث عن تلك المسألة مثل مسألة تسمية اسم (( عدن )) , وما معناها ؟. ولا يعني ذلك أن عبد الله محيرز يعرض تلك المسألة على القارئ دون أن يقدم وجهة نظره فيها . وسنعرض تلك المسألة وغيرها في غير هذا الموضع . [c1]قصة العقبة[/c] والحقيقة يعد كتاب (( العقبة )) الذي بين أيدينا من مراجعه القيمة و الهامة في تاريخ عدن لكونها مزجت بين التاريخ والآثار مزجا يدعو إلى الإعجاب والتقدير الكبيرين ـ كما قلنا سابقا ـ ، فهو عندما يروي قصة العقبة أو باب عدن كيف خرج إلى حيز الوجود ؟ والدول التي تعاقبت على حكم عدن واعتنائها به . فقد ربط تاريخ باب عدن ربطا غاية في الذكاء والروعة باليمن ( الأم ) , وبمعنى آخر أنه لا يسجل ويدون تاريخا مجردا عن العقبة أو باب عدن فحسب ذلك المعلم الأثري الهام ـ والذي سنتحدث عنه بالتفصيل في غير هذا الموضع ـ وإنما يصبغ عليه مشاعر وأحاسيس تفيض بالدفء ، فهو يقول بما معناه: " إن العقبة أو باب اليمن لا تكمن أهميته العمرانية بأنه من عجائب الدنيا ـ على حد تعبير المؤرخ الجغرافي المقدسي ـ مثلما تكمن أهميته بأنه جعل عدن تفتح ذراعيها لليمن ، وبعبارة أخرى أن ( العقبة ) كانت بمثابة همزة وصل بين عدن واليمن ( الأم ) . أو قل إن باب العقبة كان ومازال جزءاً لا يتجزأ من تراث وتاريخ ، وثقافة اليمن .[c1]البوابة الواسعة[/c] وربما كان هنا مناسبا أن نقتبس فقرة من كلام عبد الله محيرز حول ارتباط باب عدن باليمن ، إذ يقول : " عقبة شق في ثناياها طريق ، ربطها بأمها اليمن ، وجعل من فصلها وتغريبها وانسلاخها ـ رغم محاولات عبر القرون ـ أمرا مستحيلا ـ " . ويمضي في حديثه : " والعقبة أكثر من تلال وشعاب ، وحصون وقلاع . هي رمز لعزم هذه المدينة ، وتصميمها عبر العصور لتأكيد ارتباطها العرقي ، والثقافي باليمن .. وطن أكبر وأشمل : أهلها أهله ولغتها لغته ، وتاريخها تاريخه .. وطن هو جزء من عالم عربي أوسع ، أثرت فيه ، وتأثر بها ، ولعبت دورها كاملا في تاريخه وثقافته ..". وعندما يسمع المرء كلمة ( العقبة ) يتبادر إلى ذهنه أن العقبة هي الشيء الكؤود االذي يمثل الصعاب والعراقيل , ولكن العقبة بالنسبة لعبد الله محيرز تمثل النافذة الواسعة لمدينة عدن لتطل على اليمن أو قل البوابة الواسعة والعريضة التي تتصل باليمن , فيقول في ذلك : " وبقيت العقبة الضمان الوحيد للحفاظ على أصالة المدينة وعلاقتها بيمنها ضد ما يلفظه البحر على سواحلها من كل بعيد وغريب " . [c1]ارتباط عاطفي[/c]وبعد أن أوضح لنا عبد الله محيرز أهمية العقبة لمدينة عدن بالنسبة لارتباطها باليمن ـ كما مر بنا سابقا ـ . فإنه يوضح ـ كذلك ـ أهمية العقبة أو باب عدن بالنسبة لتاريخ المدينة ، فهو يرى أن هناك ارتباطا تاريخيا وعاطفيا عميقا فيما بينهما ، فيقول في هذا الصدد : " وتاريخها هو تاريخ عدن . وحدودها هي حدود أهميتها ونفوذها ـ عبر التاريخ ـ على كل ما تطل عليه ، وما تتفاعل معه من مستوطنات واستحكامات دفاعية ، أو منشآت اقتصادية عليها ، أو حولها " . والحقيقة أن العقبة أو باب عدن أذهل كل من شاهده من المؤرخين والجغرافيين القدامى أمثال ، الهمداني المتوفى سنة ( 334هـ / 946م ) الذي وصفه وهو مبهور به , قائلا : " من عجائب اليمن التي ليس في بلد مثلها ... »باب عدن« ". [c1]من شق بطن الجبل ؟[/c] والحقيقة أن الأستاذ عبد الله محيرز على الرغم مما بذله من جهود جهيدة و كبيرة في استخراج معلومات وأخبار هامة ومفصلة في تاريخ باب عدن أو العقبة ـ والذي مازال ماثلا أمامنا تخترقه المركبات بمختلف أشكالها ، وأنواعها ، فإنه لم يعطنا تاريخا صريحا عن من شق أو حفر بطن الجبل أو الصخر ؟ .. ولكن كل الذي قاله أنه شق منذ زمن طويل , وأن أقدم ذكر لباب عدن أو العقبة هو ما ذكره الهمداني . ولقد كنا نود من ( محيرز ) قبل أن يواصل الحديث عن باب عدن ويستخرج لنا المعلومات الجادة عنه ، أن يقول بوضوح و صراحة أنه لم يعثر في المصادر في عهد من شق أو قطع الجبل أو على أقل تقدير أن يضع التعليل حول تلك المسألة التي يمكن أن تقودنا إلى أقرب نقطة في عهد من قطع الجبل فخرج من بطنه باب عدن ؟ولكن كل الذي عرفناه من الهمداني أنه قبل أن يشق بطن الصخر ويصير باب عدن يدلف منه الناس والدواب . أنه كان بعض الناس يضطر إلى تسلقه أو على حد تعبيره أن " يركب ظهر الجبل .[c1]أعجوبة معمارية[/c] ويبدو أن باب عدن ذاع صيته في اليمن جمعاء أو قل كان مشهورا بين الجغرافيين المسلمين القدامى ودليل ذلك إعجاب الجغرافي المسلم المقدسي الذي كان معاصرا للهمداني بطريقة شق بطن الجبل أو الصخر ، بقوله : " وقد شق فيه طريق في الصخر عجيب ". ويزيد عبد الله محيرز في توضيح صورة وصف المقدسي لباب عدن ، قائلا : " اشتهر الباب منذ زمن طويل . وعده بعضهم أعجوبة معمارية أكثر منه ممرا عاديا للدواب والناس . فقد قامت عليه حراسة ، وركبت عليه بوابات تنظم حركة المرور عبره " .[c1]تعددت الأسماء والباب واحد[/c] والحقيقة أن أسماء عديدة أطلقت على العقبة ، وأول من أطلق عليها أسم باب عدن هو الهمداني , وبعد قرن من الزمان سمي بأسماء أخرى وهي ( باب البر), ( باب البري ) ، ( باب اليمن ) ، ( باب السقائين ) ,( باب المعلا ) . و ( الممر الرئيسي ) وعن سبب تسميته بذلك الاسم ، يقول محيرز : " وسماه الإنجليز بعد الاحتلال ( الممر الرئيسي ) تمييزا له عن الممر الصغير : عقبة حجيف " . وأما سبب تسميته أي باب عدن باسم ( باب السقائيين ) فذلك يعود إلى أن قوافل الجمال كانت تجلب المياه إلى داخل المدينة في النهار ، وإذ خيم الليل ، ومازالت قوافل الجمال خارج المدينة ، فإنها تصب المياه في صهريج ضخم أسفل باب عدن ولذلك سمي ( باب السقائين ) . ويقول محيرز في ذلك : ويؤكد هذا مصدر برتغالي كتب باللاتينية عام 1530م ، فقد وصف حركة قوافل الماء . وقدر عددها مابين 2000 ، 1500 جمل يوميا تصب في صهريج تحت باب عدن اسماه ( بيت الماء ) . فإذا وصلت القوافل في النهار ، فإن الجمال تنقل الماء مباشرة إلى المدينة. أما في الليل فتصبه في هذا الصهريج ، ذلك أن باب عدن لا يفتح أبدا في الليل " . وهذا ـ أيضا ـ ما أكده ابن الديبع المتوفى سنة ( 944هـ / 1537م ) بأن السلطان عامر بن عبد الوهاب المقتول سنة ( 923 هـ / 1517م ) شيد صهريجا ضخما أسفل باب عدن , وتحديدا في قرية المباه ( حاليا دكة الكباش ) والذي سنتناولها بالتفصيل في غير هذا الموضع . [c1]باب اليمن [/c] ومن الأسماء التي وردت عن باب عدن هو ( باب اليمن ) . والحقيقة لم يقف عنده الأستاذ محيرز أو يحدثنا عنه بشيء من الاستفاضة , علما أنه تحدث عن الباب وارتباطه التاريخي والعاطفي الوثيق والشائج باليمن ( الأم ) . وأغلب الظن أن اسم باب اليمن أطلق على باب عدن كدليل على ارتباطه باليمن أو أن بعض التجار من صنعاء أطلقوا ذلك الاسم كنوع من الحنين والشوق إلى باب اليمن يذكرهم بمدينتهم صنعاء . والجدير ذكره أن اسم باب اليمن أطلق ـ كذلك ـ على أحد أبواب مدينة تعز القديمة . ويعطينا الأستاذ عبد الله محيرز صورة عن الدول التي تعاقبت على حكم عدن ودورها في العناية والاهتمام الكبيرين بباب عدن ابتداءَ من بني زريع عمال الصليحيين في عدن ومرورا بالأيوبيين ، والرسوليين ثم الطاهريين , وانتهاءَ بالعثمانيين والإنجليز . [c1]تقسيم عدن[/c] يقول محيرز أن الملك المكرم أحمد المتوفى سنة ( 477هـ / 1085م ) قد أقتطع للعباس والمسعود المكرم اليامي اللذين كانا لهما اليد الطولى في نصرة والده علي الصليحي ، وظهور دولته في اليمن بأن قسم بين العباس بن مكرم ، وأخاه المسعود مدينة عدن بينهما فالأول أقطعه تعكر عدن ( جبل الخساف حاليا ) ، وعليه باب المدينة أي باب عدن أو العقبة ، " وما يصله من البر " . " وولى أخاه المسعود بقية المدينة وحصن الخضراء ( جبل صيرة) وهو يشرف على الساحل والمراكب ، ويهيمن على المدينة " . ويعقب محيرز على تلك القسمة ، فيقول بما معناه : " أنه يعتقد من أول وهلة أن العباس قد ظلم في ذلك التقسيم . والحقيقة أن ذلك التقسيم يعتبر منطقيا وسليما وليس فيه غبن له بسبب أن باب عدن يقع في موقع هام يستطيع أن يتحكم بالقوافل التي تدخل المدينة عبر الباب إضافة إلى أنه الممر الوحيد أو همزة الوصل عن طريق البر الذي يربط المدينة بسائر أجزاء اليمن . وعلاوة على ذلك أن الباب يعد الحصن الحصين للمدينة .[c1]رأي مغاير[/c] ولكن الدكتور محمد الشمري ، يرى رأياً آخر وهو أن قسمة العباس كانت جائرة وخالية من الإنصاف والعدل وأن أخاه المسعود كان له النصيب الأكبر والحظ الأوفر في تلك القسمة وفي ذلك يقول : " جعل المكرم الصليحي لمسعود بن المكرم حصن الخضراء ، وهو يحوز الساحل ،و المراكب ، ويحكم على المدينة ، وقيل أن للمسعود حصن الخضراء وباب البحر وما يدخل منه ، وإليه أمر المدينة " . ويعلل كريم الشمري الأسباب التي دعته أن يقول أن القسمة بين الأخوين العباس ، والمسعود غير عادلة ، بسبب أن جبل تعكر ، وباب عدن تلك المنطقتين فقيرتين بالعائدات المالية بخلاف منطقة المسعود التي تستند على عائدات مالية كبيرة بسبب ورود السفن القادمة إليها من كل مكان من العالم أي بعبارة أخرى أن المسعود كان من قسمته ميناء صيرة والذي كان يعد ميناء عدن في تلك الفترة . ويرجع سبب تلك القسمة الغير عادلة للعباس ترجع إلى أن شخصيته من النوع التي لا تثير المتاعب في وجه الآخرين أو بعبارة أخرى أن شخصيته ضعيفة ولذلك رضخ لتلك القسمة البعيدة عن العدالة ـ على حسب قول كريم الشمري ـ . [c1]في عهد بني زريع [/c]لقد سبق وأن ذكرنا أن بني زريع كانوا عمالا أو ولاة للدولة الصليحية في عدن, وكان من شروط الملك لمكرم أحمد الصليحي المتوفى سنة ( 477هـ/1085م) أن يجعلهم على ولاية عدن العباس , مقابل أن يدفعوا لزوجه السيدة الحرة أرى بنت أحمد الصليحي مائة ألف دينار سنويا. ومنذ ذلك التاريخ سيطر وبسط بنو زريع نفوذهم على عدن , وعندما قويت شوكتهم ، وضعفت هيبة الصليحيين في اليمن, امتنعوا عن دفع المبلغ المذكور آنفا إلى السيدة الحرة الصليحية المتوفاة سنة ( 532هـ /1138م ) . وكان من البديهي أن يعمل بنو زريع على تحصين إمارتهم عدن تحصينا قويا وخصوصا بعد أن خرجوا من جلد الصليحيين فقد قاموا بترميم وصيانة باب عدن بصورة دائمة ، وأقاموا عليها حراسة مشددة " وبذل الزريعيون جهدا كبيرا في تحصينه فصار غاية في المنعة عند نهاية دولتهم حتى وصف ابن الأثير عدنا من جهته : " من أمنع البلاد وأحصنها ". هذه الصورة الذي رسمها الأستاذ عبد الله محيرز تعطينا صورة واضحة عن مدى عناية بني زريع بالعقبة أو باب عدن . [c1]في عهد بني أيوب [/c] وعندما أنحسر مد الصليحيين عن اليمن ، وهوى نجم الفاطميين من سماء مصر السياسي بوفاة آخر خلفائهم وهو الخليفة العاضد في سنة ( 567هـ / 1170م) رأى الناصر صلاح الدين الأيوبي المتوفى سنة ( 589هـ / 1193م) أن الفرصة سانحة أن ينقض على البقية الباقية من نفوذهم في اليمن وعلى وجه الخصوص في عدن . وكانت من الأوليات التي وضعها الناصر صلاح الدين الأيوبي لمواجهة الحملات الصليبية التي ربما قد تتحكم بتجارة البحر الأحمر هو السيطرة على عدن لكونها تمثل المدخل الحقيقي للبحر الأحمر وبذلك يعمل على غلقه في وجه الصليبين . وبالفعل تم اختيار حاكم من قبلهم على عدن وهو عز الدين أبو عمرو عثمان بن الزنجيلي التكريتي . وأول ما قام به من أعمال هو تحصين مدينة عدن بصورة عامة . وفوق باب عدن أقام دربا يربط بين جبل تعكر بالجبل الأخضر . وهذا يوضح لنا أن باب عدن تم أقامة عليه جسر في أوائل عهد بني أيوب . ولكن عبد الله محيرز يقول أنه ربما كان هناك جسرا قديما فوق باب عدن وعاصر نشؤ الباب منذ بدايته . ولكن الشيء المسلم به أن الأيوبيين نظرا لطبيعتهم العسكرية ، فإنهم اهتموا بتحصين مدينة عدن كما وسبق أن ذكرنا ذلك وأغلب الظن تحولت إلى مدينة عسكرية, وعلى الرغم من شحة المصادر اليمنية أو العربية فإنه من المؤكد أن باب عدن حظى بتحصين كبير نظرا لكونه كان موقعا استراتيجيا حربيا من ناحية وكان يربط مدينة عدن بأجزاء من اليمن عبر البر من ناحية أخرى ـ كما مر بنا سابقا ـ . ولقد أهتم ـ كذلك ـ الأيوبيون بميناء عدن ومن جراء ذلك أن شهد الميناء ازدهارا واسعا. [c1]باب عدن وبني رسول [/c] أجمعت كتب التاريخ أن الدولة الرسولية ( 626 ـ 858 هـ / 1228ـ1454م ) التي حكمت اليمن زهاء أكثر من مائتي عام , وكان عاصمتها ومقر حكمها تعز تعد من أشهر دول اليمن الحضارية وإن لم تكن أشهرها على الإطلاق وهو الذي وصفها المؤرخ الزركلي في مؤلفه ( الإعلام ) بقوله : " وفي المؤرخين من يشبه الدولة الرسولية في اليمن بالدولة العباسية في العراق وذلك لوجود تشابه بينهما من حيث التطور السريع في النهضة التعليمية ، وفي بناء صروح العلم ، وتكريم العلماء ، وكثر التأليف ، والاهتمام بالترجمة " . ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف كان باب عدن في عهد تلك الرسولية ؟ والتي وضعت نصب أعينها على العناية بالحياة العقلية في اليمن ـ كما مر بنا سابقا في غير هذا الموضع ـ . وأكبر الظن أن الدولة الرسولية التي أمتد حكمها أكثر من مائتي عام . كان من الطبيعي أن تعطي اهتماما بالغا بعدن وعلى وجه التحديد باب عدن والذي يعد المدخل الحقيقي والوحيد لعدن من جهة البر . وعلى الرغم من شحة المصادر العربية عن دور بني رسول في تحصين ( باب عدن ) أو الباب البري ، فإنه من البديهي أن يجد ذلك الباب الاستراتيجي الخطير تحصينا قويا من الدولة الرسولية التي بلغت من العمر عتيا في حكم اليمن ـ كما قلناـ وفي ذلك يقول عبد الله محيرز : " إنه على الرغم من وفرة ما كتب عن الدولة الرسولية ، وإسهاب مؤرخيها بسرد الحوادث التي وقعت في عدن ، والحملات العسكرية التي شنت لفتحها تارة ، واستعادتها تارة أخرى ، إلا أنها ظلت شحيحة بالإدلاء بأية معلومات واضحة عما قام به الرسوليون من استحكامات عسكرية للمدينة خلال أكثر من قرنين من حكمهم . وبديهي أنه خلال فترة طويلة كهذه قد لاقى الباب عناية مضاعفة للدفاع عن المدينة ، يمكن استنتاج ذلك من خلال تفاصيل هذه الغزوات والمحاولات لاقتحامها ".[c1]في عهد الملك الناصر الرسولي[/c] ويقول عبد الله محيرز أن الملك الناصر ألرسولي شرع ببناء بوابة إضافية لباب عدن في ( 809هـ / 1407م ) سميت ( الزيادة ) . والحقيقة أن تلك الرواية لم يذكرها المؤرخون القدامى في ترجمة سيرة السلطان الملك الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل المتوفى سنة ( 827هـ / 1424م ) . الذي حكم اليمن 24 عاما . فقد جلس على سرير الملك سنة ( 803 هـ / 1440 م ) وفي خلال حكمه الطويل شهدت اليمن على يديه الاستقرار والطمأنينة والأمن . وفي عهده أيضا انتعشت الحياة الاقتصادية انتعاشا كبيرا . وعلى الرغم أن المصادر العربية لم تورد صراحة معلومات عن عنايته بـ ( باب عدن ) إلا أنه من المحتمل أن يكون قد أولا ه عناية بالغة في تحصينه وذلك ضمن ما شهدته اليمن من جوانب مختلفة من الأنشطة الاقتصادية ، والحياة العقلية ، والحياة السياسية في ظلال حكمه الطويل . فيكون تحصين باب عدن يدخل من ضمن نشاط العمارة في عدن .[c1]في عهد الملك الأشرف الرسولي[/c] والحقيقة أنه عندما تتصفح تاريخ الدولة الرسولية وخصوصا في عهد ملوكها العظام ، أمثال السلطان الأشرف ممهد الدين عمر بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول المتوفى سنة ( 696هـ / 1296م ) الذي كان يجل العلم والعلماء بصورة تدعو إلى الإعجاب ، فلا نجد سوى اهتمامه الكبير بإحضار العلماء النوابغ في كل فرع من فروع العلوم سواء في الفقه ، أو النحو ، أو اللغة , والتفسير ، والحديث وغيرها كثير من العلوم الشرعية إلى جانب العلماء المختصين في العلوم الإنسانية المختلفة في الطب , الفلك , الزراعة ، والطب وغيرها كثير . وإذا حدث وأن وصل إلى عدن عالم جليل من علماء المسلمين الكبار ، فإن والي عدن من قبل الرسوليين سرعان ما يخبر السلطان الملك الأشرف الرسولي بوصوله , وكان السلطان الأشرف سرعان ما يطلبه إلى عاصمة ملكه تعز , فيبذل له الهدايا الثمينة , والعطايا السخية ، والأموال الطائلة ، والمناصب الرفيعة , ولكن لم نعثر بصورة واضحة وبينه وصريحة حول الأعمال المتعلقة بتحصين ( باب عدن ) من قبل الدولة الرسولية التي حكمت اليمن قرابة أكثر من مائتي عام ـ كما قلنا سابقا ـ .[c1]مع الدولة الطاهرية [/c] وفي عهد الدولة الطاهرية ( 858 ـ 923هـ / 1454ـ 1526م ) شهدت عدن ازدهارا واسعا في الحياة الاقتصادية , ويقول عبد الله محيرز أن عدن كانت في أوج نشاطها التجاري في عهد بني طاهر وخصوصا في عهد السلطان الملك عامر بن عبد الوهاب الذي حكم اليمن قرابة 29 عاما . وكان يحضر إلى عدن بنفسه في موسم الرياح ليشاهد ويشرف على حركة التجارة في مينائها . وأما ما يتعلق بـ ( باب عدن ) فقد أولته الدولة الطاهرية اهتماما كبيرا , ويبدو أنها أعادت تحصينه بشكل كبير وذلك بسبب رياح الأوضاع السياسية والعسكرية التي هبت على اليمن وموانئه ومنها ميناء عدن في القرن العاشر الهجري ( القرن السادس عشر الميلادي ) , وظل باب عدن حتى غروب شمس الدولة الطاهرية عن سماء اليمن غاية في المنعة ، و القوة في التحصين , وهذا وصف للضابط البندقي الذي رافق هجوم سليمان باشا الأرناؤوطي على عدن سنة ( 944هـ /1538م ) ، فيقول : " والمدينة ـ عدن ـ حصينة جدا , واقعة فوق البحر ، تحيط بها جبال شاهقة، وقلاع ودروب إلا من فتحة طولها ثلاثمئة خطوة توصل بين البلد والساحل عليها بوابات متينة ، وقلاع ، ودروب حصينة " ويعقب الأستاذ عبد الله محيرز على وصف الضابط البندقي ، قائلا : " كان هذا وضع باب عدن وما حوله بعد 400 عام مما كان عليه أيام الهمداني ، المقدسي : شق في جبل عليه بوابة من حديد تطور بعدئذ إلى مؤسسة دفاعية بقلاع ، ودروب ، وعدة أبواب بدلا من باب واحد " . [c1]مع العثمانيين [/c] وفي سنة ( 944هـ / 1538م ) وقعت عدن في يد العثمانيين , وكما هو معروف ومشهور عن الدولة العلية العثمانية أنها كانت دولة عسكرية في المقام الأول . وكان من البديهي أن يعتني العثمانيون بالمواقع الإستراتيجية الحربية الهامة في عدن واللافت للنظرأنا نشاهد بعض القلاع والحصون على سلسلة رؤؤس جبل المنصوري ( الجبل المطل على ساحل أبين أو على خور مكسر بالقرب من محكمة عدن ) . وانصب اهتمام العسكريين العثمانيين على باب عدن, وتم إضافة ثلاثة أبواب عليه تفتح في النهار , وتغلق في الليل , " ... وقد رتب عليها مئة جندي لحراستها ، فلا يدخل ولا يخرج منها أحد بدون أمر رسمي " . [c1]في عهد الإنجليز [/c] وبعد الاحتلال الإنجليزي لعدن سنة 1839م ، أدخلت تعديلات كبيرة وواسعة في معالم تحصينه " ... فقد تغير الباب نهائيا . فأزيلت البوابات ، وبني برج آخر بدل البرج المتردي ـ الذي كان في أواخر عهد العثمانيين في عدن ـ ، وصار استحكاما لا ينفذ أحد منه بدون رقابة . وحول الجسر الذي شيده الإنجليز فوق باب عدن أو العقبة سنة 1867م ، يقول عبد الله محيرز : " وبعد الاحتلال بسنوات بنى الإنجليز جسرا حجريا فوق الباب " . ويضيف محيرز قائلا : " هو الجسر الذي بقى إلى منتصف القرن العشرين ، وأصبح معلما من معالم العقبة ، وعرفت به . وقد بدأ بناؤه في يناير 1867 وانتهى في السنة التي تلتها " . [c1]وتطايرت أشلاؤه [/c] والحقيقة أن الجسر الذي بنته السلطات البريطانية في سنة 1867م ـ كما قلنا سابقا ـ ظهر على مسرح أحداث عدن في فترة الستينات بقوة حيث رأى المجلس التشريعي العدني والمجلس المحلي و السلطات البريطانية بضرورة إزالته وتوسيع الطريق الذي تحته , وبعد مناقشات وجدل حامية الوطيس على الصحف . أنتصر أخيرا الرأي الذي يقول بضرورة هدمه , وقد حدث ذلك " في 17 إبريل 1963 . هدم الجسر وتطايرت أشلاؤه وعاد باب عدن كما كان أيام الهمداني : (( شصر من جبل )) " . وكيفما كان الأمر ، فإن قصة العقبة أو باب عدن على الرغم من التفاصيل الواسعة والعميقة الذي شرحها وفسرها الأستاذ عبد الله محيرز في مختلف جوانبه التاريخية ، فإننا لا نعلم على وجه اليقين في عهد من شق بطن الجبل ومن أمر بشقه ؟ . ليصير ( باب عدن ) الذي قال عنه الجغرافي المقدسي من عجائب الدنيا . [c1]اسم عدن [/c] ومثلما لم يعرف في عهد من شق بطن صخر الجبل ، فإنه ـ كذلك ـ لم يعرف على وجه الدقة ماذا يعني اسم ( عدن )! وعلى الرغم أن القواميس والمعاجم اللغوية فسرتها وشرحتها إلا أنها كانت كلها تفسيرات يلفها الغموض الكثيف والاضطراب الشديد وأحيانا كثيرا كانت تقفز تلك المعاجم اللغوية فوق التاريخ والمعقول . و ما هي أقدم المصادر التي أشارت إلى اسم عدن ؟. وإذا ذكر اسمها في تلك المصادر القديمة المتمثلة بالنقوش ، بالعهد القديم ( التوراة ) ، وفي كتابات الجغرافيين القدامى كبطليموس و المصادر العربية وغيرها كثير . فهل يعني هذا اسم ( عدن ) الذي نحن في صدد الحديث عنها ؟. وعلى الرغم من شهرة وبعد صوت المدينة ومينائها ، فإن اسمها مازال في أعماق المجهول كل تلك التساؤلات يعرضها الأستاذ عبد الله محيرز على بساط البحث . وربما كان مناسبا هنا أن نقتبس فقرة من كلامه في شرح وتفسير اسم ( عدن ) : " وتعليل اسم عدن نفسه صعب , ومعرفة العهد الذي سميت به أصعب. كما صعب التمييز بين ما سميت بها عدن من المدن , خاصة ماورد ذكرها قبل أو صدر الإسلام . وقد نسج متأخرو الإخباريين حول المدينة واسمها صنوفا من الأساطير وتفننوا في تعليل اسمها تعليلات لم تكن تخلو من مبالغة حينا ، وطرافة أحيانا . ونتج من ذلك حصيلة ـ لم يسبق أن خص بها بلد آخر ـ من التعليلات ، هي مسخ بين اشتقاقات لغوية ، وأوهام تاريخية لفقت بإصرار ساذج ، واستشهد بها أجيال من المؤرخين : إما لعدم وجود بديل لها ، أو للطرافة فحسب " . [c1]دكة الكباش[/c] مدينة كانت ملء السمع والبصر والفؤاد ، ذكرتها المصادر التاريخية بأنها تبوأت مكانة كبيرة في تاريخ الرسوليين والطاهريين . وكانت مدينة عسكرية تتوقف عندها الجيوش للتجمع بها وبعدها تشن حملة على مدينة عدن عبر باب عدن الطريق البري الوحيد الذي يربط المدينة بأجزاء كثيرة من اليمن . والحقيقة لم تقتصر مهمة تلك المدينة أو القرية على الأنشطة العسكرية فحسب بل كانت محطة استراحة وتجمع للقوافل القادمة من مناطق مختلفة في اليمن استعدادا لدخولها إلى المدينة عبر باب عدن أو العقبة أو الباب البري , والجدير بالذكر أن تلك القرية كانت تسمى ( المباه ) وفي ذلك يقول عبد الله محيرز : " ويصفها أبو مخرمة بأنها : " قرية صغيرة تحت عدن ، بينها وبين عدن ربع فرسخ ، سميت بذلك لأن من خرج من عدن سائرا أقام بها على أن يتكامل بقية الرفقة ، ويسيرون جميعا . وكذلك القوافل الواصلة إلى عدن كانوا يقيمون بها ويتهيئون للدخول بالغسيل ولبس الثياب ، ونحو ذلك " . ويرسم المؤرخ بامخرمة المتوفى سنة ( 947هـ /1540م ) صورة عن تلك القرية التي تحمل اسم ( المباة ) بأنها كانت تموج بالحركة والنشاط التجاري ، فيقول " وكان بها دكاكين ومحلاجه ، وبيوت وغالب أهلها صيادون ، ويحرقون النورة والحطم . وبها مسجد قيم خرب فجدد عمارته السلطان صلاح الدين عامر عبد الوهاب ... ورتب فيه، ومؤذنا ، وخطيبا يخطب بالناس يوم الجمعة ، ونصب به منبرا " . وأما حول سبب تسمية القرية باسم ( المباه ) ، يقول عبد الله محيرز في ذلك ( نقلا ) عن بامخرمة : " ويعلل أبو مخرمة تسميتها : " فلعل ( المباه ) ، المباءة بالهمزة والمد من التبوء ، ولما كثر استعمال العامة لها خففوها بإزالة الهمزة ، والمد ". ويضيف محيرز ، فيقول : " وفي القاموس : المباءة هي المنزل " . وكيف كان الأمر ، فقرية ( المباه ) موقعها الحالي هو ( دكة الكباش ) بالمعلا . والجدير بالذكر فإن ذلك التعريف أو تلك التعريفات تعد من الاحتمالات أو الافتراضات وليس من القرائن والدلائل الواضحة والقاطعة ، وإنما هي محاولة للوصول إلى أقرب نقطة من قلب الحقيقة التاريخية . [c1]الهوامش [/c]عبد الله أحمد محيرز ؛ العقبة ( دراسة تحليلية جغرافية وتاريخية لجانب من مدينة عدن ) , وزارة الثقافة ـ الجمهورية اليمنية ـ .الدكتور محمد الشميري ؛ عدن دراسة في أحوالها السياسية والاقتصادية ( 476ـ 627 هـ / 1083 ـ 1229م ) ، الطبعة الثانية 2004م ، دار جامعة للطباعة والنشر ـ عدن ـ الجمهورية اليمنية ـ . القاضي إسماعيل بن علي الاكوع ؛ الدولة الرسولية في اليمن ، الطبعة الاولى 2003م ، دار جامعة عدن للطباعة والنشر ، عدن ـ الجمهورية اليمنية
|
تاريخ
قـصة بـاب عـدن
أخبار متعلقة