أطياف
أسمعتم عن تلك الظاهرة ؟ بالتأكيد سمعتم ولربما عاشها البعض منكم أو عاش جزءا منها، إنها ظاهرة تعاطي الحبوب المنومة والمخدرات وغيرها من مسببات الإدمان التي تسري في الجسم كالسم يجري في الدم وتسبب له أضرارا بصحته العقلية والجسدية معا .انتشرت هذه الظاهرة مؤخرا كالنار في الهشيم في مجتمعنا العربي عامة ومجتمعنا اليمني خاصة ، بعد أن كانت لفترة قصيرة مجرد تمثيل في تمثيل نشاهده في الأفلام السينمائية والمسلسلات في مجتمعات أكثر تقدما وانفتاحا من مجتمعنا اليمني المحافظ والمتمسك بعاداته وتقاليده . تعد هذه الظاهرة من أخطر الظواهر السلبية التي انتشرت بكثرة بين طلابنا وأبنائنا بل والأدهى من ذلك أنها ترتبط بظواهر أخرى انتشرت في الآونة الأخيرة وكانت إحدى نتائجها كالخمول وانتشار الجريمة والزنا واللواط وغيرها من الجرائم الجنسية وجرائم الاعتداء على المحارم وتفكك عرى الأسرة والمجتمع وتؤدي إلى القلق والكآبة والانتحار.ما دفعني إلى الكتابة عن هذه الظاهرة ذلك المشهد الذي هالني وأصابني بدوار وضيق في التنفس جراءه وجراء ماسمعته عن شاب يانع في عمر الزهور لم يتعد عمره الخمسة عشر ربيعا كان يترنح في مشيته يمينا ويسارا ويتمتم بكلمات لا يعي معناها ولا يدري ماذا يفعل .كانت لسانه ثقيلة تخرج منها الكلمات بالكاد.. أحسست حينها بسكين تنغرس في صدري لهذا المشهد المؤلم على النفس الذي وصل إليه هذا الشاب دارت الأفكار في رأسي وتساءلت إلى أي مدى تغيرت حياتنا لم أكن أتوقع أن يأتي علي يوم أشاهد فيه مثل هذا المشهد السيئ في محيطي وقريبا مني. وأسباب انتشار مثل هذه الظاهرة كثيرة ، وأهمها الفراغ الذي يؤدي إلى انتشار الجريمة إذا لم يستغل بالنشاط المفيد ، ومن نافل القول ان رفقاء السوء يلعبون دورا كبيرا في التأثير على اتجاه الفرد نحو تعاطي المواد المخدرة.لا ننسى الدور الذي يلعبه الإعلام في تشكيل الوعي لدى الفرد فالإعلام بشكل عام سلاح ذو حدين من الممكن أن يسخر لمنفعة الشباب ، ومن الممكن أيضاً أن يكون عاملاً من عوامل الهدم والانحراف إذا أسيء استخدامه من خلال عرض برامج غير مدروسة أو هادفة تؤثر سلبا في الانحراف الفكري والسلوكي .وكما هو معروف تنتشر هذه الظاهرة بكثرة في البلدان الأكثر تقدما والأكثر فقرا في ذات الوقت ،حيث تتركز هذه الدوافع فيها إما بسبب الفقر المدقع، فالحاجة إلى المال قد تؤدي بالإنسان إلى ارتكاب الجرائم والهروب من واقعه إلى عالم أخر يجد فيه ضالته التي لم يستطع تحقيقها في الواقع أو بسبب التطور في الجانب المادي الذي أهمل الجانب الروحي .السؤال هنا ، من المسؤول عن هذه الظاهرة ؟ الإجابة على هذا السؤال تحتم إرجاع المسؤولية بالدرجة الأولى على الأسرة لأنها المدرسة الأولى التي يكتسب الطفل والأبناء فيها سلوكياتهم الحياتية ويتعلمون فيها ما يضرهم وما ينفعهم قبل خروجهم إلى مدرسة الحياة، ففي هذا السياق تلعب الأسرة دور كبير في تنمية مدارك أبنائها وتعميق حبهم لله و لأنفسهم وللحياة وأن تنمي لديهم قوة الإرادة وقوة الإيمان بالله وبما منحهم إياه ويجب عليها أيضا أن تسعى لتهذيب سلوكهم وتعميق اتصالهم ببيئتهم وتفعيل نشاطهم فيها بشكل يتوافق ومقدراتهم ، ومن ثم يأتي دور المدرسة في تدعيم دور الأسرة لترسيخ المفاهيم والقيم التي تعلموها من أسرهم، وتعمق فكرة معنى وجودهم في هذه الحياة وتساعد على خلق جيل واع قادر على مواجهة الصعاب التي تعترض مستقبله وتزرع الثقة بنفسه وقدراته ، بعيدا عن النقد الهدام الذي من شأنه أن يولد العقد النفسية والإحباط ، فعندما يجد الفرد العطف والحنان والعناية والتشجيع تزداد قابليته للحياة وتكون معنوياته عالية فلا يلجأ إلى تدمير نفسه بنفسه بالوقوع في بئر إدمان هذه المواد الضارة به.وفي ذات السياق لا نغفل دور الرقابة والتفتيش الصحيين وأجهزة البحث الجنائي الذين من شأنهم الحد من هذه الظواهر السلبية بالتشديد على أهمية كيفية صرف هذه الحبوب بوصفات طبية من طبيب مختص وعدم صرفها لمن لا يملك هذه الوصفات.أما بالنسبة لدور البحث الجنائي هو تنشيط الفعاليات التي من خلالها يتم توعية الطلاب في المدارس بخطر هذه المواد بإقامة المحاضرات في المدارس والثانويات والجامعات ووضع حلول مناسبة لهؤلاء الذين تم القبض عليهم ووضعهم في إصلاحيات .ويا حبذا إذا كان هناك تعاون وتنسيق بين الأسر وبين هذه الأجهزة بالإبلاغ عن حالات تعاطي الحبوب المنومة إذا ما اكتشفوا أن أبناءهم يتعاطونها للتمكن من القضاء عليها ومعرفة مصادر هذه الحبوب التي صرفت لأبنائهم دون وصفات طبية ومعاقبة من يقوم بتوزيعها بين الأفراد والطلاب والأبناء .