ظل المنهج السلفي منذ تأسيس أولى لبناته في العهد الأموي قائماً على التخلف ! وثقافة الكراهية ، ومعيقاً لتطور الحياة وتقدمها.. يصف العلم بالجهل ! ويصف الجهل بالعلم ! انطلاقاً من تصوره واعتقاده أن كل ما يدعو إليه السلفيون وينتهجونه من حرب للعقل وللعلم وللسلم الاجتماعي والتقدم العلمي هو من عند الله! وما هو من عند الله!! ولقد حكى الله مثل ذلك عن بعض أهل الكتاب فقال : «وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب، وما هو من الكتاب، ويقولون هو من عند الله، وما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون» سورة آل عمران آية (78).وهذا الاعتقاد السلفي هو الذي جرأ أصحابه على الغيب، فزعموا أنهم هم الفرقة الناجية المذكورة في حديث افتراق أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، فقالوا : نحن هذه الفرقة الناجية المستثناة ! وحلفوا على ذلك اليمين! وقال أحمد بن حنبل : لو لم تكن الفرقة الناجية أهل الحديث، فلا أدري من هم؟! مع أن الله تعالى يقول في أهل الكتاب في وضع مشابه : «وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة، قل أتخذتم عند الله عهداً ، فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون» البقرة (80).ولا تعجب بعد هذا كله، إذا وجدت هؤلاء القوم يحملون كراهية شديدة ضد كل فرق الإسلام الأخرى ! ويكفرونها ، وينسفونها بشتى أسلحة الدمار الشامل! من هجر وتكفير وتفسيق وتبديع ثم استباحة دمائهم وأموالهم!! ولم يرحموا حتى أبناء فرقتهم فكفروا الأشاعرة والماتريدية من أهل السنة ، وبدعوهم ، وصنفوهم ضمن أهل البدع والأهواء! وكفروا الصوفية، وسلخوا جلودهم من لحومهم! ودعوا في كتبهم ومصنفاتهم المملة وسائر وريقاتهم وأصواتهم إلى الولاء للتكفير! والبراء من كل مخالفيهم في الرأي! وكذا إلى هجر وتفسيق المفكرين والعلماء والمثقفين تحت مسمى «مناصرة الفرقة الناجية»!! . وإثباتاً لكل ما سلف من القول، وحتى لا تكون دعاوى تفتقر إلى بينات ، فإني أقدم للقارئ الكريم طائفة من أقوال أبرز صناديدهم وهي قطرة من بحر الكراهية الدافق تتلاطمه أمواج من ظلمات بعضها فوق بعض! انتقيتها من أثبت مراجعهم ! فمن كتاب (تلبيس إبليس) طبعة دار الكتاب العربي (ص23) لأبي الفرج بن الجوزي المتوفى سنة 597هـ يروي بسنده المتصل إلى شيوخه:1 - مات عبدالعزيز بن أبي داوود، فصف الناس للصلاة عليه، وجاء سفيان الثوري ، فقال الناس : جاء الثوري ، حتى خرق الصفوف، والناس ينظرون إليه ، فجاوز الجنازة ولم يصل عليه لأنه كان يؤمن بالإرجاء» أ هـ .إذن فعبدالعزيز الميت كان من المرجئة والمرجئة لا يرون الفصل في أمر الناس في الدنيا بل يرجئون الأمر إلى الله، فهم لا يستحقون حتى الصلاة عليهم إذا ماتوا حتى ولو كانوا لا يؤخذ عليهم إلا إيمانهم بالإرجاء !!2 - وقال سفيان الثوري آنف الذكر كذلك : من صافح مبتدعاً فقد نقض عرى الإسلام عروة عروة !!إذن مصافحة المخالف الذي يصفونه بالمبتدع هي « نقض عرى الإسلام عروة عروة» هذه هي أسس الكراهية وجذور ثقافتها عند القوم !!3 - وبكى سليمان التميمي بكاء شديداً، فقيل له ما يبكيك؟ قال : مررت على رجل قدري (أي من القدرية) فسلمت عليه! فأخاف أن يحاسبني عليه ربي!! أ . هـ . إذن فمجرد السلام على المخالف فضلاً عن مصافحته يجعل صاحبه يخاف من حساب الله عليه يوم القيامة!! أليست هذه أرضية بالغة الخصوبة لإنبات التطرف والإرهاب والعدوان على الآخرين؟!4 - وقال الفضيل بن عياض : من أحب صاحب بدعة، أحبط الله عمله ! وأخرج نور الإيمان من قلبه!! أ . هـ . وصاحب البدعة هو المخالف لرأي أهل الحديث، في الاعتقاد والفقه والتفكير، وحبه يحبط العمل، ويخرج نور الإسلام من قلب المحب!! نسأل الله العافية!5 - وفي ص24 : قال بشر بن الحارث : جاءني موت بشر المريسي (معتزلي) وأنا في السوق، فلولا أن الموضع ليس موضع سجود لسجدت شكراً لله الذي أماته !! أ . هـ .وهنا تتبدى أخلاق القوم بالغة السوء في التشفي بموت الآخرين المخالفين في الرأي، مع أن الموت كتبه الله على كل حي ! وحقاً : كل إناء بالذي فيه ينضح !!6 - وفي كتاب شرح السنة للحسن بن علي البريهاري المتوفى سنة 329هـ ص (45) أن يونس بن عبيد رأى ابنه وقد خرج من عند صاحب هوى (أي مخالف للقوم) فقال له : يا بني، من أين جئت؟ قال : من عند فلان. قال : يا بني لأن أراك خرجت من بيت خُنثى!! أحب إلي من أن راك تخرج من بين فلان وفلان!! ولأن تلقى الله زانياً ( ! ) فاسقاً ( ! ) خائناً ( ! ) أحب إلي من أن تلقاه بقول فلان وفلان!! أ.هـ . هـذا البربهاري وصفه ابن تيمية الحراني بإمام أهل السنة في زمانه ! .ترى - أخي القارئ الكريم _ أي ثقافة هذه يحملها القوم، وتتوارثها أجيالهم خالفاًً عن سالف!! إن بيت الخنثى أهون وأفضل من مجالس وكتب تخالف رأيهم المقدس!! وإن الزنا والسرقة والفسوق والخيانة أقرب إلى الله يوم اللقاء! من مجرد مخالفة رأيهم المقدس!! إنها حقاً جرأة على الله مصدرها ثقافة متطرفة أمعنت الإدمان في كهوف الكراهية والعنف فأنبتت الشر والقتل والظلم الكبير ! .إن هذه النصوص المذكورة مع أصحابها، والكتب التي روتها هي محل تقديس وترحيب واعتناق لها حتى العظم عند السلفيين في مختلف الأجيال من تاريخ السلفية إلى اليوم !!ولا يشك عاقل في أن هذه الثقافة هي صاحبة سهم وافر في تخلف الأمة الإسلامية ورقودها في سباتها المزمن على مدار القرون، بما حملته من قمع للرأي الآخر، وتصنيف مخالفيها ضمن أصحاب الجحيم! وتقديس أقوال رجالها وتقديمهم على كتاب الله عز وجل وهدي رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) وبما حاربته من العلوم الأخرى كعلم الكيمياء والفيزياء والجبر والرياضيات والفلسفة وانغلاقها على الثقافات والحضارات وتجريمها للغة الحوار واعتباره عمل من ليس له في الآخرة نصيب !!وهذا الخطّابي - نموذجاً - توفي سنة 388هـ صاحب كتاب «معالم السنن» الشهير، قال في تعليقه على حديث رقم (3905) من سنن أبي داوود «من اقتبس شعبة من النجوم اقتبس شعبة من السحر» قال : فيه علم النجوم المنهي عنه وهو ما يدعيه أصحابه من علم بالحوادث التي لم تقع وستقع كإخبارهم بأوقات هبوب الريح! ومجيء المطر! وظهور الحر والبرد! إلى أن قال : وهذا منهم تحكم على علم الغيب، وتعاطٍ لعلم استأثر الله به، ولا يعلمه أحد سواه!أقول : إن كلام الخطابي يؤكد أنه كان يوجد في زمانه وهو القرن الرابع الهجري من يتنبأ بالكسوف والخسوف وسقوط المطر وهبوب الريح، وساعة طلوع الشمس وساعة غروبها عن طريق الفلك والنجوم، وهو ما يعرف اليوم بالإرصاد الجوي .. لكن هذه العلوم وأصحابها حوربت من رجال الدين باسم الله! الذين رموا أصحابها بالكفر والزندقة الأمر الذي أضاع على المسلمين فرصاً كثيرة في النهوض العلمي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي بسبب الملاحقة الدينية السلفية المستمرة لعلماء الرياضيات والفيزياء والكيمياء والطب والجغرافيا تحت مسميات الانتصار للقرآن واتباع الأثر !! .. وكان من ضحايا هذه الملاحقات القمعية إلى جانب العلوم الكونية والتجريبية، علماء كبار أمثال ابن سينا وابن النفيس وابن الهيثم وابن رشد والبيروني والفارابي وغيرهم وغيرهم، حتى ضاع تراثهم وسلب الصليبيون علومهم أثناء حملاتهم ونقلوها إلى أوروبا وترجموها واستفادوا منها إلى اليوم !!وهذا جلال الدين المحلي المتوفى سنة 864هـ يقول في تفسير الآية «وإذا الأرض سطحت» : فيه رد على أهل الهيئة - أي الجغرافيا- الذين يزعمون أن الأرض كرة وهو قول أنكره إجماع أهل الشرع !! أ . هـ .وهذا شاهد آخر على اضطهاد العلم والعقل وتسفيههما واعتبار العلم التجريبي معارضاً للدين وناسفاً له، لا بل واعتبار أقوالهم ديناً لا يجوز اعتراضه أو التعقيب عليه!! سبحانك هذا بهتان عظيم!! وقد أفتى الراحلان عبدالعزيز بن باز ومقبل الوادعي بأن القول بكروية الأرض كفر !! ولا يزال التيار السلفي في اليمن يقول كثير من كبار شيوخه بنفس الفتوى !هذا كله غيض من فيض، ونماذج عينية من أكوام من الأقوال والأفعال والفتاوى والرجال الذين أفرزهم المنهج السلفي ودعوا إلى الكراهية والعنف جهاراً نهاراً وحملوا بيارق التكفير وهددوا السلم الاجتماعي وساهموا في تأخير المسلمين عن ركب غيرهم، وأنتجت أفكارهم ومناهجهم تنظيم القاعدة والجهاد والجماعات الإسلامية المتطرفة على طول وعرض العالم الإسلامي !ومن قلب هذا الركام، عزيزي القارئ الكريم ، انبعث دعاة الدولة الدينية والحكم باسم الله على الناس، وأدعياء الوصاية عن العرش الإلهي على الخلق!! وهم إن لبسوا للناس مسوح الضأن من اللين! إلا أنهم كما وصفهم (صلى الله عليه وسلم) :«ألسنتهم أحلى من السكر، وقلوبهم أمر من الصبر ».. كما إنهم وإن زعموا أنهم مع التطور والعلم والحريات فذلك من باب (المداراة عوضاً عن المجاراة) وعلى طريقة (التمسكن حتى التمكن)!! وهم وفق معايير العقل والعصر غير مؤهلين لقيادة وحكم العالم في عصر النهضة والذرة والمعلومة الوافرة المتوفرة لما يحملونه من جهالات وخرافات وترهات وآراء فاسدة زعموها ديناً زوراً وبهتاناً!! وكلهم من سلفيين وجهاديين وإخوانيين وجمعاويين وقاعديين ظلمات بعضها فوق بعض !! يستميتون من أجل التقوقع (بامتياز) في حضيض التراث الذي شوهوه (بالمحاشي والحواشي)، وقدسوا أفراده وعصموا رجاله من كل خطأ ونقص ولو كان على حساب عصمة القرآن الكريم، وسمو مقام الرسول الأمين (صلى الله عليه وسلم) وسماحة ويسر دين الإسلام العظيم !!
أخبار متعلقة