ناقشت قبل أيام أحد المصابين بداء الحماسة الثورية الجهادية ، والغضب من كل ما ليس إسلامياً في الأرض، يقول: (المسلم الذي لا يجاهد حتى تكون راية الله هي العليا أخشى عليه من النفاق). سألته: وهل بالإمكان في ظل المعاهدات الدولية، وتجريم (الغزو) دولياً يمكن لك أن تجاهد؟. قال: (( ألا تؤمن بالكتاب والسنة .. ألم تقرأ قوله صلى الله عليه وسلم: من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية)) ، ثم واصل قائلا : (( هل تريد منا أن نستكين لشرائع الكفار، ونترك شريعة الله؟.. الجهاد قائم إلى أن تقوم الساعة وهذا ما يقوله ويؤمن به ويؤكد عليه العلماء الذين هم ورثة الأنبياء)) !!!؟؟؟؟.سألته: وماذا عن الرادع النووي ؟.. هل تستطيع - مثلاً - أن تغزو إسرائيل، ودعك من العالم الغربي الكافر، وتتجاهل السلاح النووي الذي يملكه الإسرائيليون؟.. فالغزو اليوم، واشتعال الحروب بين الأمم التي تملك السلاح النووي، يعني أن العالم سيتحول إلى (الفناء)، وسوف تختفي الحياة البشرية عن وجه الأرض، هذا إذا سلمنا بما تقول، وقررنا ذات يوم أن نغزو العالم الكافر عندما نمتلك السلاح النووي، تنفيذاً لمتطلبات جهاد الطلب كما كان يسمى في الماضي.. فغر المسكين فاه، ولم يجد ما يجيب به.مشكلة هؤلاء البسطاء، ضيقي الأفق، أنهم يأخذون النصوص، بل وحتى مقولات الفقهاء، دون وعي أو قراءة للواقع، ثم يعتبرون أن مقتضياتها يجب أن تطبق دون أي اعتبار للواقع، وأن الله ناصرهم إذا طبقوها لا محالة، حتى وإن خالفوا نواميس وموازين القوة والضعف. ودائماً ما يجد الصحويون الحركيون في (الحل) الجهادي ملجأ يلجؤون إليه عندما يسقط في أيديهم، فلا يجدون مخرجاً من واقعهم المهترئ إلا برفع شعارات، وترديد مقولات، هي أقرب إلى الحلول الانتحارية منها إلى الحلول المنطقية لواقعهم المأساوي.
والسؤال الذي بودي أن يجيب عليه التربويون: لماذا لا نشرح لطلابنا في المرحلة المتوسطة والثانوية إذا كان لا بد من أن نحدثهم عن الجهاد، أن واقع السلاح، والقوة والضعف، والمواثيق والاتفاقيات الدولية، جعل الأمر يختلف عن ذي قبل ، فالغزو - مثلاً - أصبح (محرماً) دولياً حسب اتفاقيات الأمم المتحدة، كما أن السلاح النووي أصبح العالم يتسابق لاقتنائه، وأن ما هو موجود منه حتى اللحظة يكفي لأن يدمر العالم مئات المرات، ويبيد الحياة نهائياً من على كوكب الأرض، لذلك فإن جهاد الطلب بالمفهوم السلفي أصبح في ظل هذه المتغيرات ضرباً من الجنون؟وأنا لا ألوم الإنسان البسيط إذا ردد مثل هذه العبارات، والمقولات المعلبة، لأنه شحن بها في البيت، وفي المدرسة، وفي أحاديث الوعاظ وخطبهم في المساجد، وفي وسائل الإعلام، حتى أضعفت موازينه العقلية، وقدرته على التمييز، واختلّت مقاييسه المنطقية، فأصبح يخاف حتى من أن يفكر فيها، كي لا يتهم بالانحراف العقدي، فوجد في تغييب عقله الطمأنينة النفسية، فقرر أن يعيش بلا عقل ولا تفكير ولا أسئلة!أعرفُ أن مقالي هذا سيغضب كثيرين، وبالذات ممن يكرهون التفكير، وويرفضون التحرر من عبادة النقل والتقليد ، ولا يؤمنون بأهمية وضرورة إعادة قراءة وتفسير النصوص حسب مقتضيات الواقع بدلا من قراءتها بالمقلوب وبدون إعمال العقل في فهمها وتأويلها بحسب إختلاف المكان والزمان ، لأن الله لا يعرف إلا بالعقل الذي يتميز به الانسان عن الحيوان . والعقل ـــ لا النقل والتقليد والحفظ الأصم ـــ هو مناط التكليف ، غير أن نقاش مثل هذه القضايا التي أصبحت في غاية الأهمية هده الأيام يتطلب شجاعة وجسارة ، طالما أن هناك من يصر على أن يكون الجهاد ومفاهيم الجهاد قضايا (حاضرة) في أذهان النشء وتلاميذ المدارس .[c1]* كاتب سعودي[/c]
![](https://14october.com/uploads/content/1010/7SWPEPK0-EDY8XD/rgterwyu.jpg)