أمين عبدالله إبراهيمبالرغم من التقدم والتطور الحاصل والملحوظ في مجال نشر الوعي بقضايا السكان والصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة وخاصة فيما يتعلق بالتوعية بأهمية تنظيم الأسرة والفوائد الإيجابية التي تعود على صحة الأم والطفل نتيجة استخدام وسائل تنظيم الأسرة للمباعدة وترك فواصل زمنية مناسبة بين كل مولود وآخر، إلا أن استخدام وسائل تنظيم الأسرة في بلادنا - للأسف الشديد - لا يزال ضئيلاً مقارنة بالمعارف والرغبة للاستخدام في مجتمعنا اليمني، كما أنها لا تزال قليلة جداً مقارنة بالعديد من البلدان العربية أو بلدان العالم الثالث، ويعود ذلك إلى العديد من العوامل الموضوعية والذاتية، منها ما هو مرتبط بمنظومة القيم ومنها ما هو مرتبط بالخدمة نفسها وطرق تقديمها وشمولها من عدمه.ولعل أهم العوامل - باعتقادي - التي تعيق استخدام وسائل تنظيم الأسرة هي :- ارتفاع نسبة الأمية لدى الإناث في بلادنا، حيث أكدت نتائج المسوحات والتعدادات أن للتعليم دور كبير وإيجابي في خفض مستوى الخصوبة لدى المرأة.- اعتبار التحكم في الإنجاب عن طريق التباعد بين الولادات إثماً يترتب عليه العقاب، إذ هو في اعتقاد بعضهم تدخل في أمور يجب أن لا يتدخل فيها العبد، ويعمق الإحساس بالذنب لأن التفسير الخاطئ عن تنظيم الأسرة وتأرجحه بين التحليل والتحريم، وتأثر المجتمع الريفي على وجه الخصوص بالرأي القاصر والخاطئ بأن تنظيم الأسرة يتعارض مع مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف.- العادات والتقاليد تلعب دوراً أساسياً في تحديد الزواج المبكر، والإسراع بالحصول على المولود الأول، بالإضافة إلى ميول الأسرة اليمنية إلى العدد الكبير للأولاد لعدة أسباب : إحلال المفقود من الأطفال نتيجة لوفيات الأطفال المرتفعة، اعتبار الأطفال وكثرتهم قيمة اقتصادية تساعد في العمل حيث أن حاجة الأب تشتد إلى عمالة أولاده لزيادة دخل الأسرة، تفضيل الذكور من الأولاد عن الإناث حيث تسعى بعض الأسر في الاسترسال بالولادات حتى يحصلوا على الولد “الذكر” أو يزيدوا من عددهم واعتبار الذكور وجاهة اجتماعية للأم والأب على السواء وللأسرة بشكل عام، رغبة الزوجة ولو على مضض بإشباع رغبة الزوج أو أسرته بضرورة وجود طفل/ أطفال من الذكور على الرغم من وجود عدد معقول من الأطفال الإناث، وكذا اعتزاز المرأة بإثبات أنوثتها بالعدد الكبير من الأطفال ذكوراً وإناثاً، هيمنة مفهوم الأسرة الممتدة في المجتمع اليمني وسيطرة الأسرة على توقيت زواج أبنائهم ذكوراً وإناثاً وكذا تحديد عدد كبير من الأطفال الذين لابد لأبنائهم من الحصول عليهم وإنجابهم.- هيمنة الزوج على تحديد عدد الأطفال الذين يريدهم بغض النظر - للأسف- عن فهمه لتبعات ذلك على صحة زوجته، إما لعدم فهمه للمخاطر التي تترتب على الولادات المتكررة والمتعاقبة على صحة زوجته أو لعدم مبالاته بذلك ولمواجهة هذه العوامل التي تؤثر سلباً على استخدام وسائل تنظيم الأسرة، لابد من تبني سياسات معينة في مواضيع معددة أو إيضاح ما يجب توضيحه إحقاقاً للحق، وتغيير مسلكيات خاطئة مبنية على معارف ومعلومات قاصرة أو مغلوطة، ومن أهم هذه المعالجات :- التركيز الشديد على تعليم الإناث ومحو الأمية لدى من لسن في سن التعليم الرسمي، ونشر الثقافة الصحية عن مخاطر الولادات المتكررة ذات الفاصلة الزمنية الصغيرة بين ولادة وأخرى على صحة الأم والطفل، على حد سواء، والتأكيد على منافع تنظيم الأسرة سواء للأم أو للطفل أو للأسرة والمجتمع بأكمله.- العودة إلى مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف الذي حث على الرضاعة الطبيعية لما فيها من فوائد تغذوية للطفل وصحية للأم بما فيها المباعدة بين الولادات قال تعالى :”والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة” سورة البقرة آية 233، فإذا كانت فترة الرضاعة الموصى بها حولين كاملين، يضاف إليهما عام الحمل فبهذا يكون الفرق بين المولود والذي يليه حوالي ثلاث سنوات، وهي فترة مناسبة ليأخذ الطفل حقه من العناية والرعاية قبل أن يأتي طفل آخر، وكذا لتستعيد الأم صحتها وقدرتها الفسيولوجية.كما جاء في السنة الشريفة عن جابر رضي الله عنه قال :” كنا نعزل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل عليه فلم ينهنا”، رواه مسلم.أما العلماء المحدثون فقد استدلوا من أحاديث العزل على جواز استخدام وسائل أخرى، تؤدي الغرض وتباعد بين فترات الحمل مثل بعض العوازل التي يستخدمها الرجل أو المرأة كالعازل الذكري وعازل عنق الرحم أو أقراص منع الحمل، أو اللولب، أو الحقن أو غيرها، ومن هؤلاء العلماء الذين أجازوا ذلك الشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ محمد شلتوت، والشيخ محمد الشعراوي، والشيخ حسن مأمون، والشيخ سيد سابق في كتابه فقه السنة.والعزل معروف بأنه إحدى الوسائل التقليدية لتنظيم الأسرة، بالإضافة إلى أن الحمل والوضع يسبب متاعب صحية للأم، ناهيك عن تكراره وقصر الفترة الزمنية الفاصلة بين ولادة وأخرى وما تسببه من زيادة في مراضة ووفيات الأطفال والأمهات، وقد أمرنا الله عز وجل بألا نرمي أنفسنا إلى التهلكة حيث قال عز من قائل : “ أنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين” سورة البقرة آية 194، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : “كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول “.ويكفي أن نقول أن العلم أثبت أن الولادات المتكررة والمتقاربة من حيث الزمن تؤدي إلى خلفة ضعيفة، وأن ذلك مرتبط بمراضة ووفيات الأطفال، وأن كثرة الأطفال قد تؤدي إلى إصابتهم المتكررة بالأمراض لاسيما عندما تكون في مجتمع يتسم بمحدودية دخل أفراده، وهذا هو ضياع الشخص لمن يعول، لأنه لا يستطيع تربيتهم وتعليمهم وتوفير المخصصات اللازمة لعلاجهم.
معوقات تنظيم الأسرة وكيفية مواجهتها
أخبار متعلقة