خبراء الإعلام اختلفوا حول جدواها :
القاهرة / 14أكتوبر / وكالة الصحافة العربية: الحرية قيمة طالما جاهد الإنسان من أجلها، إلا أن هذه القيمة لا تعني أبدًا الانفلات والتحرر، لأن الإطلاق في الشيء كثيرًا ما يفقده قيمته، ومن ثم فإن ترك الفضائيات حرة طليقة دون مسؤولية أو التزام هو أمر يمثل خطورة بالغة على الثقافة العربية، التي تقوم في الأساس على مرتكز أخلاقي مهم للغاية وبدونه تكون الكارثة والطامة الكبرى، من هنا جاءت مبادرة وزراء الإعلام العرب المتعلقة بوثيقة تنظيم البث الفضائي لتكون ضابطًا لكل من تفانوا في استغلال الحرية، التي زادت مساحتها في الوطن العربي في العقود الأخيرة، لكي يجعلوا منها إبحاية وانفلاتًا أخلاقيا، وبالتالي ضاعت قيمة هذه الحرية، وكان من الضروري وجود مثل هذا الضابط ما دامت الأمور أصابها الاضطراب.ترى د. ليلي عبد المجيد عميدة كلية الإعلام بجامعة القاهرة أن الإعلام لابد أن يكون قائمًا على الحرية المسؤولة، بالرغم من أن هناك من يقول إن الحرية ليست عليها قيود، ولكن الحرية المسؤولة هي نظرية بدأ تطبيقها في أوروبا وأمريكا من العشرينيات في القرن الماضي بعد أن اتضحت لهم سلبيات نظرية الحرية الليبرالية في الإعلام أثناء الممارسة والتطبيق مثل الاحتكارات التي جعلت الإعلام لا يقوم بأي أدوار اجتماعية ، بل أصبح يخترق الخصوصية ويعتدي علي الحياة الخاصة وتطلب أن تكون هناك حرية مسؤولة ، المسؤولية هنا تكون ذاتية للإعلامي بمعني أن يحكمه ضميره فتكون هناك مجموعة من المبادئ العامة التي يتفق عليها الإعلاميون ولا تكون مفروضة من الحكومات أو من أي جهة خارجية وإنما تصبح بمثابة ميثاق شرف ومدونة أخلاقية، ولكن تأتي المشكلة هنا بكيفية المتابعة حتي لا تكون الحكومة هي جهة الرقابة.وتضيف د. ليلي: الإشكالية التي حدثت بالنسبة للوثيقة جاءت من الحساسية في تناول البرامج الحوارية للجانب السياسي، وأؤكد أن هنا بالفعل فوضي في القنوات في الفتاوي والدجل والفيديو كليب، ولكن الخلاف الذي حدث حول هذه الوثيقة سببه تخوف البعض من أن تسحب مساحة الحرية التي حصلت عليها القنوات الفضائية فيما يتعلق بالبرامج السياسية، وهذا التخوف لهم حق فيه وما نتمناه من هذه الوثيقة كمسودة أخلاقية وميثاق شرف، أن تراعي التأكيد على الحرية في آلياتها في الأساس فيما يتعلق بضبط وتنظيم العمل الإعلامي للفضائيات، وأتمني أيضًا أن يكون للمجتمع المدني دور واضح وفعال حتى يرصد ويرسل ملاحظاته للفضائيات، وبالتالي يكون هناك ضغط شعبي أعتقد أنه سوف يكون أكثر إلزامًا من القوانين والوثائق.وتضيف: الوثيقة هي مبادئ عامة وعلى كل دولة أن تطبقها على طريقتها وفي ضوء تشريعاتها والقوانين المسموح بها داخل البلد، كما أن الآلية مازالت لم تحدد بعد وبالرغم من تحفظ قطر إنما القرار صدر بالإجماع وبالتالي أصبح ملزمًا للجميع، ونحن هنا ككلية الإعلام اتصلنا بمكتب أنس الفقي وزير الإعلام المصري وطلبنا منه عمل مائدة مستديرة نطرح عليه فكرنا فيما يتعلق بالآليات لأننا جهة أكاديمية ولنا رأينا فيها.ويؤكد د. محمود علم الدين رئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة أن الإعلام يستند علي مرتكزين رئيسيين هما الحرية والمسؤولية، فالحرية هنا مهمة لأنها الأكسجين الذي تعمل به وسائل الإعلام ولكن حرية الإنسان أو حرية الوسيلة تتوقف عند حقوق الآخرين، لأن وسائل الإعلام أصبحت تتميز بعدم السيطرة المباشرة عليها واختراقها للحدود والبيوت والكثير منها تشوبه سلبيات عديدة فبعضها ينشر الفكر الخرافي والبعض ينشر فتاوي لأشخاص غير متفقهين في الدين ومنها ما يتسبب في إثارة الذعر والفزع السياسي في بعض الدول نتيجة لبعض التغطيات الإخبارية غير المدروسة، والوثيقة تحاول ضبط سلوك هذه الفضائيات.ويوضح أن مصر والسعودية أكثر دول لها استثمار في الفضائيات، وأكبر دول لها قنوات وبالتالي فهما دولتان لديهما إحساس بالمسؤولية تجاه العالم العربي، فليس بغريب أن تكونا رائدتي وضع هذه الوثيقة التي تجعل الحرية لها سقف مرتبط بقيم المجتمع وأخلاقياته ، ولا يجب أن تتحدث عن الخسارة التي من الممكن أن تنتج عن هروب بعض الفضائيات من الأقمار العربية، لأن هذه الخسارة أقل بكثير من خسارة إفساد أخلاقيات أبنائنا. علينا أن ننظر إلى قناة «ميلودي» وما شابهها التي تعرض أفلامها مشاهد العري، وهناك أكثر من قناة فضائية مسجلة في اتحاد الإذاعات العربية وتقارير أدائها على مر السنوات يشير إلى أن هناك نوعًا من الخلل في المحتوى، ولذلك فقد جاءت هذه الوثيقة لتقييد الفوضى وحاولت تناول بعض السلبيات ولكن العبرة هنا بتحديد آلية للتنفيذ الصحيح لها لأن آليات التنفيذ هي التي ستحدد هل هذه الوثيقة هي ميثاق شرف فقط أم هي ضوابط قانونية أم هي مجرد ضوابط أخلاقية ؟![c1]فضاء مستباح[/c]و يؤكد د. سامي الشريف أستاذ الإعلام الدولي بجامعة القاهرة أن الفضاء العربي للأسف أصبح مستباحًا، وأي قناة تستطيع أن تخترق المنطقة العربية وتدخل وتخاطب جمهورها سواء بلغتها أو بلغات أخري، وأي رجل أعمال يستطيع الآن أن يملك قناة فضائية طالما دفع تكلفتها.ويقول الشريف: في الفترة الأخيرة نشأت العديد من القنوات مختلفة التوجهات والسياسات بعضها يقدم البحث والآخر يقدم الثمن وبعضها يقدم المادة الجيدة والآخر يقدم الرديء، ورأينا أيضًا منها ما يهدف إلى زعزعة قيم وأخلاقيات المجتمعات وعاداتها وتقاليدها ويصطدم بالعقائد، فجاءت هذه الوثيقة التي أصدرها وزراء الإعلام العرب والهدف منها هو ضبط الفضاء والفضائيات العربية ولكنها صدرت بشكل مبدئي لابد من مناقشتها من داخل كل دولة عربية حتى تضع عليها ملاحظاتها وآليات التنفيذ التي تناسب كل دولة ، لأنني أعتقد أن كل الدول العربية لا تسعد برؤية أسرها وأبنائها لقنوات العري والمشاهد الجنسية ثم ترضي في النهاية أن تترك هذه القنوات ولا تتحرك لضبطها.ويضيف: لكل دولة أن تضع حدودًا وقيودًا للخوض في الدين والأعراض والسياسة أيضًا وكل ما يمس أفراد الشعب فالأمور الأخلاقية لا ترتبط فقط بالعادات والتقاليد وإنما أيضًا لها علاقة وثيقة بالقيم والرموز الدينية والسياسية والفنية.ويؤكد أن كل دولة لها سقف للحرية، فالفلاسفة يقولون دائمًا إن كل فرد له الحرية ما لم يمس الآخرين ونحن نقول في المثل الشعبي «أنت حر ما لم تضر»، وبالتالي فهذه الضوابط لا خلاف عليها، ولكننا هنا نخشي من خلال تاريخنا وثقافتنا العربية من سيطرة الساسة ومن كتم الحريات وهذا الخوف مشروع وبالتالي يجب هنا أن نطبق الوثيقة تطبيقًا صحيحًا بمعنى إذا قلنا عدم المساس بالرموز السياسية فيجب أن نفرق بين الرمز السياسي كوزير أو كشخص عادي، فإذا انتقدت وسائل الإعلام الوزير في سياساته وفيما قام به من قرارات وبما أصدره من توجيهات فلا غبار على ذلك ولا يعد مساسًا بالرموز السياسية وإنما إذا خاضت القنوات في الحياة الشخصية للوزير وذكرت أنه تزوج أو طلق أو تحدثت عن أولاده فتكون بذلك قد مسّته وهذا ما لا نقبله أبدًا.ويشدد على أن النقد في سياسات الدولة والحاكم يجب ألا تكون هناك ضوابط عليه لأنه أصبح شخصية عامة يفتقد جزءًا كبيرًا من حريته الشخصية عندما يتولي منصبًا عامًا.ويتمني د. سامي الشريف أن تكون هناك وثيقة وضوابط، ولكنه أيضًا مع حماية حرية الرأي والتعبير وحرية بث القنوات، داعيًا الحكومات بألا تضع قيودًا على أي أفراد في تملك القنوات مثلما لا نضع قيودًا على إصدار الصحف، ويجب علي القنوات أو الصحف الالتزام بهذه الضوابط.ويري أن الوثيقة كبداية معقولة، ولكن لابد من وضع هوامش عليها وبالتحديد في آليات التنفيذ، لأنها سوف تصبح المعضلة الرئيسية فمثلاً في حالات سحب الترخيص، فالقناة سوف تذهب لأي قمر آخر وتعود لتدخل بيوتنا ثانية، وبالتالي فالوثيقة لا تستطيع أن تمنع القناة من الوصول للمشاهد ولكن تأتي السلبيات هنا لأن الدولة سوف تفقد الدخل الذي كانت تحققه من وجود القناة على القمـر الخاص بها، وأن النقطة الثانية هنا تتعلق بالدول العربية، التي لن تلتزم، وما الإجراءات التي ستتخذ معها، وهنا أقول إنه ليس هناك إجراء يمكن أن نتخذه لأن هذه الوثيقة ليست قانونًا حاكمًا وإنما هي وثيقة مبادئ فقط والدولة التي ترغب ستلتزم والتي لا تلتزم ليس لنا عليها من سلطان.وعن دور المؤسسات الأكاديمية في التعامل مع الوثيقة، يقول د. سامي: لابد أن تخضع الوثيقة لمناقشة الإعلاميين وخبراء الإعلام والقانون الدولي وعلماء الاجتماع لأننا من الممكن أن نوافق عليها كإعلاميين وتكون قانونيًا معيبة، فلا يمكن تنفيذها ولابد أن يتروي وزراء الإعلام العرب لإعطاء فرصة لمؤسسات المجتمع المدني والحكومات والخبراء والعلماء وأيضًا أفراد المجتمع للإدلاء بآرائهم في هذه الوثيقة وآليات تنفيذها حتى تضمن رضىً شعبيًا عامًا على تنفيذها، وذلك لأن منظمات المجتمع المدني دورها مهم جدًا لأنها تدفع خطوات للأمام في عملية تنفيذ مثل هذه الضوابط . ويوضح أن هناك العديد من الأمور المطروحة التي من الممكن تحقيقها حتى لو على المدى البعيد وأهمها هو تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل فعندما تكون الأقمار العربية منظمة وتعمل كالوحدة الواحدة ويكون هناك تنسيق مشترك بينها أو اتحاد مثلما هو الحال في إذاعات الدول الأوروبية «اتحاد الأقمار الأوروبية»، وهنا نستطيع أن نبرم اتفاقًا نلغي به القنوات التي لم تلتزم.وعن أسباب تحفظ بعض الدول على الوثيقة، يرى الشريف أن التحفظ القطري له مبرره وله علاقة وثيقة بقناة الجزيرة، لأن قطر هي «الجزيرة» بالرغم من أنها ليست قناة خاصة كما يعتقد البعض، وإنما هي قناة حكومية، أما بالنسبة للبنان فهم يعيشون على مجموعة من القنوات الخاصة، التي تمولها حكومات ورؤوس أموال خليجية، وبالتالي فقنواتهم الفضائية بالنسبة لهم مثل السياحة أو البترول، ولذلك فهي تتحرر وتتحفظ من هذه القيود، والحقيقة أننا لا نستطيع أن نجبر دولة على الالتزام بوثيقة يصدرها وزراء الإعلام العرب، لكن كل دولة حرة في التنفيذ أو عدمه وتأتي هنا المشكلة في آليات التنفيذ لأن هذه القنوات في ظل عصر التطور الفضائي والسماوات المفتوحة تستطيع أن تبث من أي قمر آخر ويشاهدها العالم كله.[c1]تقييد للحريات[/c]في حين يرى د. صفوت العالم أستاذ العلاقات العامة بكلية الإعلام جامعة القاهرة- أن هذه الوثيقة جاءت مقيدة للكثير من الحريات، التي حصل عليها الإعلام في المراحل الماضية له، فقد جاءت الوثيقة لتكبيل القنوات الفضائية، التي تذيع برامج على شاشاتها تعرض الرأي والرأي الآخر والتي أصبحت بمثابة كابوس للحكومات العربية التي لا ترغب في سماع الآخر وقد شابتها سلبيات عديدة أهمها ما تضمنته من عبارات فضفاضة غير محددة تصلح لمعاقبة أي قناة تعرض رأيًا مخالفًا للحكومات بسحب ترخيصها على الفور.ويشير إلى أن هناك انتقادات عديدة لنص الوثيقة الذي يشترط على القنوات وجود 03 % من المواد التي تعرضها القناة تكون من الإنتاج العربي المشترك بالرغم من أنه ليس هناك هيكل برامجي عربي مشترك، وبالتالي فحتي تنجح هذه الوثيقة في أداء ما صدرت من أجله، فلابد من مناقشة المتخصصين في الإعلام، لأن ميثاق الشرف من شأنه حماية الإعلام من الممارسات السلبية والتجاوزات.أما د. حسين أمين رئيس قسم الصحافة والإعلام بالجامعة الأمريكية يقول: الإعلام الرسمي والحكومي أصبح يمثل اليوم 02 % فقط من الإعلام العربي، بينما يمثل الإعلام الخاص 08 % وفي ظل وجود كل هذه القنوات كان لابد من وجود مرجعية تحكم عمل هذه الفضائيات، ومن هنا كان الهدف الأساسي من الوثيقة الذي يتمثل في تنظيم البث الفضائي الرسمي والخاص، فحرية الإعلام ليست مطلقة، وقد درسنا ما هو مطبق في القارات المختلفة مثل أوروبا وأفريقيا والصين فيما يتعلق بتنظيم البث الفضائي وأخذنا المبادئ الأساسية حتي لا تكون الوثيقة العربية غريبة، وبالفعل فقد تم تصميمها على ثلاث مراحل يتعلق الشق الأول منها بالمبادئ ويختص الشق الثاني بالآليات الخاصة بتنفيذها ويأتي الشق الثالث منها وهو مرحلة التنفيذ.ويرى أن تخوف بعض القنوات من الوثيقة أمر غير مبرر لأن هذه الوثيقة لم تأت لتقييد حرية التعبير وإنما تهدف إلى تنظيم البث في المنطقة العربية وكفالة الحق في التعبير عن الرأي وتفعيل الحوار الثقافي من خلال البث الفضائي، كما تهدف إلى حماية حق المواطن في إعلام صحي يحترم خصوصياته وعاداته وتقاليده ويحافظ على ثوابته.ويخلص إلى أن في الاتحاد الأوروبي هناك توجيهات صارمة تلزم جميع الدول الأعضاء فيما يتعلق بتجاوزات حرية التعبير، ونرى ذلك واضحًا في عدم بث افتراءات كاذبة مثلاً عن الأديان على شاشات الفضائيات الأوروبية.