بالإعلان في المملكة العربية السعودية عن اكتشاف مجموعة من الخلايا الإرهابية نجد تطورين ملحوظين في الحرب ضد الإرهاب، التطور الأول هو هذا العدد الكبير نسبياً والذي بلغ مئة وسبعين عنصراً، وهو عدد لم يصل إلى هذا المجموع في السابق، حيث يفضل القائمون على مثل هذه الأعمال أن يكون العدد قليلاً ومحصوراً بين أهل الثقة. والتطور الثاني هو في الأهداف المعلن عن متابعتها، والتي تطورت لتكون انتقائية واستراتيجية في نفس الوقت، وهي استهداف كبار الشخصيات ومناطق النفط، وكلاهما يختلفان عن ما تم في السابق، فقد كانت الأهداف عشوائية وعامة تخضع للتجربة والخطأ. طبعاً الجديد هو في هذا السباق بين رجال الأمن وبين الخلايا الإرهابية، من الواضح أن رجال الأمن قد طوروا طرق ومناهج المتابعة كي تقع كل هذه الخلايا في يد السلطات قبل أن تطلق طلقة واحدة، وتوضع اليد على الأموال والأسلحة ووسائل الاتصال، إلا أن هذا التطور يقابله تطور آخر في تكتيكات الإرهابيين، فقد جمعوا المال ووجدوا مخابئ للأسلحة تبدو عصية على المتابعة، ما يمكن استخلاصه أن هناك ماراثوناً كبيراً بين تلك الخلايا ومناصريها و بين الأجهزة العامة للدولة. الإرهاب يضرب في كل مكان في منطقتنا، وهو يجد له مسرحاً جاهزاً للتدريب في العراق وربما في أماكن أخرى في الطريق إلى العراق أو في الإياب منه، كما يفرخ في قرى باكستان وفي تخوم أفغانستان مثله مثل تفريخه في المدن الصغيرة والمتوسطة في أوروبا كما حدث قبل الصيف الماضي في لندن. إلا أن الثابت والذي لا يريد البعض أن يعترف به أو مناقشته، أن مركزية الإرهاب، بأشكاله المختلفة، هو فكري، فالفكر هو القاعدة الرئيسية التي على أساسها يتم التجنيد وجمع المال ووضع خطط التخريب وتخريجها. ومن اللافت ولكن ليس الجديد أو المفاجئ، أن (بيعة أمير الجماعة) الأخيرة التي أعلنت عنها المملكة العربية السعودية قد تمت في ظلال الحرم المكي قبلة المسلمين جميعاً. أصحاب الفكر الظلامي يصرون على أن يخطفوا التراث ويجعلوه خاصاً بهم لا يشاركهم أحد فيه، كما أنهم يصرون على أن يكون فكرهم آحادياً له طريق واحد لا مناقشة حوله ولا رجعة عنه، هذا التيار الفكري الذي يغذي عقول الشباب ويجرفهم باتجاه التشدد أولاً ثم باتجاه الإرهاب ثانياً، هو فكر يحوم حولنا ويتجذر، بل ويقبله بعض منا على أساس انه جزء من الخارطة الفكرية، والجهود المبذولة لمقارعة هذا الفكر تذهب شتاتاً في الهواء، لأنها تتردد أو ترفض المواجهة الحقيقية، وهي الاعتراف بأن تعليمنا منقطع عن العصر، وفي كثير من الأوقات معاد له. التأثير على الآخرين يكون فعله أفضل وأنجح حين يكون جذاباً ومغرياً وشاهداً، وهنا تأتي وسائل الاتصال الحديثة لتقدم لنا الكثير من الفكر الظلامي، فالإرهاب التكفيري يسبقه بفترة الإرهاب التخديري، وهو المتوفر في الكثير من برامجنا التلفزيونية وما ينشر في وسائل إعلامنا، تجد هذا الرجل أو تلك المرأة. وهما في ملابس معينة يفرضان وجهة نظرهما في تفسير العالم اعتماداً على نصوص يجري تطويعها لتصورات بالغة الأغراض، وحتى تكتمل الصورة يبدو الزي والشكل الخارجي وطريقة الابتسام والتحذير منسجمة مع الرسالة التي يراد إرسالها. يعتقد بعض القائمين على مثل هذه الرسائل في تلفزيوناتنا الرسمية، والكثير الآن غير رسمي، أنهم يقدمون خدمة، وهي في الحقيقة خدمة مضادة، تقع على عقول في الغالب لم تتعود التفكير النقدي أو المنطقي فيصبح ما يقال وكأنه منزل. هذا الإرهاب التخديري يؤسس للإرهاب التكفيري الذي يليه. في مثل هذه الأجواء يصبح الإرهاب أمراً غير عابر بل هو مقيم ومؤسس على قاعدة لا تنضب من الرفد البشري، الخيار العقلاني المبني على النسبية في أمور الدنيا ليس وارداً في معظم ما نشاهد وما نقرأ، وما دام الأمر كذلك فإن الشكوى من جماعات الإرهاب لن تنتهي بانتهاء القبض على هذه المجموعة أو تلك. حدث أن قابلت بعضاً من أولئك الذين خرجوا من ذلك القمقم التكفيري وتم مناقشة الأمر معهم، فكانت الإجابات عن الأسئلة المعلقة والمقلقة، أنهم لم يكن بإمكانهم التفكير في قراءة مصادر أخرى غير ما يقرره عليهم رؤساهم ولم يكن بمقدورهم أن يفكروا مستقلين أو حتى يتحدثوا مع أناس قيل لهم أنهم ضالون.. هكذا يعزل الشباب عن المجتمع عزلاً نهائياً ويكُون له مرجعه الأحادي، دون قرارها لا يعرف حتى كيف يتناول وجباته اليومية. لقد فقد تعليمنا وإعلامنا في الغالب التوازن والقدرة على تصويب الخطأ حتى غدا منتجاً لبشر منعزلين ومتهورين ومنقادين عرضة لنداءات الغوغائية تحت سقف التراث.إذا كان قد تم اكتشاف الخلايا النائمة في المملكة العربية السعودية، فربما ثم ذلك بطرق حديثة، إلا أن تلك الجماعات تستخدم رموزاً مشفرة لا يمكن متابعتها مما يزيد من مجتمع المراقبة، ومما يهيئ آخرين للانضمام في المستقبل بسبب ضيق فرص التسامح في المجتمع. والمعادلة التي أمامنا هي كيف يمكن أن نعطي الثقة لجيل كامل ونتأكد من عدم انجراره للغلو في نفس الوقت، ليس هناك إجابة على هذه المعادلة غير التعليم المنهجي المفتوح والناقد الذي يخرج من بين دفتيه، المعرفة والمهارة أناساً قادرين على استخدام عقولهم قبل عواطفهم.العملية التصحيحية الحقيقة هي إعادة النظر في المفاهيم والفكر إعادة شجاعة توقف هذا العبث بالعقول. [c1]* نقلا عن /صحيفة (البيان) الإماراتية [/c]
الخلايا النائمة .. فكرية
أخبار متعلقة