قصة قصيرة
ذهبت إلى البحيرة مع والدتي صباح اليوم لنصطاد ما يمكننا من السمك خرجنا باكراً مع العم هاشم واخذ كل منّا سلة كبيرة طعماً في صيدٍ وفير فعندما تفيض البحيرة تكثر الأسماك فيها ويزداد حجمها كما يزداد عدد الزائرين لكننا سبقناهم جميعهم واخترنا أفضل موقع في البحيرة للاصطياد تشاركنا كلنا في دفع القارب من اليابسة إلى الماء حتى أمي استجلبت كل مافي جسدها من فوّة وكان الماء الذي يبللنا لحناً يعزفه الكمان على أوتارٍ من سيقان كنت أنا أول من قفز إلى داخل القارب بينما أمي تخرج أدوات الصيد وتجهزها كنت أتأمل كيف أن ظلال الأشجار سبقتنا إلى كل مكان في البحيرة صباحاً والشمس في استهلال إشراقتها على البحيرة وما حولها تبدو البحيرة بعمقها وهدوئها ابرع مستمعة وأحفظ للأسرار وتدعوك الأشجار الموحية بالإنصات والانتظار إلى البوح والكلام ناداني عمي وطلب مني أن أساعده في تركيب الصنارة لأتعلم تركيبها بمفردي بعد ذلك سعدت بذاك كثيراً وكان لوالدتي أن تقرأ الفرحة في وجهي من أخر القارب ،ثم بدأ الصيد في لحظة زرعت الصنارات الثلاث في البحيرة في آن واحد .. وانتظرنا أن تنبت من تحت سطح الماء اسماكاً وفي الانتظار تجمع الصيادون والزوار وتجمعت الشمس وسط السماء فمكننا من رؤية الأسماك خيالات كالأشباح .. عشرات القوارب أبدعت في المشي على سطح الماء كأن المجاديف سوق تتوخى في خطاها الحذر بشرة عمي أصبحت تميل إلى السمرة والحمرة فأصبح وجهه يشبه كعك أمي حين تغفل عنه في الفرن فترة فرغم انه محروق بعض الشيء إلا أن هناك طعم ابتسامة حقيقية كالتي في جهة تماماً ولم نصطد وقتها أي شيء السلال ما زالت فارغة والقوارب الأخرى ملأى لكن السعادة والأمل بوفرة الأسماك تملؤنا.. بالنسبة لي هذه هي أكثر اللحظات حباً أكثر من لحظات العودة بسلال الأسماك الكبيرة إلى البيت ثم طبخها وأكلها فلهذه اللحظات طعم مميز أخر. الضحك والفوضى يتبادلان ادوار اللعب فوق سطح البحيرة الهادئة وأصوات الضربات على الماء ودعابات القطرات حين تتناثر في كل مكان تتوزع من قلبها ألوان الشمس وأطيافها المبهجة ..عاد إلى ذهني حديث والدي الراحل في أخر صيف من رحلات الصيد الماضية إذ قال لي الحياة أنت وكم أنت رائعة،لهذا لن افوت من جمال الحياة لحظة واحدة.. ابتسم لي عمي قائلاً تعالي شدي معي الصنارة يبدو أن سمكة تريد أن تبارزني شددت معه بقوة فكانت الغلبة لنا ولكن المفاجأة أن السمكة كانت صغيرة قال لنا ضاحكاً ستكون هذه غدائنا حملقت فيه وهو ينظر إليها وكأنه اصطاد حوتاً للتو بحجم الجبل فانفجرت بالضحك فعلاً ولعل ضحكي كان معدياً إذ انتقل إليهما سريعاً حتى أصاب السمكة التي راحت تقفز فاتحة فمها إلى أن أخذت طريقها إلى البحيرة ثانية فعادت من حيث أتت وأنا متأكدة أنها لن تكرر الفعل مرة أخرى وتعود إلى هنا تجمد وجه زوج أمي وصار داكناً ثم خطا نحوي بثبات وعينين مفتوحتين لا تغلقهما رمشة واحدة خفق قلبي وتلبد وجهي بالوجوم اقتربت والدتي منتبهة وأسفل وجنتيها الورديتين استقرت ابتسامة كرزية طازجة وإذا به يقترب مني أكثر فأكثر وهو عازم على الانقضاض بقوة كالمفترس ووالدتي ترمقني بابتسامتها المرحة فكرت أن اقفز للتو في الماء وأول ما بدأت أهم بالنط امسك بسرعة الصنارة وشدها في لحظة وإذا بسمكة ضخمة يضربها هو وأمي على سطح القارب حتى ماتت ثم قالت أمي يالك من محظوظة يا حبيبتي أما عمي فأخذ الكاميرا لالتقاط صورة تذكارية وهو يقول هل نحن مدعوون إلى الوليمة؟ وقبل أن تلتقط الصورة وتحفظ اللحظة مع الزمن هرعت أمي إليه وقالت له اذهب بجوارها أنا سالتقط لكما الصورة. اكبر سمكة في البحيرة علقت بصنارتي وجاء الزوار لالتقاط الصور مع سمكتي الكبيرة جداً وظل زوج والدتي وهي يرددان لهم أني محظوظة وقد أكون محظوظة وقد تكون السمكة تعيسة وفي كلا الحالتين يسوقها الحظ التعس إلي وبينما الصيادون والزوار يلتقطون الصور معي والسمكة الكبير تلبذت السماء وأغلقت أبوابها الرمادية وهكذا فجأة أمطرت دونما سابق إنذار الجميع ارتبك وهرع يجمع معداته ليفر من بطش المطر فرحنا نركض تحت سلالنا امسك عمي بيدي وهو يسرع ممسكاً بالسمكة تاركاً والدتي تعالج مسألة صندوق العدة والطين وحذائها وحدها حتى دخلنا إلى منزلنا وضع السمكة على الطاولة ثم احضر منشفة وبارتباك رجل ليس له بشؤون مثل هذه وضع عني ملابسي المبللة وراح ينشف لي شعري ثم دثرني بلحاف دافئ وجاف بينما أعدت والدتي اكواباً دافئة من الحليب وناولتني واحداً ..جلس بالقرب من المدفأة التي أوقدها فأدفئ المنزل كله ،حينها شعرت أنني دافئة واني بالفعل محظوظة.
