عدن سفر كفاحي مجيد
إعداد / مختار البطرتقع مدينة عدن في الركن الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية وتمتد على خط العرض (45 : 12) درجة و(47) بوصة شمالا وخط الطول (45) درجة و(10) بوصات شرقا.وتتميز مدينة عدن بمميزات طبيعية، إذ تتمتع بموقع جغرافي إستراتيجي مهم مكنها من أن تتبوأ متفردة على مدى تاريخها الطويل، فهذا الموقع تتشابك عنده وتتلاقى خطوط التجارة العالمية منذ عصور تاريخية موغلة في القدم، كما كان هذا الموقع المهم دافعا كبيرا ومباشرا لتعرضها للغزو والسيطرة من دول كثيرة كانت لها مصالح تجارية في المحيط الهندي بوصفها تقع عند مدخل مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر بالبحر العربي والمحيط الهندي.ورد ذكر اسم عدن أول مرة - حسب كتب التاريخ القديم في سفر حزقيال من العهد القديم في الكتاب المقدس (الفصل السابع والعشرين (حران وقنة وعدن تجار شبا وأشور وكلمدهم تجارك).. وتشير بعض كتب التاريخ إلى انتساب عدن إلى أحد ولدي عدنان، كما أن بعضًا من المؤرخين يأخذ المعنى اللغوي للاسم الذي يعني العدون أي الإقامة والسكن، حيث تقول الروايات التاريخية إن أحد ملوك اليمن القدامى (التبابعة) كان يسجن فيها المجرمين والخارجين عن طاعته.ورد ذكر عدن أيضا عند الجغرافي والملاح الشهير كلوديوس بطليموس عندما وصفها بأنها فرضة لبلاد العرب وتورد المعاجم والقواميس اللغوية معاني كثيرة لكلمة عدن.فهي بمعنى الإقامة ولزوم المكان وعدن الأرض سمدها وهيأها للزراعة وعدن المكان أي استخرج منه المعدن، والعدان هم الرجال المجتمعون.وتتلاقى كل هذه المعاني عند مفهوم متشابه :هو الاستيطان مع ما يجعل الاستقرار ممكنا كالزراعة والتعدين ورعاية الدواب.وتورد بعض القواميس معنى آخر لعدن هو الموضع على البحر.ويعود عمر مدينة عدن جيولوجيا إلى عصر المايوسين - بلايوسين الذي يقدر بما بين (5,5 و6,5) مليون سنة تقريبا ويعد بركانها من أشهر وأقدم البراكين في العالم.تختزن مدينة عدن عددا من المعالم الأثرية التاريخية والثقافية والدينية ففيها مدينة عدن القديمة المعروفة باسم كريتر (CRATER) التي تعني - فوهة البركان - وتوجد فيها صهاريج الطويلة الشهيرة التي ورد ذكرها في واحد من أقدم النقوش اليمنية، حيث : اقلزد قدمت مسندا للآلهة (ذات بعدان) تكفيرا عن خطيئة ابنتها بتدنيسها صهريج عدن).وهذه الإشارة توحي بوضوح إلى أن الصهاريج وجدت في عصر سابق لظهور الإسلام.يرد أول ذكر لعدن كميناء قديم - كما أسلفت الإشارة - في الإصحاح 27، الآيتين (22 و23) من سفر حزقيال ورعمة تجارك.. بأفخر أنواع الطيب وبكل حجر كريم والذهب حيت أقاموا أسواق.. حران وقنة وعدن، تجار شبا وأشور وكلمد تجارك).للأهمية الكبيرة والإستراتيجية التي مثلها ميناء عدن في مختلف العصور جهزت العديد من الحملات الجغرافية والعسكرية لغزو الميناء والسيطرة عليه، فقد تعرضت عدن خلال تسعة قرون من تاريخها المكتوب لأكثر من (30) غزواً بحرياً من البرتغاليين والمماليك والأتراك.دخل اليمانيون طواعية في رحاب الدين الإسلامي الحنيف، وانضووا تحت هدى الرسالة المحمدية العظيمة.. وقد وصف الرسول (صلى الله عليه وسلم) أهل اليمن عندما وفدت عليه وفودهم معلنة إسلامها :(أتاكم أهل اليمن، هم أرق أفئدة وألين قلوبا، الإيمان يمان والحكمة يمانية).وما لبث اليمنيون أن شاركوا في بناء الدول العربية الإسلامية ونبغ منهم كبار الفقهاء والعلماء والمحدثين، علاوة على إسهام اليمنيين، إسهاما كبيرا في الفتوحات الإسلامية العظيمة.لقد احتفظت عدن في حقبة الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) ومن بعده الخلفاء الراشدين بأهميتها التجارية، وكانت أحد أسواق العرب المشهورة بصناعات أهلها خصوصًا البرود العدنية وأحد هذه البرود أهداها النبي (صلى الله عليه وسلم) للشاعر كعب بن زهير مكافأة على قصيدته الذائعة الصيت التي كان قد امتدح بها النبي (صلى الله عليه وسلم).وفي 19 يناير 1839م احتلت بريطانيا عدن مختتمة بذلك الاحتلال مرحلة التسابق الاستعماري للفوز بعدن، وقد خضعت عدن بعد احتلالها مباشرة من قبل الإمبراطورية البريطانية مباشرة لإشراف الحكومة الهندية في مومباي، التي أحكمت القبضة عليها خلال هذه الحقبة حتى عام 1937م عندما انتقل الإشراف عليها إلى نائب الملك في كلكتا، ثم دلهي تمهيدا لانضمامها إلى وزارة المستعمرات البريطانية وبالتالي فقد منحت لدخولها تحت مسؤولية التاج البريطاني عام 1937م النظام والتشريع والمعمول بهما في المستعمرات البريطانية.لقد اعتبر اليمنيون في تاريخهم الحديث، خصوصًا بعد الحرب العالمية الثانية، وبدء التأثيرات العالمية والعربية التي تغلغلت بعمق في عدن، اعتبروا مدينتهم (فتاة الجزيرة) تيمنا على ما يبدو بدور وطني قومي، مع اشتداد دور أفكار القومية العربية التحررية.ان انتصار ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م في شمال الوطن ضد النظام الإمامي المتخلف إيذان بامتداد وهج الثورة التي غطت فضاءات الشطر الجنوبي من الوطن وأجبرت المستعمر البريطاني أن يرحل من أرضنا في 30 نوفمبر 1967م.وبعد قيام الوحدة اليمنية الماركة (الجمهورية اليمنية) في الثاني والعشرين من مايو 1990م اعتبرت مدينة عدن (العاصمة الاقتصادية والتجارية) لليمن، وذلك بغية استعادة المدينة لألقها التاريخي ولدورها الحضاري والثقافي والإنساني المتميز.