الأمثال الشعبية- والحديث هنا عن المتداولة باللهجة اليومية المألوفة ومن ظاهر،وما يحتاج إلى التفكيك من معانيها- يتأكد لنا أنها خلاصة تجارب عاشتها الأمم،وظلت تستشهد،بصوابها وخطاها حتى اليوم،وإلى ماشاء الله.على أن في فلسفة الأمثال الشعبية والحكم حُلّياً فكرية نُزين بها عقولنا وسلوكنا وفيها قالت العرب:(المثل في الكلام كالملح في الطعام)ولسنا هنا بشأن فرز الجيد،والرديء منها،والتعرّض لما يصلح،وما لا يصلح،وتبيان الأسباب،وما إلى ذلك من المخارج والحلول،وحسن الانتقاء..ليس هذا المطلوب،لكن الأمر هنا يتعلق باستدراج أحد الأمثال،(كل واحد يشوف الناس بعين طبعه)استدراج هذا المثل إلى حلبة الموضوع لصلته بما نكتب،(أقواس)هذا الصباح.وهو المثل الذي اعتلى فجأة سطح البال قادماً من..من موقف الإنسان من نفسه،وموقفه من الآخرين،وبعبارة أدق نستعير قول العالم الفرد آدلر(إن من كان يشعر بالنقص،يدفعه شعوره هذا اتجاه نفسه،بأن الآخرين بهم نقص كذلك)ويستوي فيه،عندما لا يجد الفرد في الآخرين ما لا يجده في نفسه،يحكم على غيره من الناس بنفس الأسلوب الذي يحكم به على نفسه،في تساوي العلّة،واختلاف الشَّبَه،أو اختلاف العلّة مع تساوي الشبه.على أنه بالقدر الذي يحترم فيه الإنسان نفسه،يكون بمستوى احترامه للآخرين،ومن رضي عن نفسه،رضيت نفسه عن غيرها ومن رفض ذاته رفض كل الناس وهكذا تكون العلاقة الجوهرية،بين(الطريقة التي ينظر بها الإنسان لنفسه،وطريقته في النظر إلى غيره من الناس)ومع كل هذا لا ننكر أن هناك علاقة من النوع الممتاز تجمع بين الرضا عن الذات،وتقبّل الآخرين،علاقة تتنامى وتكبر كلما عمر الأفراد إلاّ من شذَّ عن القاعدة.ولأني على دراية بأننا لسنا لوحدنا على هذه الأرض،لا أرى حرجاً في أن استعير للفرد المعني،فقرة للدكتور مدحت صادق،أستاذ البيولوجيا،بكلية علوم أسيوط،مصر،وفيها،(قردُ يسقط خطأ في قناة أضفاها العشب،فإذا به بعد أن ينهض سريعاً،وينفض عن نفسه ما علق به،يتلفت حوله في كل اتجاه،وكأنه يخجل من أن يكون هناك من سجّل عليه سقطته.)في قول الدكتور مدحت شهادة تؤكد أن هذا الحيوان يدرك جيداً حقيقة وجوده،وليس ذلك بغريب،لكن الغريب ما بيَّنه التفاعل الاجتماعي لنا من نماذج بشرية لا يستحيي الواحد منهم من سقطة لسانه،تجاه الآخر شماتةً به،ويتصرف على نحو لا يليق به كإنسان،مع علمه بأنها سقطات محسوبة عليه،من حيث إنه رجل،-يتبّينُ ذاته-،ويفرّق بين الأصل والصورة.وما أظن أحداً لا يوازن بين سقطة لسانه،وشدّة وقعها..ووخزها المؤلم في نفس الآخر أن يكون غافلاً عن نتائج تصرّفه المعيب الذي يصنّف،ويحجّم ذاته في المجتمع.إلى جانب هذا الإفصاح المعيب القائم على الإغفال،أو الافتراضات الخاطئة المحفوفة بالمخاطر،تراه يتراجع،ويلجأ إلى تحرير سقطة لسانه بعذريحاول فيه جاهداً إقناع الآخر بتقبله حفاظاً على ماء الوجه،وهوعلى علم بأن(الرّتق كبير،والرقعة صغيرة).هذا النوع من الناس الذي يستعجل الإهانة،والشتيمة،لا يخدع غيره بقدر ما يخدع نفسه من خلال آلية عقلية لا شعورية،هي آلية التبرير،عندما يجد نفسه أمام جرم لساني يستعصي عليه الخروج منه.أنها حالة من الكراهية الأحادية للذات يعيشها في أرض ذات ماء وزرع،ترعى فوقها الضغينة،والبغضاء والشماتة.أوليس هذا أمراً مؤسفاً..؟!.وعطفاً على ما سبق نلتقي الحكيم،(بزرجمهر)،القائل.(عاداني الأعداء،فلم أرَ أعْدَىْ لي من نفسي إذا جهلتْ،وطلبت أحسن الأشياء عند الناس،فلم أرَ شيئاً أفضل من الخُلق الكريم.)لا من فقد ملامحه،وسماته،وأصبح يبيع النقاء؟،والقيم في سوق النخاسة.وعينُ الرّضا عن كلَّ عيبٍ كليلةولكنَّ عينَ السّخْطِ تبدي المساوِيا.وفي هذا الاتجاه للعرب أحكام عالية القيمة يستدلون بها على عقل الرجل بأمور متعددة منها،(محاسن الأخلاق،لا همّاز ولا لمّاز..وإعراضه عن رذائل الأفعال ورغبته في إسداء صنائع المعروف،وتجنبه ما يورثه سوء السمعة.)واقع الحال..من يسكت مسؤول،ومن لا يسمع مسؤول،ومن لا يكتب مسؤول،ومن يكتب مسؤول.[c1]نهاية التّطواف:[/c]مَنْ كانَ فَوقَ مَحلَّ الشمسِ موْضِعُهُفليسَ يرفَعُهُ شيءُ ولا يَضَعُالمتنّبي
أخبار متعلقة