بيّار عقل في حوار عبر الفضاء الأليكتروني مع "14 اكتوبر " :
شفاف الشرق الاوسط
حاورته عبر شبكة الانترنت / هدى فضلفي شريطه الاخير الذي بثته قناة (( الجزيرة )) الفضائية شن أسامة بن لادن هجوما مريرا على من أسماهم (( الليبراليين العرب )) وعلى وجه الخصوص في المملكة العربية السعودية ودول الخليج ، وذلك في سياق هجومه على موقف المملكة العربية السعودية الرافض لفكرة (( صدام الحضارات )) التي دافع عنها بن لادن باعتبارها اطار ( المعركة الفاصلة ) التي يخوضها تنظيم " القاعدة " ضد فسطاط الكفر ومن والاه من حكومات البلدان الاسلامية .والثابت ان التيار الليبرالي العربي لا يشكل نسيجاً واحداً بل يتكون من اطياف فكرية مختلفة يجمعها منهج مشترك في التحليل بعيدا عن عبودية الايديولوجيا التي تفترض القدرة على امتلاك الحقيقة ، والأجوبة الجاهزة على كل الاسئلة .ولما كان الفضاء الأليكتروني كنتاج لثورة تكنلوجيا الاتصالات والمعلومات يتميز بالقدرة على تجاوز الحدود وتحطيم الحواجز التي تحول دون حوار وتفاعل الأفكار بعيد عن التحكم بحركة تدفق المعارف والمعلومات ، فقد اصبح هذا الفضاء زاخرا بالعديد من المواقع التي ترعى مختلف االتيارات الفكرية والثقافية وتسهم في توفير فرص التعريف بها والحوار بين المشتغلين في حقولها . في هذا السياق يحتل موقع Metransparent Middle East الذي يبث اخباره ومعلوماته باللغات العربية والفرنسية والانكليزية من باريس ، ويديره الاستاذ بيار عقل اهمية متميزة لجهة التعريف بالتيار الليبرالي العربي ، وتحقيق التفاعل بين كافة المفكرين والمثقفين الليبراليين في العالم العربي الذين يستضيفهم هذا الموقع .وقد توجهت صحيفة "14 اكتوبر" الى الاستاذ بيار عقل واجرت معه هذه المقابلة عبر الانترنت :[c1]- متى تأسس موقعكم .. ولماذا أطلقتم عليه اسم " شفاف الشرق الأوسط".. وكم عدد زواره يوميا ؟[/c]-- عملية 11 سبتمبر 2001 آذنت بنهاية العالم العربي كما عرفناه. أصبح العرب خطراً على العالم، وعلى أنفسهم. في العام 2001، بدا حلم النهضة العربية أبعد مما كان في أوائل القرن التاسع عشر. بن لادن، ومنوّعات "البن لادنية" (و"الخمينية") طرحت على العرب مشروع إنتحار جماعي في مواجهة العالم، ومشروع إستبداد مؤبّد، وممهور بالختم الإلهي، تكون المرأة ضحيته الأولى، ويجرف الآثار المتبقية للحضارة والثقافة وحقوق الإنسان في منطقتنا. مشروع بن لادن هو مشروع عالَم ذكوري إستبدادي " يملك" فيه الرجل 4 زوجات وتندثر فيه الآداب والشعر والموسيقى والفرح والفلسفة والعلوم. باختصار، عالم يحلّ فيه الشيخ " الشعيبي"- رحمه الله- ( الذي أعتقد أنه ربما كان صاحب " فتوى" عملية 11 سبتمبر) محلّ إبن رشد. بذلك، يكون العرب قد اجتازوا دائرة كاملة: من "الجاهلية" التي خرجوا منها قبل 1400 عام إلى " الجاهلية" الجديدة.[c1]- افهم من كلامك ان هناك خطرا داخليا يهددنا من داخل ثقافتنا وواقعنا الملموس ؟[/c]-- نعم هنالك خطر داخلي، لكن أميركا والغرب ليسا جمعية خيرية. وقد أثبتت تجربة العراق أنه يستحيل بناء الديمقراطية من الخارج، أي بدون قوى داخلية ديمقراطية وعلمانية. [c1]- ما هو السؤال الذي يطرحه (( الشفاف )) كموقع ينتمي الى الليبرالية العربية ؟[/c]-- الليبرالية العربية ترفض مشروع الإنتحار الجماعي ، وتمثّل المصالح العربية، وتسعى لاستئناف مسيرة النهضة العربية، التي بدأت في مطلع القرن الثامن عشر، والتي تحالف العسكر والغرب والسوفيات على وأدها في الستين عاماً الأخيرة. السؤال الذي طرحه "الشفاف " هو: من هم " الليبراليون العرب" ؟ أين نجدهم؟ وكيف تتجلّى الليبرالية في كل بلد عربي؟ [c1]- متى تأسس موقعكم.. ولماذا أطلقتم عليه اسم " شفاف الشرق الأوسط " .. وكم عدد زواره يومياً ؟[/c]-- أطلقنا "الشفـّاف" قبل 27 شهراً كمحاولة للتعرّف على الليبرالية العربية كما هي في الواقع، وفي كل بلد عربي. ليس كما نتصوّرها أو نتوهّمها أو نريدها، بل كما هي حقيقةً. والحقيقة أنني اكتشفت الليبرالية العربية مع قرّاء "الشفّاف". لم أحصل على تمويل بل أطلقت الموقع بقواي الذاتية. إحصاءاتنا تفيد أن قراء الموقع بين 12 و15 ألفاً في اليوم. ويزيد هذا العدد في الأوضاع السياسية الإستثنائية، مثل " ربيع بيروت " في العام 2004 الذي شاركنا فيه ولو عن بُعد. [c1]- ثمة عدد كبير من الكُتّاب والمفكرين المستنيرين من ذوي الاتجاهات القومية والاشتراكية والإسلامية والعلمانية يكتبون في موقعكم.. ويُلاحظ أنّ ما يجمعهم هو النزوع إلى إعادة صياغة الفكر العربي باتجاه معاصرة الحداثة وترسيخ قيم التعددية والانفتاح والحوار والتعايش في إطار الاختلاف والتنوع. هل تعتقدون أنّ البيئة الثقافية العربية مؤهلة للتفاعل مع رسالة موقعكم؟[/c]-- إسمحي لي بملاحظة حول كلمة "الإشتراكية" الواردة في سؤالك. صحيح أن نسبة كبيرة من الليبراليين العرب " من خلفية إشتراكية أو يسارية أو ماركسية ". خصوصاً في سوريا ومصر ولبنان وربما اليمن.. أي أن " اليسار السابق" (ربما يتحفّظ البعض على تعبير "السابق") يحمل همّ التطوّر الديمقراطي الآن. بالمقابل، لا أذكر أن كاتباً من كتّاب "الشفّاف" ( وكثير منهم ناضلوا قديماً في أحزاب يسارية) قدّم بحثاً في "الإشتراكية". لماذا؟ ربما لأننا نعيش مرحلة تشبه مرحلة نهاية الكتلة السوفياتية، حينما صارت " الإشتراكية" رديفاً لـ"الإستبداد" وحكم الحزب الواحد والتأخّر الإقتصادي. هذا، ربما، لا يعني نبذ " الإشتراكية" كفكر مستقبلاً. لكن يبدو لي أنه ليس فكر المرحلة. تحدّثت لمدة ساعتين مع المناضل الشيوعي (السابق) رياض الترك، الذي قضى معظم حياته في الحزب الشيوعي السوري (الستاليني بامتياز) و17 عاماً في سجون سوريا. قلت له أنه لم يذكر كارل ماركس أو لينين خلال ساعتين من النقاش السياسي. كان جوابه "نحن أقرب إلى فكر ماركس الشاب"، أي إلى فكر "ماركس غير الماركسي" أنا موافق على جوابه. [c1]- وماذا عن الكتاب "القوميين" و"الإسلاميين"؟ [/c]-- ما يصحّ على "الإشتراكية" بهذا المعنى يصحّ أيضاً على ما يسمّى الفكر "القومي". الفكر القومي كان إيديولوجيةالنخب العسكرية الثورية والنخب الاستبدادية. القضية الكبرى للفكر القومي كانت قضية فلسطين. لم ينجح "القوميون" لا في "تحرير فلسطين" ولا في مشروع "الوحدة العربية". الآن، دخلنا، ومعنا الشعب الفلسطيني، في مرحلة السعي إلى السلام العادل. السلام، أي التعايش مع إسرائيل وإعادة بناء المجتمعات العربية المدمّرة وتحديثها، هذه الفكرة كانت من المحظورات حتى سنوات. فكرة "التعايش" ستصدم بعض قرّائك. ولكني على ثقة أنها لن تصدم أصدقائي الفلسطينيين في رام الله وغزة وأريحا. كل إستفتاءات الرأي تظهر أن أغلبية الشعب الفلسطيني في الداخل، وأغلبية شعب إسرائيل، تريد السلام. نحن مع السلام لأنه "مصلحة عربية". [c1]- حسنا استاذ بيار .. في ضوء هذا التحفظ ماهو القاسم المشترك بين كتاب وزوار موقعكم ؟ [/c]-- ما يجمع كتّاب الموقع هو ما نسمّيه "الليبرالية"، فقط لأن هذه التسمية تبدو الأكثر ملاءمة: والمقصود بها الليبرالية بمعناها الكلاسيكي ، وكذلك، وهذا مهم جداً، الفكر "النقدي" بمختلف تياراته. بما فيه فكر الإصلاح الإسلامي. وهذه ميّزة ما نسمّيه " الليبرالية العربية". ففي فكر النهضة العربية الحديثة يلتقي الليبرالي والديمقراطي والعلماني وداعية "حقوق الإنسان" و"المجتمع المدني" مع المصلح الإسلامي بدون حرج. ومن هذه الروافد كلها سينشأ تيّار النهضة العربية الجديدة. الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده والكواكبي وولي الدين يكن و.. هم بعض "الأجداد" المشتركين لليبراليين والعلمانيين والإسلاميين المستنيرين أو الإسلاميين الإصلاحيين. الفكر الإسلامي وحده لا يقف على قدميه في القرن 21 لأننا نعيش في " قرية كونية"، أي في حضارة كونية تستمد مصادرها من إسهامات البشرية كلها. ومن أبرز هذه الإسهامات البشرية فكرة "حقوق الإنسان" (وهي حصيلة تجربة "غربية" وليس "عربية") التي تمثّل مبدأ "دولياً" يتفوّق على أية إعتبارات ثقافية محلية. لكن التجربة الليبرالية العربية لا تستطيع أن تنقطع عن "الإصلاح الإسلامي". الإصلاح الديني في المسيحية، أي "البروتستانتية"، أي العودة إلى " الكتاب" على حساب التفسيرات و"الوسطاء" (الكنيسة في الغرب، يعادلها "العلماء" و"الفقهاء" عندنا. فليس صحيحاً أنه لا توجد "كنيسة" في الإسلام) كان عنصراً حاسماً في نشوء الحضارة الحديثة، أي ما اصطلحنا على تسميته بـ"الرأسمالية". ما يدهشني هو أنه ليس في "الشفّاف" كتّاب مشاغبون أو ملحدون أو " فوضويون" (بالمعنى الغربي). في حقبة الماركسية العربية، انحاز الجميع إلى ماركس ضد الفوضوية. لماذا؟ لأن الماركسية أقرب إلى الدين؟ الإلحاد، أيضاً، جزءاً من التراث العربي..[c1]- هل البيئة العربية مؤهلة لمثل هكذا اصلاح ؟[/c]-- البيئة الدولية ملائمة أكثر من السابق. عربياً، الليبرالية لن تقوم على المثقفين وحدهم، بل على الطبقات الوسطى كذلك. أصحاب المهن الحرة ونقاباتهم، ورجال الأعمال. سؤال أساسي: متى يلعب رجال الأعمال العرب دوراً في النهضة الليبرالية العربية؟البيئة الثقافية العربية بيئة مدمّرة. بصورة خاصة، البنى التعليمية العربية خارج العصر. وهذا ما فعله الإستبداد العربي. في هذا المجال، لا فرق بين الجنرالات وحكام النفط الآسيويين الذين يتعامل معهم العرب بعنصرية، سبقوا العرب بأجيال من الناحية التعليمية. إقرأي مقالات د. عبدالله المدني حول هذه النقطة. الكتاب العربي ممنوع. وقد اندثرت الصحافة في بلد مثل ليبيا. مع ذلك، على الصعيد الإيديولوجي، يمكن أن تلاحظي أن الصراع بات محسوماً مع نظم الإستبداد. نظام صدّام حسين كان "ساقطاً" على المستوى الإيديولوجي حتى قبل سقوط بغداد. هناك نظم كثيرة ساقطة إيديولوجياً بانتظار رحيلها عن الأرض . البيئة الثقافية العربية متفاوتة. المشكلة ليست في البيئة وحدها. المشكلة، أيضاً، في أن وسائل الإعلام الحديثة، ونظم التعليم، ما زالت في أيدي القوى المتخلّفة. الثروة النفطية تموّل القنوات التلفزيونية المتخلفة ولا تموّل قنوات فضائية ديمقراطية وعلمانية وليبرالية. لا مفرّ من أن تجد التيارات الليبرالية وسائل التعبير عن نفسها. الإنترنيت سيخدم قضية النهضة العربية. حالياً، يمكن لأي مواطن أن ينشئ "ويب لوغ" خاصاً به، أي موقعه الشخصي، في ساعة واحدة. نرفع شعار "ويب لوغ لكل مواطن". هذه أدوات المستقبل. المواقع الأصولية ليست المشكلة. المشكلة الحقيقية هي قلّة المواقع الليبرالية. [c1]- ما رأيكم في تداعيات واقعة نشر رسوم كاريكاتيرية مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلّم.. هناك من اعتبر نشر الرسوم مسألة تتعلق بحرية التعبير بلا حدود ضمن المعايير الأوروبية.. وهناك من شدّد على ضرورة الربط بين الحرية والمسؤولية؟ الاتحاد الأوروبي أخذ الموقف الأول.. والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا أخذتا بالموقف الثاني.. لكن العالم الإسلامي هاج وماج وانفجر غاضباً بمظاهرات صاخبة بعضها طالب بالمقاطعة التجارية، وآخر طالب بقطع العَلاقات الدبلوماسية أيضاً.. فيما ذهبت شوارع غاضبة في المشرق العربي وإيران وجنوب آسيا إلى الاعتداء على بعض السفارات وإحراق السيارات ومباني المطاعم الأمريكية والأوروبية.. كيف تفسرون هذه المفارقات في مشهد التداعيات التي رافقت نشر الرسوم المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلّم)؟[/c]-- السيرة النبوية قدوة للعالمين كما يقول جمال البنّا. ولن تتأثر السيرة النبوية، ولا الإسلام، برسوم تنشرها صحيفة دانماركية لم أنجح في حفظ إسمها. الرسوم المسيئة لم يشاهدها سوى بضع مئات من المسلمين، ولم يشاهدها الناس في العالم أجمع إلا بسبب الضجة التي أثيرت حولها. الضجّة حول الرسوم أثيرت بعد (5) أشهر من نشرها. بدأت القضية بسحب السفير السعودي، وتوالت الإحتجاجات من ليبيا وغيرها، ولكنها تحوّلت إلى أزمة عالمية " بفضل" قناة الجزيرة التي تخضع لتوجيه "الإخوان المسلمين" عبر الشيخ القرضاوي.لماذا تفجّرت القضية الآن؟ أزمة الرسوم تفجّرت بعد نجاح الإخوان المسلمين في الإنتخابات التشريعية بمصر ونجاح "حماس" في الإنتخابات الفلسطينية. وقبل ذلك كله، فالحكومة التركية الحالية هي حكومة جناح من "الإخوان المسلمين". السعودية حاولت أن تستخدم قضية الرسوم لإعادة إعتبارها إسلامياً بعد نجاحات "الإخوان" في مصر وفلسطين. وقد تمّت الإحتجاجات السعودية أثناء جولة الملك عبدالله بن عبد العزيز خارج المملكة، وهذه نقطة ملفتة للنظر. ولكن السعوديين تراجعوا. وحدهم "الإخوان" استمروا في الحملة. الشيخ القرضاوي ظل حتى الآن يرفض كل مشروعات "الحوار" بحجة أن الأمة الإسلامية " بحاجة" إلى ما يثير غضبها و يوحّد صفوفها. وهذه " الحاجة" هي بيت القصيد. ويمكن أن نستبدل "الأمة الإسلامية" بـ"الإخوان المسلمين" لنقول أن قضية الرسوم كانت الظرف المناسب لكي يعرض "الإخوان" عضلاتهم أمام أميركا وأوروبا. بكلام آخر، "الإخوان" الذين انتصروا في مصر وفلسطين أثبتوا أنهم قادرون على تحريك الشارع في باكستان وأفغانستان ونيجيريا وبلدان كثيرة أخرى. هذا يعني أنهم "مُحاور" يجدر بأميركا التعامل معه. أزمة الرسوم عملية سياسية، وليس قضية دينية. مغزاها السياسي هي أن "الإخوان" يريدون أن يعلنوا أنهم هم الطرف الرئيسي في ما يسمّى الإسلام السياسي. هذا يهمّش دور بعض الدول التي تحرص على لعب دور اسلامي محوري ، ولكنه يهمّش " القاعدة" والجماعات "السلفية الجهادية". "الإخوان" يقدمون أنفسهم باعتبارهم " البديل". لكن هذه العملية "الإخوانية" الناجحة اشتملت على عنصر "وهم". عنصر "الوهم" صنعته الفضائيات و" الجزيرة" تحديداً. مثل هذه العملية كانت مستحيلة بدون "الجزيرة". ولا أعرف إذا كانت التغييرات التي أحدثها القطريون في إدارة "الجزيرة" في الأسابيع الأخيرة على صلة بهذا الموضوع أم لا. لماذا عنصر "الوهم"؟ هل تذكرين مقتل الأميرة ديانا التي شاهد جنازتها 2 مليار إنسان؟ لماذا كان مقتل الأميرة ديانا حدثاً يتأثر به ثلث الإنسانية (بما فيهم العرب)؟ الفضائيات الغربية والعربية هي التي "صنعت" صورة ديانا التي تأثّر بها الناس. الإعلام الحديث سلاح خطير يمكن إستخدامه لإشعال حروب وإثارة أزمات على نطاق عالمي. لولا "الجزيرة" والفضائيات الأخرى بدرجة أقل لكانت " أزمة الرسوم" قد انحصرت في إحتجاجات ديبلوماسية أو محلية في أفضل الأحوال. أزمة الرسوم أبرزت " الإخوان" باعتبارهم القوة الرئيسية في العالم الإسلامي- على حساب الدول الاسلامية المحورية و" الجهاديين" معاً. ووجّهت ضربة جديدة لـ"حرية التعبير" في العالم العربي. أعتقد أن اليمنيين دفعوا ثمن هذا الهجوم المبرّر دينياً على الحريات الصحفية. هذه أفضل هدية تقدمها حركة سياسية لحكام المنطقة: الجماهير التي تخرج للمطالبة بقمع حرية التعبير. بالمناسبة، معظم كتّاب "الشفّاف" تناولوا الموضوع من الزاوية الدينية. وهذا لا يكفي. جماعة "الإخوان" تفوّقت في التحليل السياسي.[c1]- نشر موقع مجلة Reason on line الاميركية مقابلة معكم أعادت نشرها مواقع أمريكية أخرى .. ولاحظنا أنّكم أعربتم في تلك المقابلة عن عدم ارتياحكم للدور الذي تلعبه الفضائيات العربية الكبرى في تزييف الوعي العربي من خلال استخدام تقنيات الحداثة.. لكن الفضائيات ليست وحدها من يفعل ذلك.. فهناك أيضاً عشرات المواقع الإليكترونية التي يستخدمها المتطرفون لنشر أفكار متشددة عبر الانترنت تدعو إلى الانغلاق والاستغراق في الماضي.. ما تعليقكم؟[/c]-- المشهد الإعلامي العربي ربّما الأغرب في العالم. الصحف العربية الأكثر انتشارا وانفتاحا تصدر من خارج العالم العربي.. "الشرق الأوسط" و"الحياة" و"الجزيرة" لعبت دوراً إيجابياً في كسر الإحتكار الحكومي للإعلام، وتجرّأت على طرح ما لا تطرحه وسائل الإعلام المحلية. لكن الثمن باهظ. هنالك " ضريبة" يدفعها المحرّرون والصحفيون "مراعاة" لمموّلي هذه الصحافة، ومن لا يراعي يتم إبعاده كما حصل مع العفيف الأخضر وصحفيين آخرين، ، تعني نشوء أجيال من "الصحفيين" الذين يشمّون رائحة " الخطوط الحمر" بالغريزة.. ثم أن هذا الإحتكار للإعلام يسمح بحجب المعلومات عن القارئ بقرارات من الحكومة التي ينتمي اليها مالك هذه الوسيلة الاعلامية او تلك .بالنسبة للقنوات الفضائية، أقصد "الجزيرة" والقنوات السلفية العربية ، فما تقوم به خطير. قيل لي أن " الجزيرة" و"المجد" تدخلان إلى بيوت الليبيين العاديين وتحوّل الإسلام الليبي المتسامح، أي الإسلام الصوفي، إلى إسلام إخواني وإسلام سلفي متشدّد ومتعصّب. هذه الفضائيات ليست فضائيات إعلامية، إنها أدوات دعائية. وجميعها لا تقف على قدميها مالياً، أي أنها بحاجة إلى تمويل إما من الحكومات أو من القطاع الخاص، الوهابي أو الإخواني. [c1]- وما هو المطلوب للخلاص من هذا الوضع ؟ [/c]--المطلوب شيء واحد: إلغاء الرقابة على الكتاب وعلى الصحيفة وعلى الإذاعة والتلفزيون في كل البلدان العربية. أي خلق سوق واحد كبير تعيش فيه الصحف من قرّائها، والمؤلّفون من إيرادات كتبهم. عندها، لن يظل الصحفيون "مرتزقة"، وسيصبح الصحفي العربي مثل زميله الأوروبي أو الياباني. ألا يخجل العرب؟ روائي تركي يصدر رواية تبيع 100 ألف نسخة في الأسبوع الأول وتقول الصحافة الأوروبية أنه لم يبقَ "دكّنجي" في برّ الأناضول لم يشتر نسخة منها. هذه الأمة التعيسة لم تؤمّن حتى لنجيب محفوظ أو نزار قبّاني العيش بكرامة من إنتاجهم الأدبي. لدي إقتراح لقناة الجزيرة: أن يتناوب على برنامج " الشريعة والحياة" الشيخ القرضاوي وجمال البنّا. أسبوعاً بعد أسبوع. بعد 6 أشهر سنرى إحصاءات المتفرّجين، وسنعرف ماذا يفضّل الناس. هل تقبل " الجزيرة" هذا الإقتراح؟ [c1]- لكن هناك مصاعب وتناقضات وإشكاليات في المشهد الديمقراطي.. فالنواب المنتخبون في الكويت على سبيل المثال كانوا عقبة أمام منح الحقوق السياسية للمرأة، وأسقطوا مشاريع قوانين تقدمت بها السلطة عدة مرات.. وعندما أضطر النواب المنتخبون مؤخراً للرضوخ، أمام ضغوط السلطة والمجتمع بالموافقة على تمرير قانون يسمح للمرأة بممارسة حقوقها السياسية قيل إنّ الحكومة دفعت رشاوى بالملايين للنواب كي يوافقوا، كما حدث شيء من هذا القبيل عندما قام النواب المنتخبون في اليمن في عام 1995م بتعديل قانون الأحوال الشخصية وأدخلوا عليه تعديلاً يسمح لولي الطفلة بتزويجها وهي طفلة، وهذا يعطي الحق لمن تمّ عقد قرانه عليها بالدخول عليها، عندما تكون صالحة للوطء؟[/c]-- متى يعي هؤلاء الفحول المجردون من الانسانية وأمثالهم، ان دماء النساء ليست رخيصة، تُهدر بوحشية وجنون دون يكون هناك حسيب أو رقيب." هذا الكلام للسعودية الرائعة السيّدة وجيهة الحويدر. عقدة العقد في العقل العربي هي عقدة "المرأة". وحينما يتّسع عقل الرجل العربي لفكرة أن المرأة مساوية له مئة بالمئة، وربما 110 بالمئة، عندها يصبح قادراً على استيعاب كل حضارات العصر. الإسلام لم يحرّم العبودية، ولكن حثّ على إعتاق العبيد. مع ذلك، وقّعت كل دول العرب على إتفاقية منع الرقّ والعبودية. لكن العرب ظلوا يتذرّعون بالإسلام لاستعباد المرأة. ماذا يعني زواج المسيار؟ إنه مجرّد علاقة جنسية لمصلحة الرجل "المليونير". هل تملك الطبقات الشعبية القدرة المالية على تطبيق شروط " زواج المسيار"؟ أم أن الله شرّع زواجاً لـ" الميسورين"؟ في النهاية، إذا لم تستردّ المرأة مكانتها بنفسها، فإن العالم سيفرض على العرب المساواة التامة فرضاً. العالم فرض على الدول العربية شروطاً لكي تنضم إلى منظمة التجارة العالمية. ينبغي على الليبراليين العرب أن يطالبوا دول العالم بأن ترفض انضمام أية دولة أخرى لا تساوي المرأة بالرجل مساواة تامة. كما قال رئيسكم: "إ ذا لم يحلق العرب بأنفسهم، فسيحلق العالم لهم".إذا فرضت الظروف في أي بلد عربي أن يتعاون الليبراليون مع قوى إسلامية من أجل التغيير، فإن تحرّر المرأة ينبغي أن يكون "خطاً أحمر". إذا تراجع الليبراليون حول موضوع المرأة (وهنالك ليبراليون مزعومون يقبلون بذلك) يكونون قد خسروا معركة المستقبل. المرأة خط أحمر.[c1]-هل هنالك أمثلة تاريخية على ذلك؟[/c]-- في عام 1806م، قرّر نابليون بونابرت أن يعالج "المسألة اليهودية" في فرنسا. عقد مجلساً دينياً شاملاً لليهود كان المجلس الأول منذ مجلس مماثل انعقد في القدس قبل 1700 سنة. طرح بونابرت 12 سؤالاً على حاخامات اليهود وأعيانهم. السؤال الأول: هل تقبلون بمنع تعدد الزوجات؟ السؤال الثالث: هل تقبلون بزواج اليهودية من غير يهودي؟ بونابرت قال لليهود أن عليهم، إذا أرادوا الإندماج في فرنسا ما بعد الثورة، أن يختاروا. وافق اليهود على أن دينهم لا يدعو لتعدد الزوجات، ويقبل بزواج اليهودية من غير يهودي، ومسائل أخرى. بعدها انفتحت أبواب "المواطنية" لليهود الفرنسيين. كان اليهودي يرفض تعليم أبنائه في المدارس العامة، ويصر على إرسالهم إلى "المدارس التلمودية" (أي ما يعادل "المدارس القرآنية"). لماذا؟ لأن "التلمود" أهمّ من العلوم الحديثة. هذا الموقف كان يناسب الحاخامات لأنه كان يعطيهم مكانة إجتماعية عظيمة، مثل مكانة بعض مشايخ المسلمين حالياً. بعد إصلاحات بونابرت، دخل اليهود في المجتمع الحديث وتفوّقوا فيه. أفضل أطباء فرنسا حالياً من اليهود. هذا هو المستقبل العربي. "أطلبوا العلم ولو في الصين".[c1]- ماهو تقييمكم لحضور المثقفين اليمنيين في الفضاء الأليكتروني الذي اصبح يشكل ملتفى للحوارات والمناقشات الفكرية والثقافية والسياسية ؟[/c]-- هنالك (إنتلجنسيا) مدهشة في اليمن. كثيراً ما فاجأني المثقفون اليمنيون، الذين كنت أقع على مقالاتهم بالصدفة، بجدّيتهم وتسامحهم (حتى بعض مثقّفي "الإصلاح") وأحياناً بجرأتهم. مخجل أنني لم أتعرف إلى أحمد الحبيشي وإلهام المانع إلا قبل أشهر، بفضل "الشفاف".. مثقفة سعودية كتبت لتقول لي أن الموقع أعاد الصلات المقطوعة بين المثقفين العرب منذ أجيال. اعتبرت إطراءها مبالغاً، ولكن الواقع هو أن سحق الثقافة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين أحدث مثل هذا الإنقطاع. اليمن مجتمع عريق وكبير. على اليمنيين أن يحتلّوا موقعهم في خريطة الثقافة العربية. ماذا ينتظرون؟ما أتمنّاه هو أن يصبح "الشفّاف" موقعاً يمنياً. وكذلك موقعاً سعودياً. ومصرياً. ومغربياً. إلخ.. جامعة مصغّرة للديمقراطيين العرب .