نبض القلم
كان سنان بن سلمان البصري ، زعيم طائفة الإسماعيلية في عهد صلاح الدين الأيوبي / وصاحب النزارية ، كان متحدثاً بارعاً ، لديه القدرة على إقناع أتباعه بالأفكار الضالة التي بثها في أوساطهم ، أحل لهم وطء المحارم من أمهاتهم وأخواتهم وبناتهم ، واسقط عنهم صوم رمضان ، وكان ماهراً بالإغواء والتضليل والمكر والخديعة ، استطاع أن يخدع بعض العوام من الناس ، وعمل على تضليلهم وخداعهم ، وإقناعهم بأفكاره الضالة ، وهو ما جعلهم يتمردون على الدولة الأيوبية ، ويقطعون الطرقات ويشنون الغارات تلو الغارات لنهب ممتلكات الناس ، وتخريب المنشآت ، وإحراق المتاجر والأسواق فأحدثوا بأفعالهم التخريبية حالة خوف ورعب وعدم استقرار في المجتمع الدمشقي وقتذاك ، استمر قرابة ثلاثين سنة و نيف ـ استطاع خلالها أن يجمع كثيراً من الأموال والعتاد والأتباع ، فبنى لطائفته حصوناً وعرة المسالك واحتمى بتلك الحصون من أي هجوم تشنه الدولة الأيوبية عليه ، وبلغت سطوته حداً جعل جماعته يثبون على صلاح الدين الأيوبي ليقتلوه .وجاء في كتاب ( الوافي بالوفيات) للصفدي : أن صلاح الدين الأيوبي عندما رأى خطره مستفحلاً أرسل له كتاباً يهدده فيه ويتوعده بمواجهته إذا لم يكف عن أفعاله المنكرة ، ودعاه وأصحابه إلى الخضوع للدولة وعدم مقاومتها ، لكنه لم يجبه ولم يستجب للنداءات التي كانت تطالبه بوقف التمرد والرجوع إلى الحق ، لأن ما يفعله إنما هو فتنة ( والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها) كما يحدثنا بذلك الحديث النبوي الشريف .ولقد تمادى سنان بن سلمان في تحديه للدولة حينذاك ، وبالغ في سخريته من الحكام واستهزائه بقواتهم، وهو ما نلحظه في الأبيات التي قالها رداً على تهديدات صلاح الدين له ، قال فيها:جاء الغراب إلى البازي يهدده وكشر لأسود الغاب أضبعه أضحى يسد فم الأفعى بإصبعه يكفيه ماذا تلاقي منه إصبعه ولقد حاول صلاح الدين الأيوبي محاورته ومجادلته لإقناعه بالعدول عن مواقفه المستفزة لرجالات الدولة ، ومطالبته بالكف عن التمرد، والقبول بالحلول السلمية التي كانت تعرض عليه ، وكان في كل مرة يرفض كل الحلول السلمية ، ويتعمد الإضرار بالسلم الاجتماعي.ولما كان صلاح الدين الأيوبي حريصاً على إيقاف فتنة سنان البصري عمد إلى إرسال وفد لمفاوضته اختارهم من علية القوم وكبار رجالات المجتمع ، وإشعاره بأن الدولة لن تسمح له بالتمادي في التمرد والاستمرار في قتالها، فعليه أن يرضخ للسلم ويمتثل لنظام الدولة وعقيدتها ، ويخضع لسلطة ولي الأمر قبل أن تجد الدولة نفسها مضطرة لمواجهته بقوة السلاح وبدلاً من أن يقبل سنان البصري العروض السلمية ، عمد إلى مخاطبة وفد المفاوضات بلغة تنم عن الحقد والكراهية ولا تخلو من التحدي ، فقال لهم : إن صاحبكم يحكم على ظواهر جنده ، وأنا أحكم على بواطن جنودي ، والدليل ما تشاهدون الآن. ثم دعا عشرة من رجاله وكان وقفاً في شرفة حصنه المنيف، فأخرج سيفه وألقاه إلى الخندق ، وقال : من أراد الجنة فليلق نفسه خلف هذا السيف ، فتقافز الرجال جميعهم ، وهلكوا. وهذا هو شأن دعاة الفتنة وزعماء التضليل وقادة التمرد في كل زمان ومكان ، فخلال ردح من الزمن ، وفي غفلة من السلطات استطاع بعض المهووسين التأثير في بعض البسطاء من العوام في صعدة وتعبئة أذهانهم بأفكار ضالة ، ومفاهيم خاطئة ، وعقائد فاسدة جعلتهم يندفعون من غير وعي للقيام بأفعال خطرة تضر بأنفسهم وبمجتمعهم، وربما تضر بمصالح الأمة والوطن وخير مثال على ذلك ما جرى ويجري في صعدة ، حيث استطاع قادة التمرد من الحوثيين على مدى السنوات الماضية ،أن يسمموا عقول بعض البسطاء من الناس ، وحشوها بأفكار ضالة ، جعلتهم يندفعون من غير وعي ليرموا بأنفسهم في التهلكة ، ويقاومون السلطات ، ويتمردون على الدولة ،تنفيذاً لتعليمات قادتهم الذين باعوا أنفسهم للشيطان تماماً مثل ما فعل أسلافهم من الإسماعيليين أتباع سنان بن سلمان البصري ، الذين هلكوا لأنهم لم يتدبروا عواقب الطاعة العمياء لقادة الضلال وزعماء الإغواء والتضليل ، وما أشبه الليلة بالبارحة.[c1]خطيب جامع الهاشمي الشيخ عثمان[/c]