نبض القلم
هل يستطيع الطبيب أن يقرر أن مريضه لن يشفى من المرض قبل أن يفحصه ؟ وهل يستطيع أن يجزم باستحالة شفاء مريضه قبل أن يجرب إعطاءه الدواء المناسب؟لا أظن أن الطبيب سيقرر استحالة شفاء مريضه حتى لو كان في آخر لحظة من حياته ، بل يظل باذلاً ما في وسعه لإنقاذ مريضه من الموت ، طالباً من المريض الثبات والتماسك ، إنه يفعل ذلك لأنه متفائل والمتفائل شخص لا يخشى الشر قبل وقوعه ، وإذا ما وقع قابله بشجاعة وصبر ، وهو بتفاؤله يستطيع أن يدفع الضرر عن المريض ويشفيه من مرضه بإذن الله، فهو على يقين بأن الموت أمر محتوم ولكل أجل كتاب “ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون”.ومن هنا كان التفاؤل سراً من أسرار النجاح في الحياة ، لا يدرك كنهه ومغزاه إلا القليلون، فالمتفائل يستطيع بتفاؤله أن يواجه الصعاب والشدائد، فإذا واجه موقفاً عصيباً لا يتردد في مواجهة ذلك الموقف بإرادة قوية بل يستطيع أن يشيع أجواء التفاؤل في محيطه ، بالدعابة والابتسامة ، فيلقى الناس بوجه طلق ، وابتسامة مشرقة ، حتى ولو كان مهموماً ، لأنه على يقين أن النفس تنفر من الوجه العابس المكفهر ، وتقبل كل الإقبال على الوجه الباسم المشرق.ولو أمعنا النظر في سر نجاح بعض الناس في الحياة ، وفشل بعضهم ، لوجدنا أن النجاح مقترن دوماً بالتفاؤل ، فالمتفائل إن سقط لا يضيع وقته بالبكاء ، ولكنه سرعان ما يقف لينفض التراب عن ثيابه ، ويواصل السير في ركب الحياة ، وان خسر لم يسقط بل يبقى ثابتاً ، ويحاول تعويض ما فقده ، وإذا لم ينجح رضي بالواقع إلى أن يقيض الله تعويض ما خسر فهو يقول في نفسه ماذا يفيدني الندم ؟ وما جدوى البكاء والعويل ؟ إنه لا يجدي نفعاً ولا يعيد مالاً فقد ، ولا صحة اعتلت ، ولا سلطة سقطت ، ولاجاهاً ضاع، فخير من كل شيء تفويض الأمر إلى الله وتوجيه الشكر و الثناء إليه في حين أن الفشل رديف التشاؤم، ولذا فإن المتشائم لا حظ له في الحياة ، تراه يشكو المرض وهو سليم ويعاني الشقاء وهو ميسور الحال ، يموت وهو حي ، ويفتقر وهو غني، إنه ينظر إلى الحياة دائماً بمنظار أسود ، فهو يهرب من خوف الشقاء إلى شقاء الخوف ، ومن خوف المرض إلى مرض القلق ، فتراه دائماً نادباً حظه وباكياً سوء طالعه ، متذمراً من كل شيء ، وقد قال فيه المثل ( لا يعجبه عجب ولا الصيام في رجب).وما يؤسف له أن في بلادنا كثيراً من المتشائمين واليائسين الذين لم يقصروا اليأس في نفوسهم ، بل يعمدون إلى إشاعته في المجتمع ، فهؤلاء اليائسون ما فتئوا يشيعون في أوساط الناس الأكاذيب ، وينشرون بينهم الأباطيل ، ليقتلوا في الناس روح الأمل ، ويحبطونهم حتى لا يقدموا على البناء والعمل. وليت هؤلاء المتشائمين اليائسين يعلمون أن اليأس موت حقيقي لهم ، فلا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة ، فأي حياة يرضونها لأنفسهم مع اليأس ، أيستطيع الواحد منهم أن يجمع في جسمه الموت والحياة معاً ؟ لماذا يعمد هؤلاء إلى تيئيس الناس من المستقبل ؟ لماذا يلعنون الظلام و لا يسهمون في إيقاد الشموع لتبديد الظلام ؟ لماذا يعمد هؤلاء إلى نشر ثقافة اليأس وزرع الإحباط في النفوس ؟ ألا يعلم هؤلاء اليائسون أن ما يظهر طويلاً في حياة الفرد ، هو قصير في حياة الشعب، فعشرون أو ثلاثون سنة في حياة الفرد تبدو طويلة ولكنها في حياة الشعب قصيرة جداً.وإلى كل اليائسين أقول: إذا كنتم مقتنعين بصواب أفكاركم المحبطة ومصدقين خيالاتكم اليائسة فعار عليكم أن تثبطوا همم الناس لبناء الوطن.واعلموا أن خيرات البلاد كثيرة تكفي الجميع، فما علينا إلا أن نعمل معاً لتناسي الأحقاد والضغائن وبث روح الإخاء والمحبة فيما بيننا، وتعميم ثقافة التفاؤل والتسامح في أوساطنا، لماذا لا نعمل متضامنين لاستخراج خيرات بلادنا؟ولماذا لا نتناوب في بناء الوطن وتتكاتف سواعدنا لاستخراج خيرات أرضنا لننتفع بها جميعاً؟واعلموا أيها اليائسون أن البكاء لا ينفع ، والحسرات لا تجدي ، والوطن يتسع للجميع وخيراته وفيرة بالعمل وشحيحة بالكسل، والمستقبل واعد بالعطاء إذا تفاءلنا .وهل لي ان أذكركم بما قاله الشاعر إيليا أبو ماضي رداً على اليائسين من أمثالكم عندما رآهم يشكون سوء حال البلاد.قالوا : تأمل أي حال حالها صدع القضاء صروحها فأمالها ستموت، إن الدهر شاء زوالها أتموت؟ كلا ، لن تموت بلادي الكوكب الوضاح يبقى كوكباً ولئن تستر بالدجى وتنقباليس الضباب بسالب حسن الربى والبؤس لا يمحو جمال بلادي [c1]* خطيب مسجد الهاشمي[/c]