التربية الجنسية تتطلب الصدق مع الأبناء .. الجزء الثاني
عندما نواجه بأسئلة نحار بالرد عليها واحياناً نجهل كيفية الرد فالسؤال يطرح من صغير يريد ان يعرف وان لم يجد الاجابة عندنا سيبحث عنها في مكان آخر وهنا تكمن الخطورة ان التربية الجنسية تكون سليمة بالصدق في التبليغ ومراعاة السن في التفصيل التربية الجنسية هي عملية توصيل المعلومات المرتبطة بموضوع الجنس والحياة الجنسية الى الاطفال والمراهقين ، وطبعاً تتم عبر مراحل وبشكل تدريجي وبمصطلحات تحفظ عنصري الوقار والاحترام بين الآباء والابناء ، والهدف من التربية الجنسية اعداد الطفل لحياة جنسية طبيعية وعادية ، خالية من المشاكل والعقد ، وتكون مبنية على قواعد علمية ومعلومات صحيحة ومضبوطة في هذا الحوار يبسط البروفيسور / كمال الرضاوي "نائب رئيس الجمعية العالمية للعلاج النفسي" وطبيب نفساني بالمركز الاستشفائي ابن سيناء بالرباط ، واستاذ بكلية الطب بالرباط ، قضايا التربية الجنسية لدى الابناء وطرق التلقين مؤكداً ان التصدي لهذه المهمة تتطلب الصدق مع الابناء والتدرج في معالجة بعض المسائل التي تبدو محرجة للآباء ، حتى لا تترك الفرصة لتسرب المعلومات المشوهة والمغلوطة التي تجعل الموضوع يحمل طابعاً دينياً ومخجلاً وعدواناً .[c1]* يشتكي مجموعة من الآباء من بعض السلوكيات التي يمارسها ابناؤهم في مراحل طفولتهم الاولى كاللعب باعضائهم التناسلية ، فكيف نفسر هذه العادة ؟[/c]- الطفل في مرحلته الاولى انساناً عادياً ، لا يفرق بين اعضاء جسمه ، ولا يحس بأن هناك تمايزاً بين عضو وعضو ، وعندما يصل الى مرحلة اكتشاف الذات ومرحلة التعرف على العالم من حوله فانه يلمس كل شيء ، ويعبث بأي شيء ، من جملة الاعضاء التي يلمسها ويعبث بها عضوه التناسلي ، ويزيد اهتمامه بذلك العضو من خلال احساسه باللذة ، دون ان يعلم وظيفة ذلك العضو طبعاً ، فيحاول تكرار عملية اللمس ، وهذا اكتشاف طبيعي لكن تبدأ المشكلة عندما يلاحظ الطفل او والديه لا يمنعانه من لمس اي عضو من جسده باستثناء تلك المنطقة ، دون تقديم أي تبرير ، وأي شخص لا يستطيع ان يفسر لطفل الثالثة او الرابعة سبب منعه من لمس اعضائه التناسلية لان أي تفسير سيكون اكبر من مستوى ادراكه وفهمه ، اذن فالطفل يصطدم بالمنع قبل التفسير ، وفي الغالب التربية تبتدىء بهذا الشكل "افعل ما اقوله لك وعندما ستكبر ستفهم" والطفل لا يستوعب هذا الكلام لانه يريد ان يقتنع بالشيء لانه صريح ويحب الصراحة ، ويطرح اسئلة ويقوم بسلوكيات دون ان يعلم ان كانت محرجة ام لا ، وهو عندما يلمس اعضائه التناسلية لا يشعر بحرج لانه غير واعٍ بهذا البعد ، وانما فقط لشعوره باللذة ، وعندما يقمع او يتعرض للعنف من اجل الاقلاع عن هذا الفعل فإنه يلجأ الى وسائل ملتوية للاستمتاع كالابتعاد عن نظر والديه من أجل ممارسة هذه العادة او يستغل فترة ذهابه الى الفراش .[c1]* افهم من كلامكم بروفسور ان الطفل لا يجب ان يتعرض للعقاب جراء هذا الفعل ؟[/c]- ان لمس الطفل لجهازه التناسلي هو امر طبيعي ، وعادي جداً ، لان الطفل وهو يمارس هذه العادة تغيب عن ذهنه وظيفة ذلك العضو ، ولا يفرق بينه وبين سائر الاجزاء الاخرى من جسده ، والطفل مع مرور الوقت سيقلع عن هذه العادة بشكل عادي وتدريجي .[c1]* اذن كيف يجب ان يتعامل الآباء في مساعدة الابناء للاقلاع عن هذه العادة ؟[/c]- اننا عندما نطلب من الطفل الاقلاع عن هذه العادة فاننا نطلب منه تصرفاً منسجماً مع طريقة فهمنا للاشياء ، والطفل لم يصل بعد الى هذا المستوى من الفهم ، فهذا اذن تناقض واضح لاننا نطلب من الطفل القيام بأشياء في غياب تفسير مقنع ، كما قلت في السابق فاننا حتى وان حاولنا شرح حقيقة الاشياء للطفل فانه لا يستطيع الادراك ، ومحاولة تركيز الآباء على هذه النقطة ، ويشعر الطفل بأن هناك خصوصية بالنسبة لهذه الاعضاء ، فيركز عليها اكثر ، ويزيد اهتمامه بها كذلك ، وفي اغلب الحالات يلجأ الآباء الى تعنيف الطفل وتعريضه للعقاب والمراقبة ، وعندما لا يستجيب للعقاب ولا يقلع عن هذه العادة يلجؤون الى تشويه صورة ذلك العضو في ذهنه وذلك بقولهم للطفل (عيب ان تلمس ذلك المكان ، سيعذبك اللَّه ذلك مكان نجس) ، مما يكون لدى الطفل فكرة خاطئة ومحرجة ، بل ترتسم في ذهنه صورة مشوهة لكل ما له ارتباط بالجنس .[c1]* في نظركم ماهو التعامل الصحيح في هذه الحالة ؟[/c]- التعامل الايجابي مع هذه الحالة هو ترك الطفل على حريته ، يمارس عمله بشكل عادي ، لانه وكما قلت الطفل لاينظر الى هذه الاعضاء نظرة خاصة ، واذا استطاع الآباء ان يصرفوا نظره الى التسلية بوسائل اخرى دون تعنيف بالطبع ، ودون ان يشعروه بأن لتلك المناطق خصوصية معينة لان هذا الامر - ومازلت اؤكد - سيدفعه الى التركيز والاهتمام بها أكثر .[c1]* هذا الكلام يدفعنا الى طرح تساؤل مرتبط بالموضوع وهو متى تبتدىء التربية الجنسية بالنسبة للاطفال ؟[/c]- ليس هناك سن معينة لبدء تلقين الطفل مبادىء التربية الجنسية ، لان مرحلة اهتمام الاطفال بالمسائل الجنسية تختلف حسب مستوى ملاحظاتهم لمجريات الامور ، وكذا حسب فهمهم وادراكهم لطبيعة الاشياء ، ولكن يمكن ان نقول بأن هناك اسئلة تثار حسب الفئات العمرية فالفترة العمرية من السنة الثانية الى الثالثة تتمحور اسئلة الطفل حول الفارق بين الجنسين ، ومن السنة الثالثة الى السادسة تتركز الاسئلة حول مسألة الحمل والولادة ، اما خلال فترة المراهقة فتنصب الاسئلة حول الامور الجنسية الدقيقة كالزواج والتناسل مثلاً .[c1]* خلال مختلف مراحل النمو تطرح اسئلة متعلقة بالجنس تشغل ذهن الطفل ، فهل ننتظر حتى يسأل الطفل ، أم نبادره نحن بإثار تلك المواضيع ؟[/c]- لا يمكن للاجوبة ان تسبق التساؤلات ، فعلى الطفل ان يتساءل ، ويسأل ، ونعلمه كيف يطرح الاسئلة ، ثم نجيبه على اسئلته ، وهنا يجب على الآباء ان يكونوا على استعداد لأي سؤال مهما كان محرجاً ، وكذلك عليهم ان لا يفصلوا في الاجابات ، وان يراعوا مبدأ التدرج في عملية التربية ، وان لا يتهربوا من الرد على اسئلة ابنائهم ، لان الهروب يدفع الطفل الى الاعتماد على مصادر اخرى تناقض الواقع .[c1]* كيف نستطيع تقريب المسائل الجنسية للاطفال حسب مختلف الفئات العمرية ؟ وهل هناك وسائل تسهل عملية الشرح ؟[/c]- نستطيع تقريب مفهوم الجنس بالنسبة للاطفال دون سن المراهقة بالاعتماد على النظر في الطبيعة ، واثارة انتباههم الى عملية التوالد لدى الحيوانات وكذلك عملية تكاثر النباتات ، وكيف ان اللَّه خلق الذكر والانثى لغاية استمرار الحياة ، ثم نربط بين تلك العمليات وعملية التوالد عند الانسان ، ولكن بأسلوب بسيط وواضح دون التفصيل في الجزئيات ، ثم تأتي مرحلة التحاق الطفل بالمدرسة ، وهنا بامكان تلك المؤسسة ان تصبح مصدراً كذلك للمعلومات ، وتلعب دوراً مهماً في هذا المجال بوسائل علمية بسيطة .[c1]* متى يمكن ان نتحدث مع الاطفال بالتفاصيل عن المسائل الجنسية ؟[/c]- الحديث بالتفصيل عن المسائل الجنسية يجب ان يؤجل الى المرحلة التي تسبق مرحلة البلوغ والمراهقة ، لان في هذه المرحلة يصبح باستطاعة الطفل ادراك المعلومات ، هي فترة مهمة لتأهيله لمرحلة البلوغ ، حتى لا يفاجأ الفتى اذا تبللت ملابسه الداخلية بالمني ، وكذلك حتى لا تفاجأ البنت بظهور دم الحيض ، فالحديث عن هذه الاشياء يجب ان يأخذ وقتاً كافياً حتى لا يصطدم الاطفال مع الواقع الجديد ، وما ينبغي اثارة الانتباه اليه هو ان الطفل عندما يلتحق بالمدرسة يصبح اكثر استجابة للموانع الاجتماعية ، فان اسئلته للوالدين تقل ، باستثناء بعض الابناء الذين تربطهم علاقات متميزة مع الآباء ، ولا يجدون حرجاً في اثارة المواضيع الجنسية معهم ، لذلك يجب على الآباء ان يكونوا على وعي تام بهذا المعطى الجديد ، وعلى وعي كذلك بايجابيات تلقينهم بأنفسهم للمسائل الجنسية بالنسبة لابنائهم ، لان أي امتناع او تهرب يفتح المجال للاصدقاء ومصادر اخرى تحمل معلومات مشوهة عن الجنس والحياة الجنسية .[c1]* يثير بعض الناس مسألة مهمة وهي ان الجيل السابق لم يكن يهتم بموضوع التربية الجنسية ، ولم يمنحوها هذا الاهتمام الزائد فعاشوا حياة طبيعية ، ولم يتعرضوا لمشاكل جنسية سواء في حياتهم الخاصة او في علاقاتهم الزوجية فما رأيكم دكتور في هذا الرأي ؟[/c]- نحن لا نستطيع العيش في الماضي ، والحاضر شيء آخر لان التطورات التي طرات على الحاضر لم يشهدها الماضي ، والعلاقات بين الجنسين قد تغيرت ، ثم ان حركية المعلومات وطريقة استقائها هي الاخرى قد تغيرت ، واصبح بمقدور اي شخص ان يصل الى اي معلومة يرغب فيها ، وهذا الامر لم يكن في الماضي ، والمعلومات المتعلقة بالجنس اصبحت تغزو العالم بفضل التقدم المعلوماتي ، وتوفر وسائلة كالتلفزة والانترنيت ، وغيرها من الوسائل ، اذن في خضم هذا التغير ، وهذا الزخم في المعلومات ، لايمكننا إغفال الحديث عن الجنس وخاصة مع الاطفال حتى نجعلهم يكتشفون هذا العالم بطريقة نظيفة وواضحة ، وبشكل تدريجي يتماشى مع طبيعة المرحلة العمرية ، وهذا افضل من تحريم الخوض في مثل هذه المواضيع وترك الاطفال يصلون الى هذه المعلومات بطرقهم الخاصة . [c1]* لماذا يخشى الناس الخوض في مثل هذه الموضوعات واعتبارها من الاشياء التي يحرم الحديث فيها ؟ [/c]- بشكل عام ، المشكلة ان هناك فراغ في المصطلحات ، اننا لانملك مصطلحات جنسية بسيطة تساعد في عملية ايصال المعلومات ، وكل مانملكه اما مصطلحات علمية معقدة لاتفهم ، او مصطلحات قوية تخدش الحياء وتخون المعنى ، إو مصطلحات الشارع ، والملاحظ ان كبار السن لايستطيعون الحديث عن المسائل الجنسية الا بأسلوب النكت ، اذن مايلزم هو التفكير في مصطلحات نظيفة تحافظ على قيم المجتمع ، تبلغ من خلالها معلومات لتصل إلى المستهدف بأسلوب بسيط ونظيف ومقبول ومحترم ، يؤهل الشخص الى استشراف حياته الجنسية التي سيصلها في يوم من الايام بكل أدب وعلمية واحترام ، اما مسألة الجنس وقضية الخوض فيها ، فنجد ان الاسلام قد تحدث عن هذا الجانب بشكل واضح ، وهذا القلق الذي يصاحب الانسان في حياته الجنسية يجعله يفشل في كثير من الاحيان ، لانه لايتطرق اليها بنوع من الراحة والاطمئنان والمعرفة ، بل انه يكتشف ذلك العالم بشكل صدامي ، ملئ بالمغالطات ، وكذلك الامر بالنسبة للفتاة التي يتملكها الخوف من ممارسة علاقتها الجنسية عند الزواج ، لان المعلومات التي تلقتها عن الجنس تكون خاطئة ، فمثلاً تربى الفتاة على ان اول لقاء جنسي يتسبب في الام كبيرة ، مما يجعل مجموعة من الفتيات لاينجحن في علاقتهن الجنسية مع ازواجهن عند اول لقاء ، وحسب تخصصي فإن كثيراً من الفتيات بقين غير قادرات على ممارسة حياتهن الجنسية بشكل طبيعي لشهور بسبب الهواجس التي تسيطر عليهن، لان التربية الجنسية التي تلقينها عن الجنس كانت خاطئة، واغلب المشاكل بين الازواج والتي غالباً ما تنتهي بالطلاق مردها الى عدم التوافق الجنسي بين الطرفين الناتج طبعاً وفي اغلب الاحيان عن التربية الجنسية المغلوطة والمعلومات المشوهة التي يحملها كل طرف عن الجنس، وانا لا اقول بان الاباء ممنوعون من التحذير والتربية، ولكن من غير المعقول ان تكون التربية مرتبطة بالهلع. وبأن نحكم على كل ما له من ارتباط بالجنس بالسلبية والخجل، وسوء الادب والاخلاق.[c1]* من المؤهل للقيام بعملية التربية الجنسية؟ [/c]- من الافضل ان تتولى الام مهمة التربية الجنسية بالنسبة للفتاة، وان يقوم الاب بنفس الدور بالنسبة للفتى، لكن اذا كان احد الابوين لا يتقن هذه العملية، فالافضل ان يتولى الطرف الاخر هذه المهمة، لكن ما ننصح به في هذا الباب هو مراعاة بعض الامور حتى تكون التربية الجنسية تربية سليمة، ومن جملة ما يمكن الاهتمام به هو الصدق في تبليغ المعلومة، وكذلك عدم التفاصيل في المعلومات بالنسبة للاطفال الصغار، والاستعانة ببعض الوسائل العملية كالتلفزة والفيديو والطبيعة، ثم عندما يشرف ابناؤنا على مرحلة البلوغ يجب ان نعدهم الاعداد الكامل لكافة التغيرات التي ستطرأ على حياتهم بأسلوب يجعلهم متشوقين لهذه المراحل، وعلى الاباء كذلك خلال هذه المرحلة الانتباه الى ان المعلومات التي يتلقاها الأبناء في هذه المرحلة غزيرة مبعثرة ومشوهة في غالب الاحيان، مما يستدعي الحرص على تنقيتها وتصفيتها من كل ما يخرجها عن اهدافها السامية.*المصدر: موقع لها اونلاين