تونس تحتفل بالذكرى 19 لتحول السابع من نوفمبر 1978م (1-2)
[c1]* تحقيق معدل نمو 5% وخفض الفقر الى 4% وارتفاع الطبقة الوسطى الى 80%[/c]
صنعاء/اعداد/ رمزي الحزمي:تحتفل الجمهورية التونسية يوم 07 نوفمبر 2006 بالذّكرى 19 لتحول السابع من نوفمبر المبارك، 19 سنة من البناء والتشييد من أجل تأكيد جدارة كل التونسيين بحياة كريمة ودولة عصريّة يُحترم فيها الفرد وتُصان فيها حقوقه ويمتلك فيها مصيره وتنمو فيها طموحاته.وإذ يقف الشعب التونسيّ اليوم بكثير من العرفان والتقدير لصانع التغيير الرئيس زين العابدين بن علي الذي ما انفك بمساهمة كافة فئات المجتمع بالعمل السخي من أجل النهوض بتونس ليجعلها في مصاف الدول المتقدمة في كافة المجالات وتمكينها من المزيد من الإشعاع في محيطها الإقليمي والدولي، تبقى هذه المناسبة فرصة حقيقية لتقييم الانجازات وتثمينها.والمتأمّل في حصيلة ما أنجز في تونس خلال 19 سنة من التغيير، يلاحظ مشهدا سياسيّا متعدّد الوجوه وطموحا حقيقيّا لتأسيس مرحلة سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة، تكرّس جمهوريّة الغد المتحفزة للامتياز والعمل مع الدول الشقيقة والصديقة لاستتباب الأمن والسلام. وتكشف الإنجازات الاقتصاديّة التي تم تحقيقها سلامة الاختيارات والتوجّهات، وفي هذا الإطار يمكن أن نشير على سبيل الذّكر بلوغ تونس وخلال العشريّة الأخيرة معدّل نموّ اقتصاديّ في حدود 5% وانخفاض نسبة الفقر إلى 4% من النّسبة العامّة للسكّان وتحقيق نسبة تكرس في حدود 100 وارتفاع نسبة الطبقة الوسطى في المجتمع إلى حوالي 80%.ونستعرض في هذه المساحة بعض ثوابت تحول السابع من نوفمبر 1987 وابرز ما تحقّق خلال مسيرة التغيير في المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والتّي تبرز حجم التحدّيات التّي قرّرت تونس رفعها منذ فجر التغيير:[c1]تحول السابع من نوفمبر 1987[/c]مثّل يوم 7 نوفمبر 1987 محطة بارزة في تاريخ تونس العريق انفتحت بها صفحة جديدة واعدة. فقد وضع التغيير حدا لمخاطر الوهن والتلاشي التي هدّدت البلاد طوال سنين، كما أنه أذن بميلاد مستقبل جديد. فارتقاء زين العابدين بن علي إلى أعلى هرم السلطة في كنف إجماع منقطع النظير قد أتى في موعده ليصون سلامة البلاد ولحمتها الاجتماعية وحتى وحدتها. ففي 7 نوفمبر 1987 استعادت تونس مجددا زمام مصيرها، وفتحت ذراعيها لمستقبل واعد بالآمال. وقد قابل الشعب نداء السابع من نوفمبر بحماسة وتأييد واسع، ذلك أنه رأى فيه فاتحة عهد جديد. فقبل عامين من سقوط جدار برلين، الذي رمى بالعملاق السوفيتي السابق في أحضان اقتصاد السوق والديمقراطية، شهدت تونس ربيعها الديمقراطي وعرفت منعرجا اقتصاديا واجتماعيا أشرعت به أبواب الأمل في المستقبل واسعة رحبة. والمؤكد أن حركة الإصلاح الشامل لتحول السابع من نوفمبر قد استندت إلى جملة من المنطلقات والقيم المرجعية من أبرزها الوعي العميق بتاريخ الوطن وبعراقة الشعب وإسهاماته الحضارية عبر العصور والتي تواصلت على امتداد أكثر من ثلاثة آلاف سنة بما يخول له اليوم، عن جدارة، منزلة الشريك الكامل في التراث الإنساني وفي ما أفرزه من قيم ومفاهيم عبر عصور طويلة من التاريخ. واستلهم المشروع الحضاري لتحول السابع من نوفمبر من الحركة الإصلاحية التحديثية التي أسهم في تشكيل أدبياتها وإثراء مضامينها عدد هام من رموز النهضة الحديثة في تونس من أمثال أحمد بن أبي الضياف وخير الدين باشا والبشير صفر وسالم بوحاجب وغيرهم ليتواصل السند في الإصلاح من خير الدين إلى زين العابدين بن علي مرورا بالطاهر الحداد والحبيب بورقيبة...، من دستور سنة 1861 إلى بيان 7 نوفمبر 1987... ولقد أكّد الرئيس زين العابدين بن علي في أكثر من مناسبة تقديره لإسهامات هؤلاء المصلحين ووفاءه لتطلعاتهم وطموحاتهم في الحداثة والحرية ومواكبة التطور على المستوى الإنساني، والمؤكد أن روح هذه الحركة وأهدافها وقيمها المتجذرة في ضمير الشعب وفي نخبه وأدبياته كانت حاضرة بوضوح في مرجعية تحول السابع من نوفمبر ومنطلقاته، كما جسدت نضالات الحركة التحريرية الوطنية السند المرجعي الأساسي في صياغة الأهداف الوطنية الكبرى التي حملها عهد التغيير. واستند تحول السابع من نوفمبر، من ناحية أخرى، إلى وعي مبكر بحركة التاريخ وما يشهده عالم اليوم من تحولات متسارعة تطرح تحديات جسيمة يتحتّم أخذها بعين الاعتبار في كل مشروع إصلاحي جاد. وكان من مقتضيات إنجاز الإصلاح الشامل تنقية الأجواء وإرساء المصالحة الوطنية لبناء قاعدة صلبة للتغيير وضمان إسهام الجميع في إثرائه ودفع مساره. وانطلق العمل الدؤوب وتواصل منذ فجر التغيير في ثورة هادئة تمارس التغيير في أعمق معانيه، وتسعى إلى توظيف جهود الجميع من أجل الجميع وتترفع عن نبش ترسبات الماضي وتناقضاته وتصفية الحسابات... ولقد أعلن الرئيس زين العابدين بن علي في أكثر من مناسبة : "إنّ تونس لجميع التونسيين وإنها بحاجة إلى جهود أبنائها وبناتها وعبقريتهم وقدرتهم على البناء والإضافة وإن المهم هو أن ننجز في تبصّر وبروح وطنية عالية عملية الإنقاذ والإصلاح والتأسيس..." شهدت تونس، قبل تحول السابع من نوفمبر، صراعات مختلفة الأبعاد : سياسية إيديولوجية... أسهمت في إضعاف الجبهة الداخلية، لذلك كانت أولويات نظام السابع من نوفمبر التخلص من كل معوقات المصالحة الوطنية وتمتين الجبهة الداخلية والاستفادة من التجارب السابقة. وانبنت مقاربة التحول، في هذا المجال، على ثوابت يمكن إجمالها في الأسس الثلاثة التالية: المصالحة التاريخية والمصالحة السياسية والمصالحة الاقتصادية والاجتماعية.[c1]إنجازات تحول السابع من نوفمبر 1987- المصالحة الوطنية:[/c] شهدت تونس، قبل تحول السابع من نوفمبر، صراعات مختلفة الأبعاد : سياسية وإيديولوجية... أسهمت في إضعاف الجبهة الداخلية، لذلك كانت أولويات تحول السابع من نوفمبر التخلص من كل معوقات المصالحة الوطنية وتمتين الجبهة الداخلية والاستفادة من التجارب السابقة.
[c1]- المصالحة التاريخية:[/c] كانت الأولوية في مشروع التغيير هي تحقيق المصالحة التاريخية في كل أبعادها وقطع الطريق أمام كل توظيف للهوية باعتبارها قاسما مشتركا بين جميع التونسيين يجعلهم قادرين على مواجهة تطورات الحداثة. وقد أعاد بيان السابع من نوفمبر الذي أعلنه الرئيس بن علي صبيحة اليوم الأول للتغيير الاعتبار لهوية البلاد وشعبها، وكرسها رافدا أصيلا وعامل إضافة في ترسيخ القيم الإنسانية السامية وتثبيت المعاني النبيلة لدى كل أجيال التونسيين في زمن أصحبت فيه العولمة والتعددية الثقافية من أبرز مستجدات القرن الواحد والعشرين. وقد مثلت إعادة الاعتبار للذاكرة الوطنية الوجه الآخر لتأكيد شرعية التغيير وتكريسا لمعنى الاستمرارية. فالمشروع التحديثي وازن بين مقتضيات التفتح وخصوصيات الهوية. [c1]المصالحة السياسية- دعم المسار التعددي:[/c] تم إثر تغيير السابع من نوفمبر 1987 وما حققه من مصالحة وطنية وتجديد للحياة السياسية بقيادة الرئيس زين العابدين بن علي، إرساء إطار سياسي جديد،تواصل في التسعينات، دعم المسار التعددي وتطوّر التجمع الدستوري الديمقراطي من حزب واحد إلى حزب الأغلبية ممهدا الطريق أمام التعددية السياسية. [c1]- حزب الدستور، من الانفراد إلى التعايش مع المعارضة:[/c] كان للحزب الدستوري التونسي موقع متميّز في الحياة السياسية التونسية منذ تأسيسه في 1920، ودور فاعل في مرحلة الكفاح التحريري وبناء دولة الاستقلال.ومنذ أواخر سبعينات القرن العشرين، تعددت الصعوبات التي واجهها الحزب باعتباره الحزب الحاكم، فتضاءل إشعاعه وانحسرت قواعده، وتأثر سلبا بالصراع على السلطة في الثمانينات. وجاء تحوّل السابع من نوفمبر 1987 ليكون بمثابة بعث جديد للحزب مكّنه من الاضطلاع بأمانة التغيير، وتجديد رسالته من خلال الإصلاحات التي شملته وتحديد علاقته بالدولة والتعايش مع المعارضة.[c1]- من الحزب الاشتراكي الدستوري إلى التجمع الدستوري الديمقراطي : الخطاب الجديد والانفتاح السياسي:[/c]أثار بعض المثقفين خيار إنشاء حزب جديد (حزب التغيير)، مباشرة إثر التحوّل، بديلا عن الحزب الاشتراكي الدستوري. غير أن الرئيس زين العابدين بن علي قرر التمسّك بالحزب على أساس تجديده بإعداده للتعايش مع المعارضة في الحياة السياسية للبلاد وذلك بتغيير خطابه وباستعادة بعده الجماهيري بالانفتاح على مختلف النخب والفئات الاجتماعية.[c1]- الخطاب الجديد:[/c]بدأ إصلاح الحزب بتغيير تسميته إثر النقد الذاتي الذي شخص ملامح الوهن فيه وأسبابه فكانت التسمية الجديدة : التجمع الدستوري الديمقراطي (فيفري 1988). ويحمل استبدال تسمية (الحزب) بـ (التجمع) دلالة واضحة على فكرة جمع التونسيين والتونسيات حول مشروع مجتمعي جديد، كما يعني التفتّح على كل الشرائح والفئات ومختلف مكونات المجتمع في إطار برنامج السابع من نوفمبر. وهدفت عبارة (الدستوري) إلى المحافظة على عراقة التنظيم، بينما قصدت عبارة (الديمقراطي) التوجه الذي أعلنه بيان السابع من نوفمبر إلى تكريس التعددية في البلاد.وقد بدأ الإصلاح داخل الحزب بمصالحة مع تاريخه. وسبق أن أقرّ بيان السابع من نوفمبر الدور المتميّز للزعيم الحبيب بورقيبة. وتواصل الاعتراف له بالفضل التاريخي في حياته وعند وفاته (6 أفريل 2000).وتواصل الإصلاح بتجديد الخطاب السياسي للحزب حتى يواكب تطوّر المجتمع التونسي ويتدارك القطيعة الفكرية التي ظهرت مع النخب والشباب. وتمحور تجديد الخطاب السياسي للتجمع حول مشروع بن علي لإرساء دولة القانون والمؤسسات وتعزيز حقوق الإنسان وتكريس التعددية ودعم المجتمع المدني ونشر قيّم التضامن والتسامح. [c1]- تفتّح التجمع على مختلف الكفاءات والشرائح الاجتماعية:[/c] يمثل الانفتاح على الكفاءات ومختلف الشرائح الاجتماعية بعدا عميقا في التغيير داخل الحزب لتدارك الانغلاق الذي كان يعانيه. وفي سياق هذا التوجه، تمكّن التجمع من استقطاب النخب ومنهم المثقفون والأساتذة الجامعيون بعد أن كانوا في قطيعة تكاد تكون كاملة مع الحزب الاشتراكي الدستوري. كما انفتح الحزب من جديد على الشباب وخاصة منهم الطلبة بعد أن كان في قطيعة تكاد تكون كاملة معهم في الثمانينات. إذ أحدث التجمع منظمة طلابية جديدة هي (منظمة طلبة التجمع الدستوري الديمقراطي من أجل الديمقراطية والتقدّم). [c1]المصالحة الاقتصادية والاجتماعية:- الإصلاح الاقتصادي:[/c] رغم الصعوبات والتقلبات الظرفية الداخليّة والخارجيّة، حقق الاقتصاد التونسي، في عهد التغيير، تحولا هيكليّا توضّحت ملامحه خلال التسعينات بإرساء اقتصاد السوق المنفتح على العالم.واندرجت إجراءات التنمية والعولمة ضمن رؤية اقتصاديّة اختارت التحررية الاقتصاديّة المتضامنة، وأنجزت في مسار خطط حركيّة بنجاعة وعلى مراحل. فتجسمت النقلة الاقتصاديّة بتطوّراتها ونتائجها في تغيّرات هيكليّة أسّست لتنويع الاقتصاد التونسي وتأهيله وانفتاحه. وقد تمثّلت السياسة الاقتصاديّة، بالداخل، في إصلاحات هيكليّة أسّست لنظام اقتصادي ومالي ناجع ومتطوّر، وعززت دور الجهة في التنمية وكرست التكامل بين الجهات. كما هيأت الأرضية الملائمة لإقامة علاقات الشراكة مع الخارج. واعتمد إرساء الاقتصاد التونسي المتحرر خلال التسعينات خاصة، إصلاحات هيكليّة ماليّة واسعة وعميقة. وقد تمثّلت هذه الإصلاحات في تعزيز النظام المالي، ودعم المراقبة والمتابعة على مستوى المؤسّسات المصرفية، وتعصير المهن البنكيّة والمالية. وكان الهدف من ذلك تنمية القدرات التنافسيّة للنظام البنكي التونسي حتّى يقوى على تنشيط الاقتصاد الحر في ظل منافسة البنوك الأجنبيّة إثر تحرير الخدمات الماليّة وفقا للاتفاقيّات العالميّة ومنها الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. [c1]- اقتصاد متفتّح على العالم: [/c]وقد انطلق المخطط العاشر للتنمية (2002 - 2006) في محيط شهد تحولات عميقة على الصعيدين الوطني والعالمي خلال العشرية الأخيرة من القرن العشرين أدت إلى بروز أنماط عديدة من العمل والإنتاج والتعليم واتسمت بتعميق مسار العولمة والتحرر الاقتصادي واقتران ذلك بمزيد انفتاح الأسواق واحتداد المنافسة وتدويل عملية الإنتاج والتشابك بين اقتصاديات مختلف البلدان[c1]- التدخلات الاجتماعية:[/c] اعتمدت السياسة الاجتماعية، في عهد التغيير، على رؤية جديدة للمجتمع الصاعد مرتكزة على صيانة الحقوق الأساسية للفرد وتعزيز التضامن والوفاق الاجتماعي، كحلول مستديمة تلائم بين النجاعة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية بهدف تطوير المؤهلات الفردية لدى كل مواطن حتى يسهم في تشييد المشروع المجتمعي.