بين رفض النفسيين وقبول الإعلاميين
القاهرة/14اكتوبر/وكالة الصحافة العربية: أدت المجازر الوحشية المستمرة لجيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين والعزل من أبناء الشعب الفلسطيني إلى ظهور خلافات بين الأكاديميين النفسيين و متخصصين في الإعلام حول ما تتناوله وسائل الإعلام من عرض لصور تلك المذابح، فمنهم من رأى أن عرضها يزيد من حالة الإحباط لدى المشاهد، ما يؤدي إلي تفاقم حالة الغليان في الشارع العربي، في حين يرى آخرون أن عرضها ضروري لكشف بشاعة ووحشية جيش الإحتلال الإسرائيلي ضد المواطنين الفلسطينيين العزل من شيوخ ونساء وأطفال ، فيري د. جمال زهران رئيس قسم العلوم السياسية جامعة قناة السويس أن نشر المشاهد والصور التي جسدت العدوان الإسرائيلي علي الفلسطينيين أمر ضروري للكشف عن عرقلتها لعملية السلام ورغبتها في التدمير والقتل فليس هناك شك، أن هناك تعاطفاً كبيراً حدث بسبب التغطية الإعلامية للحرب علي غزة وهو ما ظهر واضحاً في المساندة العربية والعالمية للقضية الفلسطينية وكشف إسرائيل أمام الكثير من دول العالم التي كانت مخدوعة في هذا العدو المحتل.فيما يؤكد د. طه محمد خليل عضو المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط على الأثر الإيجابي الذي حققه بنشر هذه المشاهد في تعبئة الرأي العام العربي والعالمي ضد ممارسات إسرائيل ، فكانت مدعمة للقضية الفلسطينية بشكل كبير، كما أنها أوضحت مدي العدوان الأمر الذي أثار ردود أفعال عالمية خرجت لتندد به.ويضيف: إنه بدون إبراز هذه المجازر للرأي العام العالمي ما كان يمكن أن تنفضح الصورة الحقيقية لإسرائيل أمام العالم، فمن المؤكد أن الصورة اهتزت نتيجة الحملات الإعلامية المكثفة التي رصدت الحرب على غزة ومديىالوحشية والعنف التي كانت تمارسه ضد الشعب الفلسطيني، لكنه يؤخذ على وسائل الإعلام دورها السلبي أثناء الحرب ، فيرى أن بعض هذه الوسائل كانت سبباً في نشر التفرقة بين العرب بدلاً من أن تسعى إلى توحيد الصف العربي ضد إسرائيل فكانت بعضها تتبنى آراء وتظهرها بالمظهر السلبي، الأمر الذي أثار الكثير من اللغط والفرقة بين العرب وهذا ما ظهر واضحاً في قمة قطر التي عكست انحياز بعض وسائل الإعلام لمواقف بعض الدول والتحامل علي مواقف دول أخرى.ويشير د. خليل إلي أنه كان ينبغي أن تركز هذه الوسائل في تدعيم الوحدة العربية من أجل الوقوف ضد عدوها الإسرائيلي.[c1]رعب وفزع[/c]من جانبه يرى د. جابر الطماوي رئيس قسم الصحافة والإعلام جامعة الأزهر أن نشر مثل هذه المشاهد التي تظهر المجازر ضد الفلسطينيين والتوسع في نشرها ، إنما هو أمر ضروري على الرغم من أن علماء النفس يرفضونها بهذا الشكل لما تخلفه من الرعب والفزع في نفوس الأفراد ،لكن إذا ما قلنا بعدم النشر فإننا نفوت علي أنفسنا فرصة باعتبار أن الإعلام أصبح الآن يمثل أقوي وسائل التأثير والضغط علي الرأي العام، مشيراً إلي أن نشر مشاهد المذابح الإسرائيلية ضد الفلسطينيين كان له نوعان من التأثير، الجزء الأول: يتمثل في دوره البارز في خلق رأي عام متعاطف مع القضية وما يتعرض له هذا الشعب من قتل ودمار من عدو يعرف الفرق بين الحرب وإبادة البشر وهو ما نطلق عليه التأثير الإيجابي.أما النوع الثاني فهو كمية عرض هذه المشاهد بصورة مبالغ فيها لضحايا العدوان الإسرائيلي والذي يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان وهو ما يدعو إلي الاشمئزاز بشكل كبير ،ويضيف بأنه ظهر جلياً مدي التعاطف مع أهل غزة بعد عرض هذه المشاهد للرأي العام بدليل خروج آلاف من المتظاهرين في جميع أنحاء العالم ينددون بالعدوان اللا إنساني في الضغط علي إسرائيل لوقف المجازر ضد الفلسطينيين.أما د. سامي الشريف أستاذ الإعلام الدولي بجامعة القاهرة فيؤكد أن التطور الهائل في وسائل الإعلام خاصة الفضائيات جعلت العالم يشاهد الأحداث فور وقوعها ونقل الأحداث وكأن المشاهد يعيش فيها وبذلك نجحت أن تشكل الآراء إزاء هذه الأحداث التي حدثت ومارستها قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يملكون ما يدافعون به عن أنفسهم ، فهذه المشاهد كان لها بالغ الأثر في تحريك الشارع العالمي.ويضيف إنه لا شك كان لهذا تأثيره الواضح في تحريك مشاعر الغضب لدي كبار المسئولين في العالم والضغط على إسرائيل لوقف عدوانها علي القطاع، لافتاً إلي أن هناك من يتبني موقف الرفض لنشر هذه المشاهد باعتبار أنها ذات تأثير سلبي على الناس وتصدم مشاعرهم ،إلا أنه يتبني الموقف المؤيد للنشر باعتبار أنه في صالح القضية.ويشير د. الشريف إلى نجاح الإعلام الاسرائيلي في قلب الكثير من الحقائق لدي المجتمعات الغربية والتي لا تعرف الكثير عن حقائق الأحداث فقد استطاع أن يصور الحرب على أنها دفاعاً عن النفس ، كما يرى أن الاعلام العربي ساعد بشكل كبير في نجاح الإعلام الإسرائيلي أن ينقل الصورة بشكل مغالط للحقيقة ، ذلك لأن الجانب العربي انشغل بالصراعات العربية والدفاع عن وجهات نظر محدودة وترك الساحة للإعلام الإسرائيلي يشوه ويقلب الحقائق كما يريد.فيما يؤكد د. عبدالرؤف الضبع رئيس قسم الاجتماع بجامعة أسيوط ، أن نشر مثل هذه المشاهد في وسائل الإعلام له جوانبه الإيجابية والسلبية، أما إيجابيته فتتمثل في أن الإعلام أصبح من أهم الوسائل المستخدمة في الحروب شأنها شأن المدافع والطائرات وعندما يوظف بشكل جيد مع أية قضية ، فإنه يصبح عملاً مطلوباً من أجل فضح السياسة الصهيونية وتشكيل رأي عام قوي يقف ضد هذا الكيان الذي تعدي فساده كل الحدود وهو ما تحقق بالفعل ، فهناك الكثير من الدول والهيئات التي تحركت لوقف المجازر التي تحدث في غزة وما كان لذلك أن يحدث لو كان هناك تعتيم علي الأحداث،أما السلبيات فتمثلت في كثافة العرض لهذه المشاهد اللا إنسانية والقتل الوحشي الذي تعرض له شعب غزة ، كما أنه ترك داخلنا الإحساس بالعجز وعدم القدرة علي نصرة إخواننا في حربهم ولم يفرق في القتل بين مقاتل وشيخ وامرأة أو طفل.علي صعيد متصل تري د. مها الكردي أخصائية الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة أن تكرار المشاهد بصورة مبالغ فيها تخلق نوعاً من تبلد الاحساس لدي الرأي العام وهو ما يجعل من رؤيتها أمراً اعتيادياً لا يحرك داخلها أي نوع من الألم الذي يتحقق في حال ما إذا كان النشر بطريقة مقننة، مشيرة إلي الأثر الحيادي الذي حققته نشر تلك المجازر وقامت بها إسرائيل ،كما أوضحت دور الإعلام الذي ينبغي أن نسعي دائماً إلي تفعيله من أجل الحصول علي التأييد الدولي للقضايا العربية المشتركة، مؤكدة علي الدور الذي يمكن أن تقوم به وسائل الإعلام في تحقيق النصر لأية قضية ،ففي الكثير من الحروب كان للإعلام دوره الفعال في إنهائها.ويقول د. أحمد شوقي العقباوي أستاذ الطب النفسي جامعة الأزهر : إن هناك مشكلة كبيرة يقع فيها الإعلام العربي وهو التكرار المبالغ فيه لنشر هذه المذابح التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين الأمر الذي قد يخلق نوعاً من التبلد لدي المشاهد وتصبح اعتيادية وبذلك فهي تفقد أهم مقاصد الإعلام الذي يسعي إلي التأثير المستمر في المشاهد.ويؤكد العقباوي ضرورة أن يكون النشر بطريقة مقننة تركز فيها وسائل الإعلام علي أهدافها من النشر دون المبالغة في إظهار مشاهد انتهاك حقوق الإنسان بهذه الكثرة ،فقد يتعاطف الناس مع هذه الصور ولكنها أيضاً تخلق نوعاً من الإحباط لدي المشاهد والذي يزيد لديه الاحساس بالعجز وقلة الحيلة ،لهذا فإن النشر يجب أن يكون بطريقة مقننة تأتي بثمارها دون أن تجعل المشاهد في حالة اشمئزاز مستمر من مشاهدة هذه الأحداث.