نبض القلم
إذا تأملنا في بعض الأحاديث النبوية الشريفة لوجدناها تعالج كثيراً من قضايا الإنسان المعاصر، وتصف بعض ما يعانيه من علل، بل وتقدم الحلول المناسبة لكثير من المشكلات الإنسانية المعاصرة. ولنتأمل مثلاً في هذا الحديث الشريف الذي رواه ومسلم وغيرهما عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( با يعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف ، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله عزوجل ، فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه ، وإن شاء عاقبه ، فبايعناه على ذلك ). ويخبرنا هذا الحديث الشريف عن ستة أشياء إذا وجدت في أي مجتمع فإنها تكون سبب خرابه ودماره، أما إذا اختفت منه، فإنه سيصبح مجتمعاً سعيداً، تحتذيه المجتمعات الأخرى. ويشير هذا الحديث إلى أن هناك مبايعة قد تمت بين ثلاثة أطراف ، وهم البائع والمشتري ، والوسيط الذي سعى لانجاح البيعة، فالبائع هنا هم المؤمنون ، والمشتري هو الله تعالى ، أما الوسيط فهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وتكون البيعة أو المبايعة على ستة أشياء، هي : المبايعة الأولى : على توحيد الله، وعدم الشرك به، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (با يعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً ) لأن الإيمان بالله وتوحيده درع واق للإنسان من كل ما يحيق به من أخطار، والإيمان المقبول هو الذي لا يخالطه شك أوريب ، وينتج عنه معرفة الحق وإتباعه ، قال تعالى: ( فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب) أما غير المؤمنين فإنهم يعرضون عن الحق، فيظلون على جهلهم ومعرضين عن الهداية ، قال تعالى : (وما تأيتهم من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين). والمبايعة الثانية : على عدم السرقة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولا تسرقوا) والسرقة هي أخذ حق من حقوق الآخرين خفية ، سواء كان هذا الحق مالاً، أو إنتاجاً فكرياً ، أو نحو ذلك، أي أن المأخوذ هو حق للغير، ولاحق فيه لمن أخذه عن طريق السرقة، فالسارق ظالم، وهو معتد أثيم ، لأنه أضر بمجتمعه ، وأخاف الناس وهدد أمنهم واستقرارهم. والجوع هو أحد أسباب السرقة ، فإذا عمل جميع أفراد المجتمع أمنوا الفاقة وتحاشوا الجوع، لذا لابد أن يتعاون أفراد المجتمع على محاربة الفقر، حتى لايبقى في وسطهم جائع تضطره الظروف للسرقة ، أو للجوء إلى التسول ، فإذا وجد الفقر في أي مجتمع انتشرت في وسطه الجريمة، وكثرت فيه الخصومات، وعمت فيه الفوضى ، وعندئذ يجد الفقير نفسه مضطراً للسرقة، لأن المجتمع لم يأخذ بيده، ولم يساعده ليأكل من عمل يده. والمبايعة الثالثة : على عدم انتهاك المحرمات أو الاعتداء على أعراض الناس بالزنا أو غيره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ولا تزنوا ) لأن في الزنا قلب للحقائق ، وينتج عنه اختلاط الأنساب ، فإذا اختلطت الأنساب ضاعت صلات القربى ، وتلاشى التراحم بين الناس ، وفي ذلك خطر على المجتمع ، وربما يكون سبباً في انهيار بنيانه ، وفقدان تماسكه. المبايعة الرابعة : على عدم ازهاق النفس البريئة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ولا تقتلوا أولادكم ) ومتى يقتل الإنسان ولده؟ يقتله حينما يهمل تربيته، ولا يرعاه ، فيشب الولد غير عابئ بواجب الأبوة وغير معترف بحق الأسرة عليه، وغير مكترث بقيم المجتمع وتقاليده، فينحرف عن القيم الاجتماعية ، فيسلك سلوكات خاطئة ويختلط بأصدقاء السوء، الذين ربما يقودونه إلى الإجرام ، فإذا صار مجرماً ربما يتعرض للقتل. المبايعة الخامسة : هي النهي عن الفتنة في المجتمع، لأن الفتنة أشد من القتل، فالمسلم الصحيح لاينبغي له أن يدعي على الناس ما ليس فيهم، ولايرميهم بالباطل من القول أو العمل ، ولا يعمد لإثارة النزاعات والخصومات في أوساطهم ، ولا يبث في أوساطهم ثقافة الكراهية ليضرب بعضهم بعضا، فذلك هو البهتان الذين نهى عنه الحديث الشريف بقوله: ( ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ) والبهتان هو سعي المرء لفضح الآخرين، وهو أخطر من الكذب، لارتباطه بالفضيحة، والافتراء هو اختلاق الكذب والقول بأشياء لاصلة لها بالواقع ، بدافع بث الإشاعة، واختلاق الأزمات، وإثارة الفتن في المجتمع ، كما هو حاصل في أيامنا هذه. والمبايعة السادسة : على طاعة الله و رسوله وأولي الأمر في الأمور المتعارف عليها والتي تؤدي إلى المحبة والوئام والصفح والتسامح والسلام الاجتماعي ، وهو ما أشار إليه الحديث بقوله: ( ولا تعصوا بمعروف ) ، ومادام الأمر كذلك لماذا لا نجدد البيعة على هذه الأمور الستة؟[c1]* خطيب جامع الهاشمي الشيخ عثمان[/c]